د.باسم الطويسي يكتب: سأخبر الله عنكم جميعا



د.باسم الطويسي

بعد العام 2013 نشر نشطاء من المعارضة السورية فيديوهات وتعليقات على منصات الإعلام الاجتماعي تتحدث عن طفل سوري قال وهو يموت جراء القصف والقذائف “سأخبر الله بكل شيء”. كانت تلك الحادثة  إدانة قاسية للنظام، بعد عامين من استمرار الصراع الدموي ما يزال اطفال سورية هم اول ضحايا الحرب وأكثرهم، فيما الادانة الحقيقية اليوم لا تستثني أحدا، تنال الجميع النظام والمعارضة التي توصف بالمعتدلة والتنظيمات المسلحة والتكفيرية على حد سواء، والقوى العظمى المنشغلة بتقاسم الكعكة السورية الساخنة والدول الاقليمية النزقة المتورطة حتى رأسها بدماء أطفال سورية وحتى النخب ووسائل الإعلام وحتى أؤلئك الذين افتتحوا مئات الدكاكين للتباكي على أطفال سورية.
البلدة السورية “مضايا” التي حاصرتها قوات النظام لستة أشهر ووثقت صور من جرائم موت الأطفال جوعا حسب آخر تقارير منظمة “اليونيسف” لا تقدم الوثائق الوحيدة على مأساة أطفال سورية، فالفصائل التكفيرية والمعتدلة ارتكبت نفس الجرائم حينما حولت الأولاد والاطفال الى مقاتلين صغار وحينما حرمتهم من المدارس وزجت بهم في أعمال شاقة جعلت جيلا بأكمله يشيب في طفولته. والصور التي لا تقل قسوة تأتي من مخيمات اللاجئين في الدول الحدودية حيث تفتقد أحوال الطفولة لأبسط المتطلبات الإنسانية. ثم نأتي لنتذاكى ونسأل كيف يتحول البشر الى متطرفين؟.
ويختتم المشهد بالضمير العالمي الغامض والمراوغ الذي تعكسه قوى سياسة تزداد تطرفا ووسائل إعلام نزقة بات بعضها يفتقد أبسط المعاييرالأخلاقية؛ ترى ماذا يمكن أن يقول الطفل السوري الغريق في هذه اللحظات لرسامي مجلة “شارلي إيبدو”؟
حسب تقرير أممي نشر قبل خمسة أشهر فالعالم كله مدان، هناك اليوم نحو “4 من كل 5 أطفال سوريين يعانون الفقر”، بينما هناك “2,7 مليون طفل سوري خارج المدارس. فيما وصلت عمالة الأطفال السوريين مستويات خطيرة تزداد يوما بعد يوم، وتنامي أعداد الأطفال الذين يحملون السلاح وينخرطون في النزاع المسلح والاستغلال الجنسي والأعمال غير المشروعة مثل التسول المُنظم والاتجار بالأطفال.
الأمر الذي لا يقل خطورة أن هذا الجيل الذي يترعرع وسط هذه القسوة في مناطق الصراع وفي مناطق اللجوء وعلى الحدود جعل أطفال سورية يسجلون أعلى نسبة أمية في العالم، بعيدا عن الأرقام الرسمية، يحدث ذلك في البلاد التي أهدت في يوم من الأيام العالم أول ابجدية في التاريخ.
في لحظة من التاريخ، تصاب نظم سياسية بأكملها بالجنون وتصاب قوى سياسية ونخب بلوثة الدماء، وتصبح مهمتها في التاريخ هي القتل وصب الهوان على البشر. أصيبت بهذا الداء روما في لحظة من التاريخ، كما هي حال النازية والفاشية. ولكن، هل ثمة تبرير لأن يكون وقود النضال من أجل الديمقراطية، أو حتى أي فكرة دينية مهما كانت نبيلة أو متطرفة، هو القتل البشع للأطفال، وكل هذا التشريد والحرمان لجيل بأكمله يتم اجتثاثه في هذا الوقت بكل أعصاب باردة، ومن قبل طرفي الصراع؟ بصمت العالم بل وتورطه فإن الطفل السوري الغريق صاحب القصة الشهيرة لم يخبر الله بقصته، ولن يلتقي برسامي المجلة الفرنسية المشاكسة القتلى في العالم الآخر أيضا!

المصدر: الغد

أخبار سوريا ميكرو سيريا