محمد إقبال بلو: مفاوضات جنيف أمر واقع قد تليه حلقات من الرعب والدم


محمد إقبال بلوخاص – الاتحاد برس

يعلم جميع السوريين أن التفاوض مع النظام والذي ستبدأ أولى مراحله يوم الجمعة القادم في جنيف، ليس خياراً أمام المعارضة السورية، وليس واحداً من احتمالات متعددة قد يتم تفضيل أحدها على الآخر، بل هو أمر مفروض من الدول المعنية بعملية السلام السورية، أما التفاصيل كلها ليست ذات أهمية، فالأمريكان لم يتغير موقفهم من الثورة السورية أصلاً، إذ أكدوا عبر السفير الأمريكي “فورد” منذ الشهور الاولى أنهم لن يقفوا مع أي حراك عسكري أو يكونوا طرفاً فيه، كما أن أسلوب المعارضة لم يتغير منذ ذلك الحين في طرح القضية السورية إعلامياً وعالمياً.

ويبدو أن المرحلة الحساسة هذه والتدخلات الروسية والأمريكية على الصعيد السياسي والتعاطي المزعج مع الأسماء المقترحة للتفاوض قد أفقد الكثير من شخصيات المعارضة أعصابها، وهذا الأمر لا ينبئ إلا بفشل قادم، فعندما يهاجم سياسي سوري كبير الامريكان ودول الخليج ورئيس الائتلاف معاً وفي وقت واحد ، وعندما يبصق أحد أعضاء لجنة التفاوض على شاشات التلفزة ويقول كلمة “تفو” موجهة للنظام، ندرك أننا في المعارضة السورية غير قادرين على إدارة دفة الصراع صعبة المراس هذه.

يجمع عدد من السياسيين السوريين على سلبية الموقف الأمريكي من الثورة السورية منذ بداياتها، ومنذ أن زار فورد حماه، بحيث أكد خلال زيارته أن أمريكا لن تتدخل عسكرياً كما انها لن تدعم التسليح أو أي عمل عسكري داخلي أو من الخارج ضد النظام، لكن التغيير الذي لم يلحظه أحد في السياسة الامريكية، أن الامريكان كانوا في بداية الثورة يفكرون بشكل جدي في إسقاط النظام السوري، ليتغير التوجه تماماً مع اندلاع الحراك الشعبي المسلح وتأسيس الجيش السوري الحر، إذ وجدت الإدارة الأمريكية أن حدوث انقلاب سريع في سورية يشابه الانقلابات والتغيرات التي حدثت في دول اخرى قبل سورية، ليس بصالح السياسة العامة في المنطقة ولا هو من صالح السياسة الأمريكية بوجه خاص، بل قرروا أنه لا بد من الاستفادة من هذا الصراع قدر الإمكان، فموقع سورية المتميز بالإضافة إلى أهمية هذا البلد سياسياً واستراتيجياً يجعله مكاناً قابلاً للاستثمار لاسيما استثمار الصراع القائم لتصفية حسابات دولية متعددة، وبدأ الأمريكان يحاولون العمل على جر الروس والإيرانيين للمعركة، كما وضعت الإدارة الأمريكية خططاً عامة يلتزم بها كل من اعتبر نفسه داعماً للثورة السورية، سواء دول الخليج واهمها السعودية أو الدولة الجارة تركيا، وفي الحقيقة لم تتمكن تلك الدول الصديقة للشعب السوري من دعم الثورة السورية إلا وفق الخطة الأمريكية وفقط، وهذا الامر مستمر حتى اللحظة، فما الذي يمنع السعودية من تقديم أسلحة فعالة مضادة للطيران للمعارضة السورية، وما الذي يرغم تركيا على الوقوف صامتة أمام استعادة النظام ومعه الروس لمناطق يقطنها التركمان في ريف اللاذقية، المانع هو الخطة الأمريكية الملزمة للجميع بالتوقف عند حد معين وخط احمر رسم لهم.

فالضغط الأمريكي في جميع الاتجاهات أقوى من الضغوط الروسية التي يروج لها في أجهزة الإعلام بينما تهمل الضغوط الأمريكية وتأثيراتها القوية التي تلعب بالمنطقة ككل، وما الدخول الروسي إلى الساحة السورية بهذه القوة والزخم إلا بتنسيق أمريكي روسي عالي المستوى.

وبالعودة إلى المعارضة السياسية السورية، فانعدام الخيارات أمامها لم يكن محض صدفة، بل جاء كنتائج طبيعية لخطابها الحاد الذي يقترب من قتال مراهقي الحارة، دون أي إنجاز حقيقي على الأرض، فلا وحدة في الموقف السياسي بل أشكال مختلفة للصراع داخل صفوف المعارضة السورية، ولا نصر عسكري حقيقي، كما أن هنالك حالة من التشويش في تحديد الأصدقاء وتمييزهم عن الاعداء، بالإضافة إلى المواقف المتباينة من المقاتلين المتطرفين، حيث تعتبرهم بعض فئات المعارضة أخوة الجهاد والسلاح الذين جاؤوا لنصرة السوريين فيما تراهم أطرف أخرى متطرفون جاؤوا لبناء مشاريعهم السياسية السلطوية الخاصة، ما أدى إلى توسع هؤلاء وسيطرتهم على معظم المناطق السورية المحررة من النظام، واستيلائهم على الثروات السورية بشكل شبه كامل، بعد أن حرموا المعارضة من استغلال هذه الثروات لصالح القضية السورية.

