الأمن القومي العربي في مرمى الأزمة السورية


محمد الحمامصي

تعد الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت مطلع السنة الجديدة بين المملكة العربية السعودية وإيران والناجمة عن إعدام رجل الدين الشيعي الشيخ نمر النمر بتهم تتعلق بالإرهاب، أحد مظاهر التصدع الجيوسياسي المتفاقم في المنطقة في السنوات الأخيرة. كما تمثل الحلقة التي قد تعيد ترتيب أوراق المنطقة وملفاتها الكبرى وعلى رأسها الأزمة السورية التي أصبحت تشكل هاجسا كبيرا في ظل عدم توصل الفرقاء واللاعبين السياسيين في هذه القضية إلى حلول واضحة.

تشكل صيانة المجال الحيوي للأمن القومي العربي الهاجس الأكبر لدى صانعي القرار في المنطقة العربية اليوم، لا سيما في ظل اتساع رقعة الصراعات والحروب التي تهدد كل مقومات الدولة والمجتمع والبنى التحتية الإنسانية والمجتمعية، فضلا عن تزايد ظواهر “الميليشيات”وتناسل التنظيمات الطائفية المتطرفة، إلى جانب التوغل الإيراني في الجسد العربي على أكثر من صعيد في عدة عواصم على غرار دمشق وبغداد واليمن.

وفي ظل هذا الوضع، تتجه آراء المتابعين والمراقبين للشأن السياسي اليوم إلى اعتبار أن الأزمة السورية من أكثر الأزمات تعقيدا وتداخلاً على الصعيد العالمي خلال السنوات الأخيرة، حيث تشابك فيها السياسي بالطائفي، الداخلي بالخارجي، الإقليمي بالدولي، ما يجعل الأمن القومي العربي في مرمى الأزمة السورية، ليس فقط نتيجة لتأثر عدد كبير من الدول العربية بهذه الأزمة على نحو مباشر، بل كذلك لتداخل مؤثراتها بالأمن الاجتماعي العربي.

سوريا في الصراع الإقليمي

يبدو أن العربية السعودية قد انتبهت مؤخرا وتحديدا منذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز لمقاليد الحكم في البلاد لهذه التطورات، وشرعت في اتباع استراتيجية جديدة تقطع مع المواقف المهادنة التقليدية في التعامل مع الوضع الإقليمي الراهن بدءا بالملف السوري. وعليه انخرطت عمليا في جملة من الخطط والتحالفات التي يرى المراقبون أنها خطوات جريئة لا سيما في ظل المساعي الإيرانية الكبيرة للسيطرة على المنطقة وضرب استقرارها.

وفي هذا السياق يقول هشام النجار الباحث والقيادي السابق في حزب البناء والتنمية وصاحب كتاب “سوريا والتحولات الكبرى ومستقبل” في تصريح لـ“العرب” إن المملكة العربية السعودية قطعت شوطاً في الحفاظ على الأمن القومي العربي بالتحالف مع مصر والحد من توظيف الإسلام السياسي، وقطعت شوطا – تعتبره دفاعيا وضروريا في الحرب السورية – ويظل هناك خطر الإرهاب في المنطقة وضرورة حرمانه من أهم روافده وأقوى دعائمه بإفشال توظيف الصراع السني – الشيعي، ومع الجهد المبذول في إطار مناهضة التدخل الإيراني في الإقليم.

وهناك جهد مواز مبذول لتحجيم التدخل التركي تحت ذريعة دعم الإسلام السياسي، وأيضا اصطفاف إقليمي بجانب دول ومؤسسات بما يدعم فك الارتباط في ما بين القوى الإقليمية – خاصة تركيا – والتنظيمات والجماعات المسلحة والمؤدلجة، بمعنى أن القائم على الأرض هو تكامل وليس تقاطعا – وهو ما يجب أن يكون – لمواجهة خطرين محدقين بالمنطقة العربية وهما خطر التمدد الإيراني وخطر الإرهاب وتوظيف التنظيمات المسلحة في اختراق العمق العربي.

وتقوم القوى العربية اليوم على غرار العربية السعودية بجهود كبيرة بهدف تعطيل وتحجيم الحضور الإيراني الكبير، سواء على المستوى العسكري أو السياسي في سوريا، عبر التوجه نحو دعم الشق المعارض لنظام الأسد المدعوم بشكل مباشر من طرف طهران. وكان آخرها المؤتمر الذي أشرفت على تنظيمه الرياض نهاية السنة الماضية والذي التقت فيه مختلف مكونات المعارضة السورية للجلوس على طاولة الحوار ومحاولة التوصل إلى صياغات مشتركة لحل الأزمة السورية. وهذه الخطوة تصب في إطار الصراع ضد المد الإيراني في المنطقة الذي بات يشكل تهديدا كبيرا لاستقرارها وفق تقديرات المراقبين.

ويقول النجار إن حضور الدول العربية المتداخلة في الحرب السورية إنما يأتي أساسا لغاية تحجيم النفوذ الإيراني، ومن هنا يحدث التقاطع بين مواقف روسيا ومصر والسعودية وإيران، فروسيا تجد في تحجيم نفوذ إيران مع تثبيت الأسد فرصة للتقارب مع المملكة السعودية، ومصر تطل على المملكة من تلك النافذة لكونها غير راغبة في النفوذ الإيراني، لكنها حريصة على تماسك مؤسسات الدولة السورية ودعما لمسيرة الحرب على الإرهاب.

