إعدام النمر.. وتعميق الانقسام
13 يناير، 2016
- حازم مبيضين – إيلاف
جاء إعدام الشيخ السعودي نمر النمر ليكشف عمق حالة العداء السعودي الإيراني، ويميط اللثام عن حدة الاصطفاف الطائفي في المنطقة، فطهران اتخذت موقف المدافع عن شخص لاينتمي للدولة الايرانية، ولكنه ينتمي للطائفة الحاكمة هناك، وهو مؤمن بولاية الفقيه ويرفض مبايعة حكام السعودية، وهذا ما أشار إليه شقيقه محمد قائلاً إنه كان صارخاً في رأيه حاداَ في مقولاته وخطاباته، وشدد أن الصدام بين السعودية وإيران سياسي، وأن ولاء الشيعة في السعودية لوطنهم رغم انتمائهم الطائفي، ودان الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، مع تقديره العواطف تجاه الشهيد الحاضر في وجدان الجميع، والمهم هنا أن الموقف الإيراني ينهي عملياً أي آمال بتنسيق جهود الجانبينلمواجهة خطر “داعش”، رغم إدراكهما لخطره الكبير على المنطقة والعالم.
إعدام النمر وإن حُمّل أبعادا طائفية، كان رسالة بأن الرياض لن تتهاون مع الإرهاب بغض النظر عن مصدره، والواضح أن إعدامه لم يكن لأسباب داخلية فقط، إنما حمل رسالة مرتبطة بالسياسة الخارجية، مفادها أنه إذا لم تقف واشنطن في وجه إيران، فإن الرياض ستفعل ذلك بنفسها، فالتوتر بين الدولتين لن يحل بالطرق الدبلوماسية وحدها، ويثير ذلك المخاوف من حرب جديدة تتفوق زمنياً على الحرب العراقية الإيرانية، فالعملية التي استهلت بها الرياض العام الجديد لا يمكن لأحد التكهن بتداعياتها، وإن كانت نتائجها الواضحة تتراوح بين تأجيج النزاعات الإقليمية، وتحويلها إلى حروب استنزاف بالوكالة، أو الدفعبالصراع الإقليمي إلى حرب مذهبية مباشرة، ساحاتها تمتد من سوريا إلى العراق وبعض دول الخليج، ورغم أن الرياض شددت على أن العملية لم تكن فعلاً طائفياً، وأن إعدامه لم يكن لأنّه شيعيّ، وإنما لإعلانه عدم السّمع والطاعة لوليّ الأمر وعدم مبايعته له، فإن الارتدادات الطائفية للحدث تجاوزت كل الحدود، وإذ يرى البعض أن إعدامه جاء في سياق الصراع الاقليمي، فإن الواضح أن السعودية تواجه تهديداً يمس الضمانات التي وفّرت استقراراً وتماسكاً لدولة لم تنتقل بعد إلى دولة وطنية مكتملة النمو.
في الأزمة القائمة اليوم، دان مجلس الأمن الدولي باقصى حزم ممكن الاعتداءات على البعثتين الدبلوماسيتين السعوديتين، ودعا البيت الأبيض الجانبين إلى ضبط النفس، وأعربت لندن عن قلقها إزاء تصاعد التوتر بين البلدين خشية أن يكون هذا الوضع عائقًا أمام تسوية النزاع في سوريا، ودعا برلمانيون روس واشنطن وموسكو ولندن وباريس لإطلاق مفاوضات عاجلة حول استقرار الوضع في المنطقة، خشية اندلاع أعمال قتالية، بعد انقسام العالم الإسلامي إلى معسكرين بين الشيعة والسنة، وكانت موسكو وباريس أبدتا استعدادهما للوساطة بين الرياض وطهران لحل الخلاف بينهما، وفي الأثناء زار الوسيط الاممي ستيفان دي ميستورا الرياض وطهران، للحصول على ضمانات بأن التقدم الذي تحقق في جهود إحلال السلام في سوريا، ليس في خطر، وبعد كل ذلك قال وزير خارجية إيران إنه ينبغي تخفيف حدة التوتر مع السعودية.ردود الفعل الرسمية والشعبية اقتصرت على التنديد بإعدام النمر، وتجاهلت اعدام 46 مُداناً بالإرهاب خشية الاتهام بالتعاطف مع القاعدة، وبديهي أن السعودية احتاطت لردود الفعل المتوقعة، شيعياً وقاعدياً، بما في ذلك حشد الأغلبية السنية خلف الرياض وسياساتها، ويبدو أن طهران وقعت في مصيدة الاستفزاز السعودي، وهي بتغاضيها عن حرق السفارة السعودية تكون أحبطت معظم محاولاتها للعودة إلى المجتمع الدولي بعد توقيع الاتفاق النووي، ولن يكون حصيفاً السعي إلى إضفاء شرعية الولي الفقيه على كل الشيعة في العالم.
فالنمر شيعي لكنه سعودي، في بلد يضم الكثير من المذاهب، وليس منطقياً أن تتبنى إيران زيدية اليمن، وهم أقرب إلى السُنّة، وحربهم في اليمن تتم بأدوات عربية، وهي تتبنى حزب الله اللبناني، وبعض التنظيمات العراقية والحوثيين، وشيعة السعودية والبحرين، ما يوحي بأن هدف كل هذه الحروب هو هيمنة نظام الولي الفقيه على شيعة العالم، وهي ترفع اليوم قميص النمر الملطخ بالدم، فقط لكونه عارض حكام السعودية، ودعا إلى ضم البحرين إلى دولة الشيعة في الجزيرة العربية، رغم أنه هاجم بقسوة النظام السوري باعتباره نظاماً ظالماً، وإن كان يحظى بدعم ايران.
هل يمكن لإعدام النمر أن يترك فراغاً كبيراً في الشارع الشيعي، يؤدي إلى بروز قيادات شابة أكثر تطرفاً؟، إن سلمنا بأنه كان صمّام أمان لمنع انفجار الشارع الشيعي في السعودية، وأن حراكه كان اجتماعياً يستهدف حصول السعوديين الشيعة على حقوقهم الاجتماعية، مع أن الرياض تتهمه بالتحريض على الانفصال، ولعّل سيرته تحوي الكثير مما يدفع حكام السعودية للتخلص منه، فدوره السياسي يتنامى متخطياً الحدود، وقد أضاف إلى تصريحاته ضد آل سعود، تأثيراً ليس بسيطاً في الأوساط الشيعية داخل الكويت، وعُمان، وقطر، والإمارات، كانت خطا أحمر غير مسموح بتجاوزه، ورغم أنه لم يكن عالم دين حائز على درجات علمية، ولم يكن صاحب أبحاث فقهية، فإن عملية إعدامه رفعته عند البعض إلى مصاف الأولياء، وقسمت المسلمين فوق ما هم عليه من الانقسام.