عشر شخصيات في المعارضة السورية ثبتت مواقعها كما ثبتت سياساتها الفاشلة تماماً في إدارة الملف السوري، معروفون تماما وبالأسماء، عملوا على مدى سنوات على تشويه باقي الشخصيات وشيطنتها لتخلو لهم الساحة السياسية، كما لم تستطع تحديد الأولوليات وتوضيح ما هو مهم وما هو أهم في حلقات الصراع، لنجد فيما بعد ان الأهم بدا لهم هو السيطرة على مناصب ورقية لا تقدم ولا تؤخر.

ورغم كل ما سبق فإن موضوع الذهاب إلى جنيف والمشاركة في المفاوضات أمر هام جداً بكل ما يحمل من سلبيات، فعدم الذهاب لن يولد خياراً آخر افضل، كما وسيزيد انكفاء المعارضة السورية على نفسها، لذا فمن الضروري استغلال فرصة كهذه يرغب المجتمع الدولي من خلالها إنهاء الصراع بشكل أو بآخر، واستغلال إصرار المجتمع الدولي والدول المعنية على إيجاد حل برفع سقف المطالب أثناء المفاوضات ومحاولة الحصول على مكاسب أفضل وأقوى، على المفاوضين الدخول بكل جرأة وقوة وقلب الطاولة على الجميع، وعدم الامتثال للأوامر الدولية إلى حد ما، ذلك الحد الأعلى الذي يمكن تحقيقه، وعدم الدخول في ما لايمكن وعدم الخوض في المستحيل، ووضع الامريكان برنامجاً زمنياً لمدة ثمانية عشر، او وضع الروس لبرنامج بقدر بستة شهور فقط يعبر عن رغبة أمريكية روسية بإيجاد حل حقيقي للمسالة، فالموضوع السوري انتقلت آثاره إلى دول أخرى وبات ينذر بكوارث مختلفة قد تكون مخيفة.

من ناحية أخرى لا بد من الإشارة إلى التغيرات الجيوعسكرية التي تحدث في مناطق متفرقة من سورية، فالنظام يتمدد على حساب القوى المعتدلة المعارضة، ويحدث تبادل للمواقع بين النصرة التي بدأت تميل للتشدد مؤخراً وتنظيم داعش، كما أن هنالك تهديدات قوية بتقدم النظام في درعا، يرافقه انسحابات لداعش من مهين لصالح النظام ولصالح الروس أيضاً، كما ان القوات الكردية تتمدد في الشمال وتثبت مواقعها كأمر واقع، فيما يثبت الامريكان أنفسهم في رميلان، وتعمل روسيا على تثبيت قواتها العسكرية في مناطق عدة، يحدث كل هذا بينما المعارضة السورية منهمكة في تحديد شخصيات التفاوض وإقرار المشاركة أو عدم المشاركة، بينما المشاركة أمر حتمي لا يستحق تضييع الوقت والجهود الإعلامية والاستعراضات التي أصبحت سخيفة.

قضية هامة لا بد من الإشارة إليها وعدم التغاضي عنها، إذ أن جنيف والشهور القادمة قد تنجب في نهايتها البدء في عملية انتقالية على الصعيد السياسي لكن ماذا عن الأرض، الأرض التي قد تتعرض لسيناريو مخيف ومرعب، إذ أن المؤتمرين في جنيف قد ينازعون ويتقاتلون، بل قد يضربون بعضهم في إحدى الصالات الفخمة بالصحون والملاعق، لكن على الأرض سيكون السلاح والرصاص هو القوة المنفذة لما سيرد في جنيف 3 ، وقد تندلع حروب نتيجة التموضعات العسكرية التي تحدث مؤخراً، حروب عنيفة تسفك فيها الدماء أكثر من أي وقت مضى وتدخل فيها دول بأسلحتها المتطورة والذكية في التدمير، فالتغييرات الحاصلة ستكون ذات تأثير على الأمن القومي التركي، ما سيجبر الأتراك على تدخل عسكري مباشر، كما سيتجه الروس والإيرانيون وما تبقى من النظام لاستخدام القوة النارية المتطورة، وهذا أمر شبه حتمي كون المفاوضات ستؤسس لمرحلة انتقالية، نعم، لكنها لن تحل الإشكالات القائمة على الأرض، فنتائج جنيف بحد ذاتها ستكون موضع صراع عسكري كبير بين مؤيد لها معارض لها، وسيكون أصحاب مشروع الدولة الإسلامية او الخلافة أشد المعرضين للنتائج هذه، حتى ولو وافق بعضهم سيجدون آلافا من المعارضين لهم من أنصارهم، فمن كان يقاتل خمس سنوات لإقامة دولة إسلامية لن يقبل فجأة بدولة مدنية، والكم الهائل من السلاح المتوفر سيكون أول ناطق بعد المفاوضات.

فالأرض ليست جنيف وجنيف لا تشبه المحرقة السورية، لكن كل ذلك سيكون مرحلة لا بد منها لإعادة ترتيب الساحة السورية، هذا إن نجح جنيف وتوصلت الأطراف إلى البدء بعملية انتقالية، أما إن لم يحدث ذلك فالنتيجة أسوأ وأشد، والضحية ذاتها دائماً، سوريون لا يريدون سوى الحياة وتوقف شلال الدم.

The post محمد إقبال بلو: مفاوضات جنيف أمر واقع قد تليه حلقات من الرعب والدم appeared first on الاتحاد برس.