كرد سوريا في محور الاستراتيجية الأمريكية لمحاربة الجهاديين
16 شباط (فبراير - فيفري)، 2016
- أرون آلان
- ترجمة: دليل حسن – المركز الكردي للدراسات
يواجه اليوم تنظيم ما يسمّى بـ”داعش” ضغوطاً في سوريا، فخطوط الدفاع لدى التنظيم في منطقة حلب قد اخترقتها القوات الحكومية مدعومةً بسلاح الجو الروسي. و رغم أنّ معظم غارات الأخيرة قد استهدفت جماعات معارضة سُنية أخرى ( بصرف النظر عن ما يدّعيه الإعلام الموالي للكرملين), فإنّ بعض الغارات قد استهدفت “داعش” أيضاً. تحاول قوات حكومة بشار الأسد المدعومة من روسيا التعويض عن الخسائر التي تعرضت لها مؤخراً من قبل التنظيم الجهادي في المنطقة الصحراوية التي تقع شرق حمص. ففي حال تمكنت القوات الحكومية من استعادة مدينة تدمر, فإن ذلك سيكون بمثابة صفعةٍ قاسية “للدولة الإسلامية”.
بيد أنّ أهم الانتصارات التي جرى تحقيقها مؤخراً على حساب تنظيم “داعش” قد تحققت شرقاً على يد تحالف ذو أغلبية كردية تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية يعرف باسم “قوات سورية الديمقراطية”.
التعمق في التشكيلات الكردية
قوات سوريا الديمقراطية التي تم تشكيلها مؤخراً في شهر تشرين الأولأكتوبر إنّما هو غطاء سياسي تم تشكيله لشرعنة الدعم الأمريكي السياسي والعسكري لحزب العمال الكردستاني, وهي جماعة يسارية كردية تخوض حرباً ضد الحكومة التركية, والتي صنفتها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية عام 1997على لائحة ” التنظيمات الإرهابية الأجنبية “, ونتيجة للضغوط التركية آنذاك جرى تصنيفها كمنظمة إرهابية عالمية عام 2001.
حزب العمال الكردستاني واجهة عسكرية تحارب في سوريا تحت اسم وحدات حماية الشعب(YPG), ولها قوة نسائية مرتبطة بها باسم وحدات حماية المرأة(YPJ). وقد أثبتت هذه القوة نفسها كأكثر قوة محاربة للجهاديين في سوريا بعد أن سحقت تنظيم “داعش” في كوباني، شهر شباط الفائت، وفي تل أبيض حزيران الماضي، وفي مدينة الحسكة في شهر تموز ومؤخراً في بلدة الهول على الحدود العراقية السورية. يستعد الكرد و حلفائهم من السكان المحليين لشن المزيد من الهجمات على معاقل الجهاديين قرب الرقة و جنوب الحسكة. و يرغب البيت الأبيض دعمهم بشدة لعدم توفر بدائل للضغط على “داعش” في سوريا. ولتجنب ردود الفعل السلبية من الناحية القانونية و السياسية, فإنّ المسؤولين الأمريكيين يصرون أنهم لا يتعاملون مع “المنظمة التي لا ينبغي تسميتها”, و إنّما يدعمون قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب (YPG) جزءاً منها فقط. و قد تجنبت الولايات المتحدة إضافة وحدات حماية الشعب إلى قوائمها السوداء, رغم أنّ جميع المسؤولين الأمريكيين يدركون أنها إحدى امتدادات حزب العمال الكردستاني, لكنهم يتجنبون الحديث عن ذلك.
في الواقع, مسؤولو البنتاغون يصرون على أنهم يقومون بتسليح جماعات أخرى غير كردية ضمن قوات سورية الديمقراطية, حيث أنه هناك جماعة تعرف باسم التحالف العربي السوري (SAC). و يبدو أنّ هذه التسمية هو مصطلح خاص لا يستخدمه أحد في سوريا, و يبدو أنه يشير إلى عدد من المجموعات العربية السنية تواصلت مع شخصيات عسكرية أمريكية في هولير, العراق الصيف الفائت. ولعدم قدرة هذه المجموعات على العمل من تلقاء نفسها نتيجةً لضعفها, فقد جرى ضمها تحت مظلة قوات سورية الديمقراطية إلى جانب الـ (YPG) و جماعات أخرى, من ضمنها ميليشيا مسيحية سريانية حليفة مع الـ(PKK). يدرك البنتاغون جيداً أن مكونات قوات سوريا الديمقراطية من غير الكرد ما هي إلا ظل و عامل مساعد للـ(YPG) و الـ (PKK), لكنهم يأملون أن الوضع سوف يتغير مع مرور الوقت.
