‘«حال الاتحاد» وحالنا’

16 يناير، 2016

  • مصطفى زين

بين خطاب أوباما في القاهرة عام 2009 وخطابه في حال الاتحاد عام 2016 سبع سنوات. استغرق «الربيع العربي» خمساً منها. ولا نعرف كم استغرق من وقت الرئيس الأميركي، لكن قراراته بدعم «الثورة» الليبية» و»الإخوان المسلمين» في مصر وتونس، والجماعات المسلحة في سورية والبحث عن المعتدلين بينها، ولقاءات المسؤولين في إدارته عدداً من زعمائها، وإشرافهم على مؤتمراتها في أنطاليا وإسطنبول وغيرهما، وتدريب عناصرها وتسليحهم، كل ذلك يؤشر إلى أن «الربيع» استغرق بعضاً من وقته. وكان له الأولوية في مراحل معينة، خصوصاً حين تعرّض لضغوط كثيرة كي يرسل قواته لإطاحة أنظمة وتنصيب أخرى، وحين اتهم بالجبن والتردد لأنه فضل الحروب بالوكالة، مخالفاً توجهات الصقور المتأثرين بفلسفة جورج بوش الابن ورؤى ديك تشيني.

في خطاب القاهرة وقف أوباما محاضراً بالإسلام. عاد إلى التاريخ ليتحدث عن إنجازات المسلمين، وفضلهم على الحضارة البشرية، مثل تأسيس بعض فروع الرياضيات والبوصلة والفلسفة والعمارة وعلم البحار. ولم ينسَ أن «الاستعمار ساهم خلال العصر الحديث في تغذية التوتر، بسبب حرمان المسلمين من الحقوق والفرص، كما ساهمت في ذلك الحرب الباردة التي عوملت فيها كثير من البلدان ذات الغالبية الإسلامية، بلا حق، كأنها مجرد دول وكيلة يجب عدم مراعاة تطلعاتها» (الترجمة الرسمية).

كان أوباما مثل أي مواطن عربي أو مسلم يحن إلى الأمجاد التاريخية آملاً باستعادة الماضي كي يهرب من الحاضر والمستقبل. دغدغت كلماته مشاعر الحضور في جامعة القاهرة، خصوصاً عندما حمّل الاستعمار بعضاً من المسؤولية عن تخلفنا. لكنه في الخطاب ذاته اعتبر إسرائيل دولة طبيعية في المنطقة، وليست دولة احتلال وليست من إفرازات الاستعمار فروابطها مع أميركا «دينية وتاريخية»، على ما قال. وتعهد العمل على إحلال السلام في الشرق الأوسط.

مرت سبع سنوات على خطاب القاهرة. تغير العالم العربي. اجتاحه الإرهاب. أصبحت له دولة مساحتها أكثر من أربعمئة كيلومتر مربع، ممتدة بين العراق وسورية. ولها فروع في معظم العالم الإسلامي. مسؤولية واشنطن عن نمو الجماعات «المتطرفة» لا تقل عن مسؤولية دول الإقليم. فالحرب على العراق وحل جيشه وتفكيك مؤسسات الدولة ونهب ثروته، وتقسيمه على أسس طائفية وعرقية، جعلته مسرحاً للإرهابيين والفاسدين وهواة السياسة، وحولته ساحة للمنافسات الدولية والإقليمية. واستمرت واشنطن تخوض الحروب في الإقليم بالوكالة. حضورها ليس خافياً على أحد. وبعد هذه السنوات لم يتقدم البيت الأبيض خطوة واحدة في تسوية المسألة الفلسطينية. والعكس صحيح. أصبح الوضع الفلسطيني أسوأ من أي وقت مضى. وأصبح نتانياهو يتجرأ على تحدي رئيس أكبر دولة، ضارباً بـ «العلاقات الدينية والتاريخية» عرض الحائط.

وشهدت هذه السنوات عودة الحرب الباردة التي حمّلها خطاب القاهرة «بعض المسؤولية» عما أصابنا. الروس عادوا بكامل ترسانتهم إلى سورية. موسكو وبكين وحلفاؤهما في دول «بريكس» استطاعوا تشكيل محور يهدّد أحادية القطب.

في خطاب «حال الاتحاد»، وهو موجه إلى الداخل، قبل الانتخابات الرئاسية، استعرض أوباما إنجازاته. قال إن «داعش مجموعات من المقاتلين المتمركزين فوق شاحنات صغيرة، نفوسهم معذبة يتآمرون في شقق ومرائب سيارات، يشكلون خطراً على المدنيين. لكنهم لا يشكلون خطراً وجودياً على وطننا». الخطر الوجودي علينا نحن في العالم العربي. مشكلتنا أننا انتظرنا أميركا كي تزيل هذا الخطر. لم نصدق بعد أنها جزء من الأزمة. ما زلنا نأمل منها بخوض حروبنا، وتغيير سياسة حكوماتنا في الداخل والخارج. وننتظر رئيسها «العادل» لإرشادنا. وعندما «يقصّر» في قيادتنا (مثل أوباما) نتّهمه بالعجز وبالتخلي عن صداقتنا. نلومه لأنه لا يرسل قواته إلى العراق، ولا يقضي على النظام السوري. ولا يتيح انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية. ولا يحارب «حزب الله». ولا يردع إيران… كأننا لم نوجد إلا لإرضاء البيت الأبيض وساكنه، جمهورياً كان أو ديموقراطياً.

إطمئنوا «حال الاتحاد» بخير.