لماذا أغلقت ألمانيا أبوابها أمام المهاجرين المغاربة؟


سمير السعداوي

يقول المثل: «أنا الغريق فما خوفي من البلل؟». من هذا المنطلق تصرف عدد من المهاجرين العرب في مدينة كولونيا ليلة رأس السنة، عندما اعتدوا بالتحرش والسرقة على نساء كن يحتفلن في احدى الساحات العامة.

كان وقع الاعتداءات سيئاً، اذ اعطى مبرراً للمجموعات العنصرية لرفع صوتها ضد فتح ألمانيا ابوابها امام المهاجرين من دول المنطقة، حتى ان الاعتداءات اوجدت تساؤلات عن مغزى مكافأة ألمانيا التي وقفت موقف الدفاع عن المهاجرين، بهذه الطريقة التي تنم عن لامبالاة باحتمال انعكاس ذلك على مصائر آلاف الأسر الفارة من جحيم الحرب في بلادها.

لكن اذا عرف السبب بطل العجب، اذ سرعان ما بينت التحقيقات الألمانية ان الذين قاموا بهذا التصرف هم مجموعة من المهاجرين الذين رفضت طلبات لجوئهم وينتظرون اجراءات ترحيلهم، كونهم ليسوا من بلدان تعاني حروباً مثل سورية والعراق.

غير ان تصرفات هذه المجموعة التي تتألف من جزائريين ومغاربة اضرّت بسائر مواطني الدولتين الذين كان بعضهم سيجد قبولاً ربما في دوائر الهجرة الألمانية، نظراً الى معايير مختلفة بينها امتلاك المهاجر خبرات وكونه يعيل اسرة وإلى ما هنالك.

وأوردت تقارير في الصحف الألمانية نهاية الأسبوع الماضي، أن حكومة المستشارة أنغيلا مركل قررت اغلاق الأبواب امام اللاجئين الآتين من الجزائر والمغرب وعدم توزيعهم على مختلف المدن والبلدات الألمانية، بل حصرهم في مراكز ايواء خاصة لتسريع اجراءات رفض طلباتهم والبحث في سبل ترحيلهم إلى بلادهم.

وفي ظل ما حصل في كولونيا، لا يستطيع احد ان يلوم الحكومة الألمانية على قرارها تصنيف الجزائر والمغرب ومعهما تونس، بلداناً سالمة وخالية من النزاعات المسلحة.

وبذلك انصاعت ألمانيا الى رغبة سائر الدول الأوروبية في التمييز بين لاجئين من الحروب، وآخرين دفعتهم الظروف المادية السيئة الى البحث عن فرص عمل وضمانات اجتماعية في الغرب. وهؤلاء يوصفون بأنهم مهاجرون لأسباب اقتصادية، ربما تكون جديرة بأن تؤخذ في الاعتبار في ظروف أخرى.

سبق لبرلين ان أقنعت عواصم الغرب بالتفاوض مع أنقرة لإعطاء الأخيرة مساعدات مالية من شأنها تسهيل عملية ابقاء اللاجئين على اراضي تركيا باعتبارها ممراً رئيساً لهم الى اوروبا، كما اتفقت دول الغرب على تقديم مساعدات للدول المجاورة لسورية من اجل تحسين الأوضاع في مخيمات اللاجئين، غير ان معاناة هؤلاء مع برد الشتاء القارس في اماكن ايوائهم، تدفع الى الشك في حجم المساعدات وفائدتها، مع ما يتم تداوله من صور مؤلمة لأطفال يعيشون مع أسرهم في ظروف سيئة جداً في خيم وأكواخ غير مناسبة اطلاقاً ولا هي مجهزة لتقيهم تقلبات الطقس.

في المقابل، لا يبدو أن هناك تقدماً سجل في المفاوضات مع الاتحاد الأفريقي في نهاية الصيف الماضي، للحد من موجة هجرة الأفارقة بحراً الى السواحل الأوروبية، ومعهم مواطنون من بلدان المغرب العربي ساعون الى مستقبل وفرص عمل في ظل البطالة الناتجة من الضائقة الاقتصادية الآخذة في التزايد في انحاء المنطقة.

ما أقدم عليه طالبو اللجوء في كولونيا، امر مرفوض ومستنكر، لكنْ في كل الأحوال يتعين النظر اليه من زاوية مختلفة، أخذاً في الاعتبار مستويات اليأس والإحباط لدى شباب اصبحوا لا يتورعون عن ارتكاب جرائم، ومن لم يختر منهم هذا المنحى فهو معرض للوقوع فريسة ارهابيي «داعش» الذين لا يفوّتون فرصة لاستغلال اليأس في تجنيد أتباع.