‘جيفري كمب يكتب: الهجرة والمهاجرون.. أزمة تتفاقم’
15 يناير، 2016
جيفري كمب
الاعتداءات التي تعرضت لها نساء على أيدي شبان خلال احتفالات رأس السنة الجديدة، في عدد من المدن الأوروبية، خاصة في ألمانيا، ألقت بظلالها القوية على النقاش الدائر حالياً حول سياسة أوروبية موحدة بخصوص الهجرة، حيث عرفت نسبة التأييد الشعبي للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والتي تدافع عن سياسة «الباب المفتوح» في التعاطي مع مشكلة اللاجئين القادمين من مناطق الأزمات والحروب في الشرق الأوسط، تدنياً لافتاً في استطلاعات الرأي خلال الأيام والأسابيع الأخيرة، وباتت ميركل اليوم تواجه أسوأ أزمة في فترة مستشاريتها، حيث أصبحت أعداد متزايدة من المواطنين الألمان تعارض سياستها بخصوص اللاجئين، وذلك على غرار العديد من الزعماء الآخرين في الاتحاد الأوروبي.
السبب المباشر للمشكلة الحالية، هو اكتشاف أدلة على أن عدداً من الرجال المتورطين في تلك الاعتداءات التي وقعت ليلة رأس السنة الجديدة، خاصة في مدينة كولون الألمانية، كانوا من اللاجئين الذين مُنحوا حق اللجوء في ألمانيا مؤخراً، وهو الأمر الذي يصب في مصلحة الأحزاب والتنظيمات اليمينية التي حاولت استغلال تلك الأحداث، وباتت ترفع الصوت مطالبة بإنهاء سياسات ميركل الخاصة بالهجرة.
المأزق بالنسبة للمستشارة الألمانية هو أن مخططاتها القاضية بإعادة توطين أكثر من مليون لاجئ في ألمانيا، كانت قائمة على أمل أن يكون ثمة اتفاق بين كل البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على أنه إذا كانت ألمانيا ستستقبل أكبر عدد من اللاجئين، فإنه ينبغي على الدول الأعضاء الأخرى أن تساهم في تحمل جزء من العبء، وتستقبل بدورها عدداً من اللاجئين يتناسب مع حجم سكانها وثروتها الوطنية وقدراتها الاقتصادية، لكن ذلك لم يحدث، حيث لم تقبل بلدان كبيرة مثل المجر وبولندا وجمهورية التشيك، نظام الحصص (الكوتا) الذي يتم بموجبه تحديد عدد اللاجئين الذين ينبغي أن يستقبلهم كل بلد على حدة.
أما المشكلة الكبيرة الأخرى، فهي أن حدود أوروبا ليست آمنة، وإذا كانت دراسة طلبات طالبي اللجوء لا تتم بشكل صحيح في أول بلد دخول أوروبي، فإن الحدود المفتوحة لأوروبا القارية، والتي تنص عليها اتفاقية شنجن، ستصبح جزءاً من مشكلة مراقبة تدفق المهاجرين. والجدير بالذكر في هذا السياق أن الحدود بين السويد والدنمارك خضعت الأسبوع الماضي لعمليات تفتيش مكثفة، في مسعى لمنع المهاجرين الذين لا يتوافرون على الأوراق القانونية اللازمة من العبور إلى أراضي السويد، ونظراً لأن أكثر من 10 آلاف مواطن سويدي يسافرون يومياً من مالمو إلى كوبنهاجن من أجل العمل، فإن فرض عمليات مراقبة يزيد من أعباء الرحلة اليومية لهؤلاء المواطنين لأوروبيين، لاسيما وأن الدنمارك قررت أن تحذو حذو السويد، وتفرض عمليات مراقبة مماثلة للتحقق من أوراق الأشخاص الذين يسافرون من البلاد وإليها.
والحال أن عمليات المراقبة هذه لم يكن من الممكن تخيلها قبل نحو عام من الآن، خاصة بين بلدين، مثل الدنمارك والسويد، اللذين يُعتبران من أكثر البلدان الأوروبية ليبرالية، ودعماً لطالبي اللجوء، وتشير إلى أنه ما لم يتم التوصل إلى سياسة أوروبية مشتركة، فإن تجربة شينجن قد يتم التخلي عنها بالكامل، بحيث تعود القارة لعمليات المراقبة التقليدية على الحدود، ما يفرض على المسافرين حمل جوازات السفر أو وثيقة أخرى من وثائق تحديد الهوية لدخول ومغادرة البلدان الأوروبية.
وهذا الأمر سيشكّل ضربة قاضية بالنسبة لفكرة أوروبا الليبرالية، وسيكون سبباً آخر لتساؤل المسؤولين الأوروبيين في بروكسيل حول ما إن كان المشروع الأوروبي، الذي طالما كان مصدر فخر واعتزاز، وبدأ مع مخطط مونيه في عام 1950 لدمج صناعتي الفحم والفولاذ الفرنسية والألمانية، مازال لديه مستقبل.
ويمكن القول، إن أحد أول الاختبارات لبقاء الاتحاد الأوروبي واستمراره سيكون النتيجة التي ستنتهي إليها المفاوضات الحالية التي تجمع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون ونظراءه في الاتحاد الأوروبي من أجل التوصل إلى توافق حول تقليص بعض من صلاحيات الاتحاد الأوروبي ومنح كامرون صلاحيات كافية تعينه على إقناع الرأي العام في بلاده بضرورة دعم بقاء بريطانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي، وهو الموضوع الذي سيُعرض على البريطانيين في استفتاء شعبي في وقت لاحق من هذا العام. وغني عن البيان أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد سيمثل ضربة قاضية لفكرة المشروع الأوروبي، لاسيما أنه يقوّي حجج الأحزاب اليمينية في فرنسا، وبلدان أخرى في شمال أوروبا، لدرجة أنها قد تشرع أيضاً في المطالبة بعلاقات جديدة مع بروكسيل.
المصدر: الإتحاد