‘سلام السعدي يكتب سوريا: المرحلة الأخطر من التصعيد العسكري’

16 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2016

6 minutes

سلام السعدي

ما إن أعلن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، قبل نحو ثلاثة أسابيع، عن موعد بدء المفاوضات بين أطراف الصراع في سوريا حتى كثف حلفاء النظام السوري من عملياتهم العسكرية، بل وأطلقوا هجمات جديدة في تصعيد يبدو الأضخم منذ التدخل العسكري الروسي، بل منذ اندلاع الثورة السورية.

بدأ التصعيد الروسي باغتيال زهران علوش قائد جيش الإسلام، التشكيل العسكري الأبرز في ريف دمشق.

وتبع عملية الاغتيال تكثيف القتال على الجبهات الملتهبة، وفتح جبهات جديدة في شمال وجنوب البلاد كانت خامدة حتى وقت قريب.

وقد جاءت المشاركة القوية للجانب الإيراني ولحزب الله لتفند، تماماً، ما أشيع في بعض وسائل الإعلام قبل أسابيع عن أن إيران تفكر حاليا أو باشرت، سحب مقاتليها من سوريا.

كثفت قوات بشار الأسد هجومها الكبير على جبهات الساحل السوري وخصوصاً على المناطق الإستراتيجية في جبل الأكراد وجبل التركمان. ونجحت قبل أيام في تحقيق تقدم هام، وذلك بالسيطرة على بلدة سلمى في ريف اللاذقية والتي بقيت في قبضة المعارضة منذ العام 2012. كما شنت قوات النظام هجوماً كبيراً ومباغتاً في ريف درعا استهدف، بشكل خاص، بلدة الشيخ مسكين الإستراتيجية.

لا تزال قوات المعارضة ثابتة في مواقعها هناك بعد أن استعادت ما خسرته في أعقاب الهجوم، ولكنها تواجه صعوبات كبيرة في ظل الغارات اليومية للطائرات الحربية الروسية. وكما حدث على جبهات الساحل، تساهم كثافة النيران الهائلة التي وضعتها روسيا في خدمة قوات نظام الأسد، والميليشيات الطائفية المساندة لها، في مدينة درعا باستنزاف المعارضة المسلحة، وخصوصاً مع فتح جبهات عديدة في نفس الوقت.

دعمت روسيا، أيضاً، قوات حماية الشعب الكردية في هجومها المباغت على مناطق في شمال مدينة حلب حيث تسيطر فصائل الجيش السوري الحر. تلك الفصائل، التي تحظى بدعم شحيح مقارنة ببقية أطراف الصراع، وجدت نفسها محاطة بجبهات قتال عديدة، تبدأ بالنظام السوري، وتمر بتنظيم الدولة الإسلامية، وصولاً إلى الجبهة الجديدة التي تقودها روسيا بالتعاون مع القوات الكردية.

باتت روسيا تحدد أهداف الجيش السوري والميليشيات الطائفية المرافقة له بما يخدم هدفين.

الأول هو تحقيق تقدم ميداني على المعارضة السورية في مناطق إستراتيجية يمكن أن تنعكس أهميتها في المفاوضات القادمة وتسمح لحلفاء النظام بعدم تقديم تنازلات كبيرة. كما يبدو الهجوم الروسي، منذ حادثة إسقاط تركيا للطائرة الروسية، مدفوعاً بهوس الانتقام من تركيا. يبدو ذلك واضحاً في دعم الأكراد في شمال سوريا وتشجيعهم على قتال فصائل المعارضة الإسلامية المدعومة من تركيا، فضلاً عن تشديد حملات القصف الجوي على المدنيين ودفعهم للجوء إلى تركيا.

أحدث المخططات الروسية قد تكون محاولة السيطرة على معبر باب الهوى على الحدود التركية السورية، وذلك بما يحقق المعادلة التي أشرنا إليها أعلاه: هدف إستراتيجي هو قطع طريق إمداد إدلب وإضعاف جيش الفتح، وهدف آخر يتعلق بإرضاء جنون التفوق لدى القيصر الروسي فلاديمير بوتين الذي يبحث منذ إسقاط طائرته عن صفعات إضافية يوجهها إلى تركيا.

التصعيد الجديد الذي تواجهه قوات المعارضة السورية ليس جديداً، ولكنه الأكبر والأخطر ربما منذ انطلاق الثورة. بدأت موجات التصعيد عندما قرر حزب الله تكثيف مشاركته في الحرب السورية والدفع بالآلاف المقاتلين وشن هجمات على البلدات المحاذية للحدود السورية اللبنانية في منتصف العام 2013.

في ذلك الوقت، اضطلع حزب الله بدور قيادي في ما يخص الهجمات العسكرية، ما جعل المعارضة السورية في مواجهة قوة جديدة لم تكن قد استنزفت بعد، كما هو حالها اليوم، وأدى ذلك لخسارة المعارضة لبلدات إستراتيجية في منطقة القلمون.

أما الموجة الثانية من التصعيد العسكري فقد حدثت في العام 2014 وذلك بإرسال إيران آلاف المقاتلين من الحرس الثوري الإيراني، فضلاً عن القيام بحملات تجنيد واسعة لمقاتلين على أساس طائفي من العراق وأفغانستان وباكستان. وقد ساعد تدخل إيران في استعادة بعض المناطق في جنوب البلاد، ولكن تدخلها جاء، أساسا، لوقف هزائم الجيش السوري في مناطق متفرقة، وهو ما نجحت بالقيام به حتى منتصف العام 2015 حين احتاج النظام وإيران وحزب الله إلى تدخل إسعافي من قبل روسيا.

تبدو هذه المرحلة، التي قد تكون الأخيرة في مراحل التصعيد العسكري، الأخطر سواء على المستوى العسكري أو على المستوى السياسي.

عسكرياً، توفر روسيا قوة نيرانية هائلة لم تختبرها المعارضة السورية من قبل، ويظهر ذلك، بوضوح، في التراجع غير المتوقع والسريع على جبهات الساحل السوري لصالح قوات بشار الأسد. كما تتسم هذه المرحلة بمشاركة كثيفة من جميع حلفاء النظام السوري، إذ رفعت إيران وحزب الله من أعداد المقاتلين في سوريا.

سياسيا، تتزامن هذه المرحلة مع جهود دولية، هي الأكثر جدية، لإنهاء الصراع في سوريا عبر تسوية سياسية. وستكون لنتائج التقدم العسكري الميداني لصالح الأسد انعكاسات حتمية على مسار المفاوضات ونتائجها، وبالتأكيد على إمكانية نجاحها.

المصدر: العرب

أخبار سوريا ميكرو سيريا