رغم اتفاق ميونيخ «الغامض»: السعودية ماضية بتنفيذ الخطة «ب» لاسقاط الأسد


وصف دبلوماسي سعودي اتفاق ميونيخ «لوقف الأعمال العدائية في سوريا خلال اسبوع» بانه «غامض وبارد مثل غموض وبرود السياسة الأمريكية في سوريا».
وترى مصادر دبلوماسية عربية أخرى في الرياض ان واشنطن ارادت ان ترضي الرياض بالإشارة إلى انها ضغطت على موسكو من أجل التوصل إلى اتفاق ميونيخ الباهت الذي لا يعني وقفا لاطلاق النار بالمعنى العسكري، ولا هو هدنة بالمعنى السياسي، والدليل ان كل طرف أخذ يفسر الاتفاق كما يحلو له، وأولهم الرئيس بشار الأسد الذي – يلاحظ ان صوته بدأ يرتفع هذه الأيام – صرح يوم الاعلان عن اتفاق «ميونيخ» مؤكدا انه يهدف إلى استعادة كل الأراضي السورية، وانه مستمر في معركة حلب «بهدف قطع الطريق بين حلب وتركيا وليس السيطرة على المدينة بحد ذاتها» لانه سيحاصر المدينة ويجوع أهلها إلى ان تستسلم، كما يفعل في مدن وبلدات سورية كثيرة مثل مضايا وغيرها.
وواشنطن أرادت ان ترضي الرياض بمثل هذا الاتفاق بسبب الضغوط السعودية على الإدارة الأمريكية بضرورة التحرك أمام الخسائر العسكرية التي تتعرض لها قوات المعارضة السورية بسبب العمليات العسكرية والغارات الجوية الروسية ضد المعارضة، وبلغت ذروة الضغوط السعودية بتلميح الرياض إلى وجود الخطة «ب» للتدخل العسكري المباشر في سوريا هي وحلفائها من دول التحالف الإسلامي.
والرياض أشارت إلى ان هذا التدخل سيكون بالتنسيق مع التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة لاحراج الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين والضغط عليهم للتدخل عسكريا. ولكن الرياض مستعدة للتدخل العسكري مع تركيا ومن يرغب من دول التحالف الإسلامي (أعلنت الإمارات عن رغبتها، ودول أخرى مثل الأردن ستشارك ولكن دون الإعلان عن رغبتها) .
وفي الحقيقة ان السعودية بدأت تحركها للتدخل العسكري في سوريا وفق الخطة «ب» منذ أيام، وقامت بتزويد فصائل المعارضة السورية بأسلحة أكثر تطورا مثل صواريخ غراد الأرض – أرض التي أوقفت الانتصارات العسكرية للنظام في ريف حلب. والسعودية سيصل بها الأمر، وفق مصادر عسكرية عربية في الرياض، إلى تزويد المعارضة السورية بصواريخ أرض – جو لاستخدامها تحت اشراف مستشارين عسكريين أتراك وسعوديين، ضد الطائرات التي تغير عليهم حتى ولو كانت روسية، أي حتى ولو أدى ذلك إلى مواجهة مع روسيا. وترى هذه المصادر ان التدخل العسكري السعودي في سوريا سيكون محدودا على أرض المعارك وسيركز على القيام بعمليات خاطفة لقوات خاصة فقط ، في حين ان الاعتماد الأكبر سيكون على المقاتلين السوريين، لاسيما من تم الانتهاء من تدريبهم في دول الجوار السوري ومنها المملكة ويتم حاليا الدفع بهم إلى أرض المعارك من شمال سوريا وجنوبها وقد زودوا باحدث أنواع الأسلحة. وهؤلاء سيساندهم في الشمال تدخل عسكري لوجيستي تركي، وفي الجنوب تدخل عسكري لوجيستي سعودي وإماراتي وتدخل استخباراتي أردني.
وترى الرياض ان واشنطن لن تترك مثل هذه التدخلات العسكرية للدول الحليفة لها دون تقديم الغطاء العسكري لمثل هذا التدخل. صحيح ان سياسة الإدارة الأمريكية الحالية تبدو مترددة وباردة، ولكنها لن تقبل بان تفلت الأمور من يديها وتدخل المنطقة في مواجهة عسكرية اقليمية ودولية وهي تقف متفرجة.
وربما هذه الأسباب هي التي دفعت وزير الخارجية الأمريكية للتدخل عند نظيره الروسي لافروف من أجل التوصل إلى اتفاق ميونيخ لوقف الأعمال العدائية في سوريا.
