on
السعودية: دور عسكري متصاعد في المنطقة
في وقت أضحت فيه اجتماعات التحالف الدولي لمحاربة داعش بروتوكولية وغير ذات أثر في سير الحرب على التنظيم في كل من سوريا والعراق، كسرت المملكة العربية السعودية رتابة الاجتماع الأخير حين وضعت على الطاولة اقتراحا جديدا وطموحا هو إرسال قوات برية إلى سوريا لمحاربة داعش.
يكتسب الاقتراح السعودي أهميته من حقيقة وصول التحالف الدولي إلى طريق مسدود في محاربة تنظيم داعش في سوريا، إذ تقصف العشرات من الدول التنظيم المتطرف من الجو من دون فعالية تذكر، وذلك بسبب عدم وجود قوات على الأرض يمكن أن تكرس جهودها لمحاربة داعش.
كما أن التطورات المتسارعة في شمال سوريا تعطي الاقتراح السعودي أهمية استثنائية حيث يتصاعد التدخل الروسي والإيراني في ظل لا مبالاة أميركية وعجز تركي.
تأتي الرغبة السعودية في إرسال قوات برية إلى سوريا لتضيء على التطور الملموس للنشاط العسكري السعودي، إذ بات المستوى العسكري عنصرا رئيسيا في استراتيجية المملكة لمواجهة تنامي النفوذ الإيراني، وهو تطور جديد بدأ العام الماضي مع عاصفة الحزم في اليمن، وتسعى السعودية لتكريسه هذا العام مع دور عسكري في سوريا، وهو ما يشير إلى ثقة السعودية ورضاها عن سير المعارك في اليمن.
خيبت السعودية توقعات وآمال الكثير من المراقبين والمحللين الذين يرددون باستمرار بأن “المغامرة” السعودية سوف تنتهي حبيسة “المستنقع اليمني”. مر نحو عام على بداية الغارات الجوية في اليمن من دون تحقيق “انتصار” ساحق على جماعة الحوثيين، وهو ما كان يعطي أولئك المحللين شغفا إضافيا لإثبات صحة تنبؤاتهم الخاصة بـ”فشل” السعودية.
والحقيقة أن التحليل السابق بعيد عن فهم هدف التدخلات العسكرية من قبل الدول الكبيرة والتي لا تكون مدفوعة دوما بتحقيق “نصر ساحق”، فضلا عن أن نجاحها الجزئي لا يمكن أن يحسم خلال أسابيع أو أشهر.
كان الهدف السعودي شديد الوضوح لحظة إطلاق “عاصفة الحزم” ولم تكن الغاية “استئصال” الحوثيين، بل كانت تهدف إلى منعهم من الانقلاب على المحادثات السياسية التي كانت جارية، ومنع سقوط اليمن في يد أتباع إيران وما يعنيه ذلك من توسيع النفوذ الإيراني ليصل إلى حدود المملكة.
ولا شك في أنها نجحت في ذلك بسيناريو مثالي. فبعد عام من التدخل السعودي، نستطيع التحدث بثقة عن انقلاب في موازين القوى في اليمن، من وضع يحاصر فيه الحوثيون آخر معاقل الحكومة اليمنية في عدن وقد احتلوا أجزاء منها، إلى كونهم اليوم محاصرين في مناطق متفرقة وفي العاصمة اليمنية صنعاء التي ربما تكون قد أوشكت على التحرر من قبضتهم.
إن نجاح التجربة العسكرية السعودية في اليمن واحتمال الانتهاء من الملف اليمني في وقت قريب هو أحد أسباب اهتمامها المتزايد بالملف السوري، ودراسة المساهمة العسكرية التي يمكن أن تقدمها في سوريا. لكن الاندفاع السعودي نحو سوريا قائم أيضا على حقيقة تزايد تورط مختلف الأطراف الدولية والإقليمية في سوريا.
لا يحتاج التورط الروسي الإيراني في سوريا إلى دليل، إذ يبدو البلدان في حالة استنفار عسكري كامل، حيث تصب الطائرات الروسية حمم نيرانها على مناطق المعارضة بصورة جنونية، فيما يتدفق عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة من إيران والعراق ولبنان ومن دول آسيوية لانتزاع نصر عسكري لصالح الأسد.
ورغم تزايد الاهتمام الأميركي بالملف السوري، إلا أنه جاء من بوابة الأكراد حيث تدعم أميركا قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الذي ينسق مع الأسد وروسيا بصورة متزايدة.
بالمقابل، تغيب أي استراتيجية أميركية للعب دور داعم لفصائل المعارضة التي تتعرض لحصار قاتل من قبل داعش والأسد والأكراد. في هذه الأجواء تقدمت السعودية باقتراح نشر قوات برية في سوريا في محاولة لتنشيط الدور الأميركي ودفعه إلى لعب دور يشابه ما قامت به أميركا تجاه الأكراد، والهدف هنا هو دعم الجيش السوري الحر.
يمكن أن تدخل القوات السعودية إلى سوريا عبر تركيا، وينحصر تواجدها في مناطق محددة تساعد فيها على تنظيم الجيش الحر وتوحيد صفوفه في جسم متماسك. لقد اكتسبت السعودية خبرة كبيرة من تجربتها في اليمن، ونجحت في تحويل قوات متفرقة إلى جيش وطني بات يحاصر الحوثيين في العاصمة صنعاء.
إن مخاطر الدور السعودي في سوريا تبقى كبيرة، وقد عبر عن ذلك رئيس وزراء روسيا ديمتري مدفيدف حين حذر من نشوب حرب عالمية في حال تدخل قوات عربية في سوريا. مع ذلك، فإن حظوظ تنفيذ الاقتراح السعودي تبقى قائمة، وذلك يعتمد على عدد من التطورات.
في حال حدث أي تقدم في الموقف الأميركي تجاه القضية السورية فسوف يساعد ذلك في تعزيز الدور السعودي العسكري في سوريا. كما أن تركيا التي تبدو عاجزة تماما إزاء التطورات المتلاحقة في الشمال السوري تبدو مستعدة لاحتضان الاقتراح السعودي والعمل على دفعه إلى حيز التنفيذ.
وأخيرا، قد يكون التدخل العسكري السعودي الجزئي في سوريا مرهونا بفشل المساعي الدبلوماسية لحل النزاع في سوريا، حيث يمكن أن تنتقل كل من أميركا والسعودية إلى الخطة “ب” التي أشار إليها وزير الخارجية الأميركي جون كيري.
*نقلا عن “العرب”
العربية
المركز الصحفي السوري