بيان من أحرار بلدة السلمية المعارضين لنظام الأسد / تنسيقية مدينة سلمية

24 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2016

7 minutes

تنسيقية مدينة سلمية

 
لم يكن يدور بخلد السوريين المنتفضين على الديكتاتورية أنهم يثورون على أحد أكثر أنظمة الاستبداد انحطاطاً، وأن خلاصهم، ونيلهم حريتهم وكرامتهم، سيكون خلاصاً لمحيطهم وللعالم مما يعانيه اليوم من نكوصٍ مخزٍ عما وصل إليه من قيم ومعايير يدعيها أساساً لوجوده، وكأن السوريين بآلامهم يعيدون سيرتهم الأولى، مهداً ومنبعاً للقيم الجديدة وأبجدياتها السياسية والأخلاقية والقانونية، وربما اللغوية أيضاً.
إن سورية اليوم، وبسبب سياسات السلطة قبلاً وسياسات حلفائها الإقليميين والدوليين تالياً، أهم بؤرة للاستقطاب السياسي في العالم. وبفعل الاستثمار القذر لكل من موقعها الجيوسياسي وتنوع شعبها الثقافي في معركة احتفاظ عائلة المدعو بشار الأسد بالسلطة، صارت سورية البلد ذا الموقع المميز جيومأساوياً، والأندر من حيث تنوعه الإجرامي، إذ تقترف فيها وبها أشنع وأغرب الجرائم التي لا يمكن للخيال تصورها.
لقد أضحى بلدنا ساحة صراعٍ وتصفية حسابات إقليمية ودولية، تمارس فيها فاشيات متنوعة الأصول والإيديولوجيات ما يحلو لها، بفضل التوفير المتعمد والمنهجي لعائلة المدعو بشار للمناخات الملائمة لوجودها وإجرامها، عبر ممارساتها الفاشية ضد التظاهرات السلمية منذ بداية الثورة، واستقدام فاشيات مستوردة، كان أولها الفاشية الدينية الإيرانية وذيولها (اللبنانية والعراقية والأفغانية…) وآخرها الفاشية البوتينية، مسخُ هتلر المعاصر.
وإزاء هذه السياسات، وبالتزامن معها، ونتيجةً لها، انبثقت على أطراف الثورة قوىً فاشية، دينية تارةً وقوميةً تارةً أخرى، تدعي عداء السلطة، متذرعةً بحماية الشعب لسرقة ثورته، مدعيةً وقوفها إلى جانبه لتجيير نضالاته وتضحياته من أجل الحرية والكرامة وجعلها في خدمة أجندات وشعارات وافدة غريبة عليه.

نحن، في تنسيقية مدينة سلمية كنا من أوائل المحذرين والمنبهين للعواقب السياسية الخطيرة الناجمة عن عدم اتخاذ موقف مبدئي من هذه القوى الفاشية، وطالبنا ـ في أكثر من مناسبة ـ قوى الثورة (السياسية والعسكرية) التبرؤ من هذه التشكيلات، وأن لا تكون الحاجة الميدانية للجهد العسكري ـ القتالي لها مبرراً للتساهل معها، ومسوّغاً للتضحية بمبادئ الثورة وقيمها على مذبح قدرتها على إيذاء السلطة عسكرياً؛ فلا تجوز التضحية بالأهم من أجل المهم، والأهم هنا، هو ثورتنا وأهدافها ومنطلقاتها وشعاراتها الأصيلة. إن الصمت عن شعارات وممارسات هذه التشكيلات (خطفاً، وتكفيراً، ومداهمة لمراكز الثورة الإعلامية، واغتيال الناشطين، وقتلهم تحت التعذيب…) وعدم اتخاذ مواقف واضحة منها، بذريعة و وهم أنها حليفة للثورة في القتال؛ هو التطبيق الأمثل لوصفة الطغمة الحاكمة وحلفائها في تعميم الفوضى، ودثر ما خرج السوريون من أجله، وياله من بؤس فكري اعتقاد البعض أن صاروخاً أو قذيفة تملكها وتطلقها هذه القوى الظلامية أهم من روح وجوهر ومبادئ وأهداف ثورة الشعب السوري. وكم هو ساذج من لا يرى أن الكوارث السياسية المترتبة جراء السكوت عليها أكبر وأعمق من أية مكاسب ميدانية ظرفية.
ما من ثورة استمرت وانتصرت إلا بخوضها صراعين، الأول مع عدوها المعلن، السافر، و الثاني مع أعدائها المستترين بها، المتطفلين عليها، المدعين الانتماء لها، العاملين من داخلها (بقصد أو غير قصد) على تدميرها. إن الثورة كالبدن، والإرهاب ليس سوى طفيليات متغلغة فيه، ملتصقة به، متماهية معه، لا سبيل إلى سلامة وصحة البدن إلا بالخلاص منها.

