عن الشامتين بجوع مضايا


unnamed (2)

نُشرت خلال الأيام الماضية مجموعة كبيرة من الصور والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، لداعمين لـ »حزب الله« اللبناني، المتدخل في سورية والمُحاصِر بلدة مضايا يداً بيد مع النظام الحليف في دمشق.

الجامع بين تلك الصور والتعليقات والفيديوات، هو الشماتة بالمحاصرين الجائعين، والتشفي بإذلالهم وموتهم، والتهكم الساخر عليهم وعلى المتعاطفين معهم أو الداعين لفك الحصار عنهم.مما لا شك فيه أن الموجودين في مضايا يمثلون عدواً غير تقليدي، بعدما أصبح العدو»منا وفينا« لأولئك الشامتين أو الفرحين بالحصار، لا سيما أن الممانعة وذيلها المقاوم في لبنان يعدون المحاصَرين أعداء وإرهابيين. كما ليس بغريب على جنود الممانعة المدنيين في سورية أن يطالبوا نظامهم بإبادة المناطق الثائرة، وتحويلها »مزارع بطاطا« مثلما تكرر على مسامعنا منذ بداية الثورة السورية.

لكن اللافت في الشامتين هذه المرة ليس فحسب كون معظمهم إعلاميين ومراسلين ومصورين، ولا كون معظم الصور القادمة من تحت الحصار لأطفال ومسنين جفت عروقهم من الجوع ونقص التغذية، بل في كون نوعيتهم تزيد المأساة السورية الحاصلة لمن يقع عليهم الحيف والظلم والموت والدمار والتشرد مأسوية.

إنه العدو البالغ ذلك الدرك من الانحطاط النفسي والوضاعة الأخلاقية، وكون تلك السمة النفسية التي يُعمل دائماً على ترجمتها سياسياً، أصبحت سمة ذات حامل اجتماعي وسياسي كبير، يمتد من طهران إلى لبنان، ويشمل، ضمن من يشمل، نخبة ممن يُفترض أن يكونوا أعداء رسميين، من أصحاب الأعلام السوداء والسجلّ الأسود.والحقيقة أن التشابه بين »داعش« والنظام السوري و »حزب الله«، لا يقتصر على طبيعة الفعل الإجرامي القائم على أرض الواقع، بل يتعداه نحو الجنود المدنيين المقتنعين فعلاً بصوابية أسيادهم، وشرّية أعدائهم المطلقة.

واللافت حقاً في تصوير الطعام كتضامن هزليمع محاصري مضايا، أنه تعبير مدني عن القسوة والانفصال الاخلاقي والنفسي عن الضحايا، متشابه الى حد التطابق مع ذات القسوة والانفصال النفسي اللذين يمارسهما مرتكبو الجرائم الداعشية من صلب وقطع رؤوس لضحاياهم، ومع الشبيحة ورجال الأمن السوري الذين ملأت الصور والفيديوات التي صوروها هم أنفسهم غالباً، وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وهم يستمتعون بتعذيب ضحاياهم بأشد أنواع القسوة، من دون أن يرف لهم جفن، بل غالباً بضحك واستهتار بآلام الضحية، ما يدل على المتعة السادية المريضة وانعدام القدرة المطلق على تمثل الضحايا أو التفكير بهم انسانياً.

التعبير العلني عن المتعة بموت الأطفال جوعاً، هو القول صراحة إن ما يبطنه هؤلاء هو ما يفعله صراحة أسيادهم وممثلوهم على الأرض، والعكس صحيح، أي أن ما يفعله الشبيحة وجنود ولاية الفقيه، بالإضافة الى جنود الخلافة أيضاً، ليس سوى ايصال ما يبطنه هؤلاء المدنيون إلى نهايته.

لكن هذا البلاء المبتلية به منطقتنا، والذي أصبح واقعاً يفوق الخيال، لا تكمن أهميته في حصوله وانقضائه أو الوصول إلى مستوياته وحسب، بل في ما يثيره من فزعٍ، ما يجعل كل كلام عن حلول سياسية كلاماً عن عودة للتعايش الإكراهي، أو التعايش غير القابل للعيش الذي كان يخفيه الاكراه أو يلجمه بقيوده المكروهة.

ذلك أن هذا النوع من التعايش ولاّد للخراب أكثر من كونه منتجاً للأوطان القابلة للحياة، أو للتعايش والاندماج الوطني المأمول أو المُتخيل.