وفي الأثناء تسعى إيران إلى تثبيت الأسد ليس من منطلق قناعتها بمنهجه في الحكم، وإنما بهدف تثبيت نفوذها ومواصلة تهديد أمن المنطقة العربية وخاصة في ظل النفوذ الكبير الذي نجحت في بلوغه في العراق. ويضيف الباحث أنه في ظل الخلافات وصراع النفوذ المكتوم بين إيران وروسيا وأيضا الخلافات الكبيرة بين الأسد وإيران مؤخرا إلى جانب إمكانية التقارب بين العرب والروس يمكن أن تنتهي إلى التوصل إلى حلقة من التفاهمات تساهم في كسر نفوذ الميليشيات الإيرانية المنتشرة بكثرة على الأراضي السورية.

وبذلك يمكن تفادي تكرار سيناريو تفكيك الدولة وإنشاء النظام الطائفي الذي نجح في إرسائه بول بريمر في العراق، وتفعيل الدور العربي في سوريا عبر توجيه التدخل الدولي في إطار وضع حلول متوازنة للأزمة لا تعقيدها وإطالتها”.

وفي المقابل، يلقي هذا التشابك الكبير في الأزمة السورية وتعدد اللاعبين الدوليين والإقليميين بظلاله الوخيمة على المدنيين السوريين الذين يشكلون وقود هذا الصراع القائم على الأراضي السورية. وكان آخر ملامح هذه التأثيرات ما تشهده المناطق المحاصرة سواء من طرف قوات الأسد وحزب الله والميليشيات الإيرانية أو تلك المحاصرة من قبل بعض المجموعات المسلحة من تجويع وترهيب. وهو ما علق عليه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بقوله إن حصار المدن السورية بهدف تجويعها يشكل “جريمة حرب”. وشدد على أن النظام السوري والمعارضة المسلحة “يتحملان مسؤولية هذا الأمر وفظائع أخرى تحظرها القوانين الإنسانية الدولية”. ودعا “دول المنطقة وخارجها التي لها تأثير إلى ممارسة الضغط على الأطراف لتأمين وصول المساعدات الإنسانية من دون قيود في كل أنحاء سوريا”.

التكتل السني

استنتجت السعودية مؤخرا أنه لا يمكنها حل القضايا العالقة باستخدام الطرق القديمة؛ في ظل النفوذ الذي أرسته إيران عبر وكلائها في العراق وسوريا ولبنان، فضلا عن التدخل المباشر في اليمن. إلى جانب محاولات التدخل في السياسة الداخلية لدول المنطقة على غرار البحرين والتي أدت إلى إحداث فوضى كادت أن تضرب استقرار البلاد، والموقف الإيراني الأخير من إعدام الشيخ الشيعي السعودي نمر باقر النمر الذي رافقه حرق مقر السفارة السعودية في طهران، وهو ما اعتبرته الرياض تدخلا في سياستها الداخلية.

ومن هنا بدأت ترتيبات السياسة الخارجية السعودية الجديدة التي كانت مواجهة التمدد الإيراني أحد عناوينها الكبرى، وعليه دخلت في تحالفات مختلفة يذهب المراقبون إلى اعتبار أن أغلبها يصب في هذا الإطار. لكن يروج في الآونة الأخيرة لفكرة التكتل السني بقيادة السعودية ويلتقي تحت لوائه عدد كبير من الدول ذات المرجعية السنية في إطار الخطوات السعودية لمواجهة إيران.

وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، قد نشرت مؤخرا مقالًا تحدثت فيه عن ملامح التحالف السني الجديد الذي تقوده المملكة العربية السعودية لمواجهة إيران وحلفائها في المنطقة. وذكرت أن الرياض تقوي علاقاتها حاليًا مع دول مجلس التعاون الخليجي، كما عززت المملكة علاقاتها مع تركيا والسودان، في خطوة ينظر إليها باعتبارها محاولة من قبل المملكة لجمع أكبر حشد ممكن من اللاعبين السياسيين السنة في الشرق الأوسط، لمواجهة إيران وحلفائها الشيعة.

وعلق النجار بقوله “إن المملكة العربية السعودية سعت لاحتواء تركيا وانتشالها من أزمتها العويصة وللاستفادة من مكانتها الإقليمية في تكتل سني ـ عربي بالإضافة إلى مصر، رغم التقارب التركي الإيراني المحكوم بجملة من المصالح المشتركة، ورغم الخلافات المعروفة على خلفية أزمة الإخوان المسلمين،إلا أن تركيا أقرب إقليمياً وأيديولوجيا وتاريخيا إلى مصر والسعودية منها إلى إيران.

وبالتالي، فإنه في حال قدمت المملكة العربية السعودية بعض التساهل والمرونة في ملف جماعة الإخوان المسلمين لإنجاح التقارب مع تركيا في اتجاه حل الأزمة وفق تصور لا يتعارض مع متطلبات الشأن السياسي المصري، فمن المنتظر تلقائياً أن تقدم تركيا تنازلات على مستوى موقفها المتعنت من السلطة القائمة في مصر، والدخول في استراتيجية موحدة تهدف إلى محاربة الإرهاب وتفكيك بنيته والقضاء على ميليشياته وتنظيماته”.