on
مأساة عائلةٍ سوريةٍ أعمقُ من الصورة الرمزية لطفلٍ ممدّدٍ على الشاطئ (2 من 2)
آن برنارد
نيويورك تايمز/ 27 كانون الأول 2015
ترجمة مأمون حلبي
عندما رمت الأمواج الجسد الصغير لآلان الكردي على أحد الشواطئ التركية، وأجبرت العالم أن يستوعب آلام اللاجئين السوريين، كان الطفل البالغ سنتين من العمر مجرّد فردٍ في عائلةٍ تحاول الفرار بعد أن فرّقتها سنوات الاضطرابات العاتية الخمس.
كوارث في البحر
شرح عبد الله، والد آلان، الأمر بالقول: “كنا قد قرّرنا الذهاب إلى الجنة لنحظى بحياةٍ أفضل، سواء في أوروبا أو في الحياة الآخرة”. بعد غرق آلان بساعاتٍ حكى الأب قصّته بألم: امتلأ المركب الصغير بالماء، وانقلب بعد بدء الرحلة ببضع دقائق. حاول عبد الله أن يمسك بابنيه غالب وآلان منادياً زوجته: “فقط أبقي رأسه فوق الماء!”، لكن الثلاثة غرقوا الواحد تلو الآخر. ناجون آخرون أضافوا تفاصيل جديدة: بكى آلان عندما بللت رشات المياه عينيه. امرأةٌ أكبر سناً أخذته في حضنها. قفز المهرّب من القارب واستلم عبد الله، الذي كان عصبياً وتعوزه الخبرة، دفة القيادة وبدأ يناور فوق الأمواج وهو يقول لولديه، قبل أن ينقلب القارب بقليل: “لا تقلقا. أنا معكما”. تذكّرت إحدى النسوة عبد الله، في الماء، وهو يُقبِّل أحد ابنيه.
قليلٌ من السلوى
خلال ساعاتٍ شرعت فاطمة، عمة آلان في كندا، بالعمل. من بيتها قرب فانكوفر ردّت على اتصالاتٍ هاتفيةٍ من وسائل الإعلام، ملقيةً اللوم على تعقيدات القوانين الكندية وعلى اللامبالاة العالمية. وسرعان ما كانت تجوب أنحاء أوروبا لتدافع عن اللاجئين السوريين. تتذكر فاطمة نفسها وهي تخاطب رئيس مفوّضية اللاجئين: “ولد أولئك الأطفال عندما كان أوار الحرب مستعراً، وهم يموتون والحرب لا تزال مستعرة”. دفعت رسالتها المباشرة والصادمة البلدان الغربية -لوقتٍ قصيرٍ، على الأقلّ- إلى فتح أبوابها في وجه السوريين.
في بلدة ويلنجن الألمانية النائية، كان محمد، شقيق عبد الله، قلقاً على عائلته التي في إسطنبول. وذات ليلةٍ، خرج من مأوىً للاجئين شبيهٍ بالثكنات العسكرية وتحيط به أسلاك شائكة، وباح بمكنونات نفسه عن ورطته ومحنته: قد يستغرق الأمر عاماً أو يزيد لإحضار عائلته بشكلٍ قانونيّ، أي أن قراره بإبعادهم عن المراكب الخطرة كان يعني افتراقاً غير محدّدٍ زمنياً. “الشيء الأكثر أهمية هو أن نكون معاً”. لنفس السبب نكثت هيفرون، عمّة آلان الأخرى، بعهدها ألاَّ تركب البحر ثانيةً بعد محاولةٍ فاشلة، مصمّمةً على اللقاء بزوجها الذي كان قد سبقهم. هذه المرّة نجحت هيفرون وأولادها في الوصول إلى ألمانيا. بعد عدّة أسابيع من وصولهم حكى الأولاد عن اللحظات المخيفة على سطح القارب -“فيلم رعب” قال أحدهم- لكنهم الآن يأكلون البوظة وأمامهم أوراق الخريف الصفراء. كان والدهم في مخيّمٍ منفصل، على بعد 3 ساعاتٍ عنهم. بعد عدّة أسابيع تحققت أمنيتهم: استطاعوا جميعهم أن ينتقلوا إلى شقة.
قرب مدينة هيدلبرغ كان ياسر، ابن عمّ آلان، والذي فرّ وحيداً، أكثر تفاؤلاً بالأيام المقبلة. بصفته قاصراً لا يصحبه أحد، فإنه سيحصل على مزايا مثل دروسٍ في النجارة ورحلاتٍ ترفيهية. محمد وزوجته غصون ينتظران لمّ شمل العائلة في كندا بعد أيام، ضمن 10000 آلاف سوريٍّ سُمح لهم بالوصول إلى هناك.
ألم قلب أب
بعد المأساة بأسبوعٍ جلس عبد الله، الذي كان يشعر بالغربة عن محيطه،على أريكةٍ جلديةٍ في مطعم أحد فنادق إربيل، في إقليم كردستان العراق. كان البحر قد جرّده من كلّ مستلزمات الهوية: وثائقه، أرقام هواتف إخوته، وحتى من طقم أسنانه الصناعية. يقول: “لقد أصبحت ظلاً”. بعد أن دفن أفراد عائلته في كوباني، في ثلاثة قبورٍ على سهلٍ خالٍ من الأشجار، أخذته عشيرة البرزاني إلى إربيل. كان قد قرّر أن يستخدم تسليط الأضواء على حزنه ليساعد السوريين الآخرين، وقد وعده آل البرزاني بالمساعدة في ذلك. كان يجالد نفسه، فيذهب مع الأغنياء إلى لقاءاتٍ ومقابلات، أو يوصل المساعدات إلى مخيّمات اللاجئين. لم يكن قد أتى إلى مكانٍ كهذا أبداً، حيث تكلف وجبة الفطور 99 دولاراً، ولم يستطع أن يكفّ عن التفكير: “أين كان كلّ هذا عندما كان أبنائي على قيد الحياة؟”.
المصدر