ولم يبدد هذا الاتفاق الغموض والضباب بشأن ملف الأزمة السورية، حتى انه – ولغاية يوم أمس السبت – لم يبد أحد مقتنعا وواثقا باتفاق «ميونيخ» وبانه سيطبق، ليس لانه سيبدأ تطبيقه بعد اسبوع، بل لان بنوده غامضة، وكل طرف سيفسر عبارة «الأعمال العدائية» وفق مفهومه. وزير الخارجية الأمريكية جون كيري وفي ختام مفاوضات استمرت لأكثر من خمس ساعات، قال في مؤتمر صحافي مع لافروف والمبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، إن الدول الـ17 اتفقت على «وقف للمعارك في جميع أنحاء البلاد في غضون أسبوع».
وأعلن كيري أن المفاوضات بين السلطات السورية والمعارضة «ستستأنف في أسرع وقت ممكن». لكنه حذر من أن «ما لدينا الآن هو حبر على ورق، ونحتاج لان نرى في الأيام المقبلة أفعالاً على الأرض».
فيما أكد لافروف أن المفاوضات حول الحل السياسي «يجب أن تبدأ في أسرع وقت ممكن، من دون إنذارات أو شروط مسبقة».
ودافع كيري عن الاتفاق، موضحاً أن هذا الأمر هو ما تطالب به المعارضة السورية. وقال إن «وقف الأعمال العدائية»، العبارة التي اختيرت عمداً بدلاً من وقف كامل لإطلاق النار، ينطبق على كل المجموعات باستثناء «المنظمات الإرهابية»، مثل تنظيم الدولة وجبهة النصرة.
وأعلن لافروف، من جهته، أن روسيا ستواصل عملياتها في سوريا. وقال «سنستمر، كما التحالف بقيادة أمريكية، في محاربة هذه المجموعات».
ورغم هذه التصريحات لمن رعيا «اتفاق ميونيخ «، إلا ان الاتفاق لم يبعث على ارتياح الأطراف المعنية مباشرة بالوضع السوري، لاسيما المعارضة السورية التي بدا انها لا تريد ان تعطي موافقة على الاتفاق قبل ان ترى الأوضاع على الأرض، وهل الاتفاق أتى ليمنع عنها الامدادات العسكرية واللوجستية الكبيرة التي بدأت تتلقاها مؤخرا لاستعادة ما فقدته من مناطق وبلدات بفعل القصف الروسي ومنها صواريخ غراد 20 التي بدأت باستخدامها بكثافة لضرب الخطوط الخلفية لجيش النظام والقوات الحليفة له.
ومن هنا جاءت تصريحات زعيم المعارضة السورية رياض حجاب ان موافقة هيئة تنسيق المفاوضات على اتفاق «الهدنة المؤقتة»- في إشارة لاتفاق جنيف- «مرتبط بموافقة القادة العسكريين على الجبهتين الشمالية والجنوبية في سوريا».
الرياض بدورها أرادت ان تؤكد ان «اتفاق ميونيخ» لن يعني انه سيكون على حساب هدفها الرئيسي في سوريا وهو اسقاط الرئيس بشار الأسد. ولوحظ ان وزير الخارجية السعودي – الذي أصبح مكوك الدبلوماسية السعودية في مواجهة ايران – عمد إلى معاودة التأكيد على موقف بلاده باسقاط الرئيس الأسد ليس بعد التوصل إلى اتفاق ميونيخ فقط، بل أيضا بعد اجتماعه هناك مع وزير الخارجية الروسي لافروف.
ويلاحظ مراقبون ان موسكو هي التي أعلنت عن موعد زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى روسيا منتصف شهر اذار/مارس المقبل، في حين لاحظنا ان الرياض لم تشر إلى هذه الزيارة في وسائل إعلامها، بل أشارت إلى زيارة للملك إلى مصر في شهر نيسان/ابريل.
النظام السوري بدا – كعادته – انه يريد اجهاض «اتفاق ميونيخ» الذي وصفته جريدة «البعث» الرسمية السورية بانه «لن يشيل الزير من البير».
وعلى الفور أعلن الرئيس بشار الأسد تعهده بمواصلة القتال «حتى استعادة كامل الأراضي السورية» وأكد أن المعركة الأساسية في حلب هدفها «قطع الطريق بين حلب وتركيا» وليس السيطرة على المدينة بحد ذاتها، لان الأسد سيقوم بعد ذلك بحصار المدينة وتجويع أهلها حتى يركعوا له، كما هي عادة النظام مع المدن والبلدات التي يحاصرها.
الخميس المقبل من المفروض ان يبدأ تطبيق اتفاق ميونيخ، ولكن كل الأطراف المعنية مباشرة فيما يجري على الأرض، مواصلة معاركها على الأرض، النظام وروسيا من ناحية والمعارضة من ناحية ثانية، والسعوديون ومعهم الأتراك يواصلون استعدادتهم للتدخل العسكري البري والذي بدأ بعيدا عن الأنظار، فهل يطبق اتفاق جنيف؟

القدس العربي


المركز الصحفي السوري