اليمن أولوية لا يمكن فصلها عن الحرب في سوريا


غسان ابراهيم

يؤكد إعلان المتحدث باسم التحالف العربي الذي تقوده السعودية ويشن عملية عسكرية في اليمن، على أن الرياض مستعدة للمشاركة في أي عملية برية يقررها التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في سوريا، وأن جبهة الحرب واحدة وإن تباعدت المسافة بين الميدانين.

يحظى اليمن بالأولوية لدول الخليج العربي في مواجهة التمدد الإيراني المخرّب في العالم العربي لاعتبارات كثيرة، أوّلها الموقع الجغرافي لليمن كونه بوابة الخليج ككل ونقطة تماس مباشرة، مما يدفع بالكثير إلى القول دعونا ننهي الأزمة هنا ثم ننتقل إلى مواجهة أزمات أخرى في دول عربية أخرى تتمدد فيها إيران أو تحاول تمكين نفسها هناك.

وبالتأكيد لا أحد يستطيع أن يجادل بأن وضع سياسة الأولويات كانت دائما في العلاقات الدولية أفضل السبل لمعالجة الإضرابات بشكل تدريجي، ولكن هذا ليس بالضرورة قابلا للتطبيق في الوقت الحالي وتحديدا في الصراع المعلن وغير المعلن من إيران على العالم العربي من جهة والرد العربي عليه من جهة ثانية.

لقد استثمرت إيران بميليشيات في دول عربية كثيرة وتحركها وفق أجنداتها ووفق توقيتها، فالتحرك الحوثي جاء أثناء الانغماس العربي في الدفاع عن سوريا من الاحتلال الإيراني، ففتح الباب على مصراعيه للصراع في اليمن لتبعد إيران بأدواتها الحوثية الضغط العربي وتخفف من زخمه في سوريا ليكون فرصة لطهران لتركّز على سوريا لاعتبارات فرضتها بنفسها ووفق أولويات وضعتها أيضا.

ومن الطبيعي أن يركز الرد العربي على اليمن، لكن لا يمكن فصله عن سوريا، فالحرب واحدة والعدو واحد حتى لو اختلفت أدواته الميليشياوية. كما أن توسيع العمل العربي في سوريا لا يعني بالضرورة انغماسا كاملا على الطريقة اليمنية، لكنه في حده الأدنى يعمل على تحقيق عدة اعتبارات:

يمنع النفوذ المطلق للروس والميليشيات الإيرانية.

يتعامل مع المشروع الأميركي بحذر في سوريا وخصوصا مع ظاهرة عدم الاكتراث.

يضع الوجود العربي المباشر داخل سوريا ليفرض أمرا واقعا جديدا.

وبناء على هذه الاعتبارات، يطالب الكثير من السوريين أحيانا بسقف أعلى غير واقعي، إما لعدم الإلمام بملف النزاع العربي الإيراني، أو لاعتقادهم بأن الأزمة السورية هي القضية المحورية وعليها يتحدد النصر أو الخسارة، فتجدهم يطالبون بتسليح المعارضة بسلاح نوعي يهدّد النفوذ الروسي بشكل مباشر.

وصحيح أن من يديرون ملفات النزاع مع إيران لا يقدّمون الجواب للمعارضة السورية بشكل مباشر، إلا أن المطلعين على هذه الملفات يعلمون أن الدول العربية قامت بتسليح بعض قوات المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات وأدت إلى إسقاط طائرة روسية حتى لو كانت طائرة واحدة فقط، وسيدفع روسيا إلى أن تقوم أيضا بتسليح الحوثيين عبر إيران بنفس السلاح وتكون نتيجته كارثية أيضا.

ألم تقم روسيا بإهانة تركيا بعد أن أسقطت لها طائرة واحدة ومنعت أحلام أردوغان في إقامة منطقة عازلة. ألم تقم روسيا بشن حملة عسكرية على أطراف الحدود التركية، تسببت، ولا تزال، في تشريد السوريين وتهجير عشرات الآلاف منهم، ومن المرشّح أن يتجاوز العدد نصف مليون لاجئ جديد خلال أسابيع سيتوجهون إلى تركيا ويسبب لها عبئا.

تسليح المعارضة

وبناء على ما ذكرناه، فإن تسليح المعارضة السورية في أحسن أحواله، لن يرتفع ولا بشكل من الأشكال إلى هذا المستوى من ناحية النوع، بل سيقتصر على السلاح المخصص لخوض معارك برية سواء كان سلاحا فرديا أو ثقيلا، وهذا وحده لن يمنع القصف الجوي الروسي ولن يردع الميليشيات الإيرانية على الأرض بشكل كبير.

إذا نحن إزاء أزمة عدم جدوى السلاح وحده وهذا يتطلب أمرا أكبر من ذلك، وبنفس الوقت لا يهدّد القوة الجوية الروسية، ولكنه يمنع ميليشيات إيران وقوات الأسد من التقدم أو بكلام آخر، يوقف آثار القصف الروسي دون استهداف الأسراب الروسية.

وتحقيق هذه المعادلة يقودنا إلى الحديث عن الخطة “ب” التي كثر الكلام عنها سواء من الخارجية الأميركية في السابق أو من السعودية حاليا، والتي قد تتمثل في دخول قوات عربية إلى سوريا برّا ضد داعش تحت المظلة الأميركية.

