‘جاكسون ديل يكتب: أميركا وتوترات الشرق الأوسط’
12 يناير، 2016
وقت القراءة دقيقة
جاكسون ديل
أثار إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي «نمر النمر» ردود فعل قوية عبر الشرق الأوسط الأسبوع الماضي؛ ولكن ما كان أقل لفتاً للانتباه– وربما أقل قابلية للاغتفار- هو ردود الفعل الحزبية الضيقة والطائفية تقريباً التي أثارها في واشنطن. فـ«الجمهوريون»، وفي مقدمتهم المرشحون الرئاسيون، سارعوا إلى تفهم أو الدفاع عن إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي حيث قال السيناتور ماركو روبيو: «إن رد الفعل الأميركي ينبغي أن يكون هو الوقوف إلى جانب حلفائنا».
وفي الأثناء، كانت إدارة أوباما تميل نحو إيران، التي نددت بإعدام رجل الدين الشيعي بشدة وسمحت لمحتجين ونشطاء بالهجوم على السفارة السعودية في طهران؛ حيث تحاشت وزارة الخارجية الأميركية تحميل نظام آية الله علي خامنئي مسؤولية أعمال العنف، وتبنت موقفاً محايداً إزاء الخلاف بين البلدين– وهو ما يُعتبر موقفاً استثنائياً بالنظر إلى عقود من التحالف الأميركية مع السعودية ومشاعر العداء مع إيران.
ثم سرعان ما تبين أن أولى أولويات البيت الأبيض هي تجنب أي كلمات أو أعمال من شأنها عرقلة التطبيق الحالي للاتفاق النووي مع إيران، على غرار تراجعها في اللحظات الأخيرة يوم الثلاثين من ديسمبر عن فرض عقوبات على طهران بسبب عمليات إطلاق صاروخي شكّلت خرقاً لقرار مجلس الأمن الدولي، ووعد بالتخلي عن قيود جديدة من قبل الكونجرس على التأشيرات بالنسبة للأجانب الذين يزورون إيران.
وباختصار، يمكن القول إنه إذا كان «الجمهوريون يميلون للسعودية»، مثلما كتب «بيتر بينارت» في مجلة «ذي أتلانتيك»، فإن أوباما وفريقه للسياسية الخارجية «مالوا نحو طهران»، مثلما كتب جوش روجن وإيلاي لايك في «بلومبيرج». ولكن كلا الموقفين ينمان عن ضيق أفق في الحقيقة.
والواقع أن إدارة أوباما لم تتخل عن السعودية في الحقيقة؛ ذلك أنها ما انفكت تغدق عليها أسلحة جديدة منذ اتفاقها مع إيران. ولكن «الجمهوريين» محقون على الأرجح حين يجادلون بأن مصالحة أوباما غير المسؤولة مع إيران هي التي تدفع السعودية للصرامة والتشدد، مما يؤجج النزاع الطائفي ويفاقمه.
ويمكن القول إن التراجع الأميركي المحرج عن فرض عقوبات صاروخية كان مضراً بشكل خاص. ففي البداية، اتهمت الإدارة الأميركية طهران بخرق قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بالاتفاق النووي من خلال إجرائها اختبارات لصواريخ طويلة المدى، ولكنها بعد ذلك عمدت لسحب مجموعة من العقوبات المالية الخفيفة نسبياً على الشركات والأفراد بعد ساعات على إشعار الكونجرس بذلك. وقد وصف المسؤولون الأميركيون التأخير بـ«التقني»، ولكن رغم مرور 11 يوماً لم يصدر القرار بعد. وبالتالي، فإن الرسالة التي يبعث بها كل ذلك، وبغض النظر عن صحتها، هو أن واشنطن تفتقر للإرادة لمعاقبة إيران بسبب انتهاكات واضحة.
إن الغائب في خطاب «الجمهوريين» وسياسات أوباما هو إدراك للمصالح الأميركية الجوهرية وطويلة المدى في الشرق الأوسط، أو كيف يمكن حماية تلك المصالح والدفاع عنها وسط الاضطرابات الطائفية. وتبعاً لذلك، على الأميركيين أن يتساءلوا حول ما ينبغي تغييره في المنطقة حتى يتسنى استقرارها وتحديثها- وحول القوى التي يمكن أن تساهم في الدفع بذلك.
وإذا كان يراد لإراقة الدماء أن تتوقف، فيجب أن تحصل الأقليات– سواء السنة أو الشيعة، المسيحيين أو الأكراد– على حقوقها الأساسية. وهذا يعني دعم أنصار الإصلاح السلمي ومطالبة حكوماتهم بالتجاوب مع مطالبهم قبل أن يحصلوا على مزيد من الأسلحة الأميركية. ويعني التخلي عن الموقف غير الأخلاقي وغير العملي المتمثل في أن إعادة تشكيل العراق وسوريا أهم وينبغي أن تقدَّم على السماح بوطن للأكراد. ويعني كذلك إزالة نظام بشار الأسد الخبيث الذي تُعتبر جرائمه ضد الإنسانية مسؤولةً عن كثير من الفوضى التي تعم المنطقة حالياً.
وعلى غرار الأكراد، فإن الليبراليين العلمانيين في المنطقة يُعتبرون حلفاء طبيعيين للولايات المتحدة– وخاصة في مصر وتونس والأردن والمغرب- غير أن إدارة أوباما وخصومها «الجمهوريين» كثيراً ما يتجاهلونهم، بينما يقومون بدعم واحتضان زعماء مستبدين يسجنونهم ويقتلونهم. والحال أن الاضطرابات الأخيرة في المنطقة كشفت عن شرق أوسط في حاجة ماسة لقوة خارجية مساعدة تساهم في إعادة الهدوء والاستقرار. ولكن رد الفعل في واشنطن يشير إلى المساعدة الأميركية ليست قريبة!
المصدر: الإتحاد