on
لماذا انتحر العميد هاشم معلا قائد كتيبة المظليين في الوحدات الخاصة /
عبر الزجاج الفاصل في مكتب شركة الخطوط الجوية بدمشق, لمحت دخول رجل ضخم يلبس لباس أقرب للباس العسكري و يضع على رأسه الحليق, قبعة قماش عسكرية يلبسها رجال القبعات الخضراء التابع للجيش الامريكي, متعجرف و بطريقة تسلطية توجه دون أن ينظر لأحد, لمكتب الادارة الذي كنت اجلس فيه اتحدث لمدير مكتب شركة الطيران.
دفش الباب و دخل دون استئذان, فقام المدير, قصير القامة, و عانقه من خصره. مد يده إلي مصافحاً فممدت يدي و سلمت عليه فكان حجم يده يكاد يبتلع يدي التي اعتبرتها كبيرة الحجم كرياضي و كلاعب كرة يد محترف.
لم تدم زيارته كثيراً فقد طلب من المدير موضوع و خرج مسرعاً.
نظر المدير إلي بخبث و سألني هل عرفت من هذا الرجل؟. أجبته بالنفي. قال لي: هذا العميد هاشم معلا. هل عرفته؟. شعرت بيدي ترتجف و كأن صعقة اصابتها. اجبته: هل يوجد سوري و حموي بالخصوص, لا يعرف هذا الرجل.لقد كان قائد كتيبة المظليين في الوحدات الخاصة ايام احداث حماة.
قال لي المدير: لقد اصابه الجنون منذ أن سرحه حافظ الأسد من الخدمة لأنه من جماعة اللواء على حيدر الذي وضعه حافظ الأسد في بيته بالاقامة الجبرية. لا يكتفي بتوجيه الرسائل لحافظ الأسد بأنه يتمنى الموت على أن يبق بعيداً عن خدمة الوحدات الخاصة, تحديداً. تصور أنه يمارس حياته اليومية كأنه مازال عميد بالوحدات الخاصة.
كانت مشاعر الغيظ و القرف تتخبط افكاري و انا استمع لمدير شركة الطيران و بلهجته الساحلية المتهكمة على تلك الشخصية العسكرية الوضيعة التي مارست القتل و التنكيل بمجازر حماه ليعود ككلب مسعور يلعق حذاء من اكله لحم و رماه عظم.
صرت اتفحص يدي و كأنها اصطبغت بدماء أهلنا في حماه 1982 و قبلها مجزرة المشارقة بحلب سنة 1980ربما كل سورية بعدها. ما أن وصلت المنزل, حاولت طويلاً أن اغسل يدي مرات و مرات و كأني اردت أن أغسل لون و رائحة الدم عنها.
خبر وفاة العميد هاشم معلا بعد فترة, جعلني اتوجه لمدير شركة الطيران و أسأله عن وفاته, نظر في عيني و قال: (وفاة؟!! العميد المتقاعد هاشم معلا انتحر بعد أن عجز عن نيل رضى الأسد لاعادته للوحدات الخاصة و عانى من مرض جعله لا يشعر بحاجته للتبول و التغيض فكان يثير اشمئزاز اهله و عائلته فانزوى بالبيت ثم انتحر بمسدسه الذي قتل به مئات السوريين).
لم تكن لهذه الحقيقة أي شعور بالثأر و الانتقام لدي, بل شعرت بالحزن و الأسى لأن أرواح شهداء مجزرة حماه و غيرها لم تكن تريد الانتقام بقدر ما كانت تريد العدالة, فأهل حماه و بعد عقود على الهولوكوست الأسدي سنة 1982 خرجوا في ثورة السوريين عام 2011 طلباً للحرية و العدالة و ليس الانتقام فالعدالة هي التي تعيد بناء الاوطان المثقلة بالمجازر و الاستبداد و الموت منذ أن وصل آل الآسد للسلطة في سورية الجريحة اليوم.
بقلم خالد قنوت من ارشيف أكاد الجبل