فإعلان العميد أحمد عسيري، المستشار بمكتب وزير الدفاع السعودي، أن المملكة جاهزة لإرسال القوات إلى سوريا بمجرد اتخاذ التحالف الدولي قرارا بذلك، وتشديده على أن إعلان السعودية المشاركة بقوات على الأرض قرار لا رجعة فيه، يعتبر مؤشرات أولية تؤكد أن الرغبة في إرسال قوات إلى سوريا أمر شبه نهائي.

أهمية هذه القوات، حتى لو كانت بأعداد محدودة، تظهر وبشكل إعلامي من خلال انتقادات النظام السوري وخصوصا التي صدرت على لسان وزير خارجية النظام عندما أبدى استياءه وتحذيره من القيام بهذه الخطوة وكذلك على صعيد ردّة فعل إيران، صدرت عدة تصريحات من الحرس الثوري تهدد وتنتقد دخول قوات برية عربية إلى سوريا.

أمر واقع جديد

تظهر أهمية هذه القوات ميدانيا وما يمكن أن تحققه للمعارضة المسلحة من خلال خلق منطقة آمنة “بأمر الواقع” (de facto safe zone)، فالتواجد العربي لن يكون مستهدفا من روسيا وبالتالي قوات المعارضة ستلجأ إلى المظلة العربية لتحميها وتمدها بكل أشكال الدعم، والقوات العربية حتى وإن كانت محدودة ولم تقم بشكل مباشر في الهجمات على تنظيم داعش، فإنها ستقوم بمساعدة المعارضة على استعادة الأراضي التي يحتلها التنظيم عبر التدريب والتسليح والإشراف، وبنفس الوقت تقول للروس اتركوا لنا محاربة داعش على الأرض وبالتالي كفوا عن استهداف المعارضة، ودعونا نجمّد الصراع العسكري بين المعارضة والنظام ونعلن وقف إطلاق النار ونفعّل التفاوض السياسي بينهما لبدء مرحلة انتقالية تحت مظلة أمر واقع جديد، أي مظلة العرب والروس وليست مظلة أميركا وإيران أو مظلة روسيا وإيران.

هذا الواقع الجديد سيكون المشرف والضامن لتحقيق انتقال سياسي حقيقي يراعي مصالح السوريين من جهة ويضمن أن العملية السياسية جادة من جهة ثانية، فالطرفان العربي والروسي سيكونان في الميدان السوري بشكل مباشر وهما الضامن بأن تلتزم جميع الأطراف من السوريين معارضة ونظاما.

وبدأت العملية السياسية لإيجاد حلول للأزمة السورية، في جنيف 3 وستمر بعدة جولات لبدء مرحلة انتقالية يشوبها انعدام الثقة بين كل الأطراف المشاركة، فالوجود الروسي على الأرض في سوريا سيكون ضامنا لمصالح النظام وأيضا سيجبره على الالتزام بأي اتفاق انتقالي أو “تشارك حقيقي للسلطة”، والتواجد العربي سيكون الضامن والملزم للمعارضة من الطرف الآخر.

وهذا الواقع الجديد سوف يمنع الانفراد الروسي جوا والإيراني برا في سوريا، لأنه إذا تركت لهما الساحة لن يتوقفا عن سياسة الأرض المحروقة في مناطق المعارضة والاستمرار في تدمير سوريا الرافضة للأسد والهيمنة على سوريا الأسد وإخراجها من المظلة العربية كما قامت أميركا وإيران بإخراج العراق من المظلة العربية ووضعتاه في الحضن الإيراني.

وهذا الواقع الجديد لا يترك الساحة لإيران كي تحدد أولويات الصراع، وصحيح أن هذه الأخيرة هي من حدّد بدء الصراع وجدوله بفتح الجبهة اليمنية، إلا أن دخول القوات العربية، ولو بشكل محدود، سيقطع الطريق على الإيرانيين والروس لإعادة ترتيب الأولويات في المستقبل، فلو نجحت ‫‏موسكو وطهران في احتلال أغلب المناطق الاستراتيجية في سوريا والقضاء على المعارضة المسلحة، فلن يوجد شيء سيمنعهما من الانتقال إلى ‫‏اليمن لتعرقلا النفوذ العربي فيه، فما تريده روسيا في سوريا لا يختلف كثيرا عمّا يمكن فعله في اليمن أيضا وفق نظر صانعي القرار الروسي والإيراني.

اليمن لا يقل خطورة وأهمية لإيران عن سوريا، لذلك لن تتردد طهران في استدراج الروس إلى الميدان اليمني، والقيادة الروسية تريد أن تستعيد القدرة على أن تكون لاعبا دوليا انطلاقا من سوريا، لذلك لن يكون هناك شيء يمنعها من الانغماس في اليمن بالشراكة مع إيران.

تحرير اليمن مرتبط بتحرير سوريا، نعم الأولوية لليمن ولكن تسريع النصر في اليمن يتطلب الانتقال إلى الخطة البديلة في سوريا، والوجود البري العربي في سوريا هو مقدمة لترتيب ولضمان عودة سوريا واليمن معا إلى الحضن العربي.

اليمن أولوية لا يمكن فصلها عن الحرب في سوريا الاتحاد برس.