لقد عانت ثورتنا منذ بدايتها من شرّين، أولهما شراسة هجوم الطغمة الحاكمة عليها، وثانيهما عجزها عن إنضاج مؤسساتها السياسية والعسكرية القادرة على قيادتها، وضبط إيقاعها، وتشذيب الشذوذات عن أهدافها ومنع استفحالها، كي لا تطغى وتحتل المساحة الأكبر من الصورة. واليوم، ومع طعن السلطة وحلفائها بالهيئة العليا للمفاوضات، والتشكيك بقدراتها التمثيلية، يصبح معروفاً وبديهياً حتى لدى الأميين سياسياً مقدار الاستثمار بضعف قدرة الثورة سابقاً على الوحدة والتنظيم، وحجم الضرر والخسائر التي يلحقها تدارك ذلك الضعف على أعدائها.

أيها السوريون:
مع صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وقرب انعقاد المفاوضات بين ممثلي الزمرة الحاكمة وحلفائها من جهة، وممثلي الشعب السوري من جهة ثانية، نؤكد على النقاط التالية:
أولاً: عدم الانسياق خلف فتات سوف ترميه روسيا، واعتبار إزاحة المدعو بشار نصراً نهائياً لثورتنا، فثورتنا نجحت بإسقاطه، وكان إعلان ذلك السقوط هو اضطرار العدو الإيراني للتدخل السافر بوساطة ميليشيا حزب الله الإرهابية في معركة القصير عام 2013. والثورة، منذ تلك اللحظة أنجزت مهمة إسقاط النظام، وتحولت من ثورة على نظام حكم إلى ثورة شعب ضد محتل خارجي ووكلائه المحليين.
ثانياً: بناءً على ماسبق، وبعد احتلال العدو الروسي سورية، التعاطي مع المفاوضات باعتبارها أداة سياسية لتحرير سورية من المحتل، كما كانت مفاوضات جبهة التحرير الجزائرية مع فرنسا، ومفاوضات جبهة “الفيتغونغ” في فييتنام، وتأسيس الرؤية التفاوضية، وسائر التحالفات السياسية والعسكرية مع المحيطين الإقليمي والعالمي، على قاعدة مشروعية وحاجة أية حركة تحرر للدعم والمؤازرة، من كل جهة تستطيع تقديمهما، كما كان الحال في كل حركات الاستقلال التي عرفتها الإنسانية.
ثالثاً: وضع الهدف النهائي للمفاوضات بالصيغة التالية: رحيل المدعو بشار وزمرته. وجلاء قوى الاحتلال وتمزيق معاهدة احتلال العدو الروسي لسورية، وتشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة، وفق محددات “جنيف 1”.
بغير هكذا رؤية، وأهداف، لن يكون للمفاوضات عمق و أثر تاريخي أو شعبي، ولن تكون النتائج المتمخضة عنها إلا هدنة، مؤقتة، سرعان ما تمزقها رياح شعب مظلوم لن تكف عن الهبوب، عاصفةً بكل من يقف في وجه رفع الظلم عنه.
أيها السوريون:
ستكون المفاوضات شاقة، معقدة، وطويلة، دربها مليء بألغام العدو المحتل، لكن ذلك لا ينبغي أن يفتّ بعضُدنا، فالعدو ليس كليّ القدرة، بل هو ـ كما عاينتم ـ أضعف من أن يحقق إنجازاً عسكرياً ملموساً واحداً بعد ما يقارب الأربعة أشهر من بدء عملياته العسكرية، كما أن الأوضاع الداخلية المتردية ـ وعلى جميع الصعد ـ في بلدان العدوان لن تساعدها على تطوير عملها العسكري بشكل نوعي مختلف عما هو واقع اليوم. كل ذلك ينبغي ألا يغيب عن بالنا، وأن يشدّ من أزرنا، و يكون حاضراً في أذهان المفاوضين.
عاشت سورية حرة مستقلة.
تنسيقية مدينة سلمية.