قد تبدو التشويهات اللفظية سخيفة, لأنه رغم إرسال الأمريكيين للذخيرة لتلك المجموعات ضمن قوات سوريا الديمقراطية, فإنه بالنهاية يتم إسقاطها في مناطق يسيطر عليها الكرد في شمال شرقي سوريا, و بطبيعة الحال سوف يدعم هذا جهود الـ(PKK) في الحرب. (حيث لم تكن هناك حاجة لمزيد من المصطلحات لتمرير السياسات الكردية). لكن كان لا بد من إيجاد بعض التبريرات لدعم من هذا القبيل للكرد من قبل الأمريكيين و يبدو أنها قد نجحت. إذ أنّ جميع الصحفيين و السياسيين الأمريكيين متفقون على ضرورة تسليح الكرد و “ليذهب القانون إلى الجحيم”, حيث حدث و بشكل غريب التفاف على القانون, دون أن تحظى المسألة بمتابعة وسائل الإعلام والقضاة والكونغرس. و يثبت هذا أنه بالإمكان تفادي وقوع الحوادث كما حصل في حادثة عملية إنقاذ الرهائن في إيران,(يقصد الكاتب أنه لا حاجة لإرسال قوات برية أمريكية إلى سورية) و الأهم من ذلك أنه يجري الآن طرد “داعش” من شمال شرقي سوريا.
الحملة العسكرية في الهول:
كان هناك الكثير من الحديث حول عملية عسكرية لقوات سوريا الديمقراطية باتجاه الرقة, المركز الإداري الرئيسي لـ”داعش” في سوريا, لكن حتى الآن العملية هي في طور التحضير لها، و بدلاً من ذلك, أطلقت قوات سوريا الديمقراطية حملة عسكرية كبيرة في 31 من شهر تشرين الأول ضد التنظيم، جنوب الحسكة. إحدى المجموعات المهاجمة تسللت خلف خطوط دفاع “داعش” عبر الحدود العراقية و خلال أسبوعين تمكنوا من اختراق دفاعات التنظيم الجهادي. وفي 13 من شهر تشرين الثاني أخلى مقاتلو “داعش” مدينة الهول حيث استولى المقاتلون الكرد على المدينة. ومنذ ذلك الحين تضغط قوات سوريا الديمقراطية على مقاتلي التنظيم بلا هوادة حيث جرى تنظيف الريف العربي السني حول الهول جنوب مدينة الحسكة.
الهول هي بلدة بدوية متهدمة و مغبرة و لم يكن أحد قد سمع بها قبل أن تصبح هدفاً للهجوم الأخير. أهمية الهول لا تكمن في حجمها بقدر ما تكمن في موقعها. فهي قريبة جداً من الحدود العراقية غرب جبال سنجار و تشرف على طريق الرقة الموصل, العاصمة الفعلية لـ”داعش” شمال العراق. فضلاً على أنها تحمي الجهة الجنوبية للحسكة و تعزز الهيمنة الكردية داخل وحول مدينة الحسكة.
كانت هناك محاولاتٌ متكررة “للدولة الإسلامية” للاستيلاء على الحسكة, التي هي مركز محافظة تقع على الخط الفاصل بين المناطق ذات الكردية و العربية في المنطقة الشرقية. حيث شنت في شهر حزيران هجوماً كبيراً سبقتها سلسلة من الهجمات الانتحارية و استغرق الأمر أسبوعين قبل أن تتمكن الـ (YPG) والقوات الموالية للحكومة السورية من دفع التنظيم خارج المدينة.
و يقول كارل دروت, وهو مرشح لنيل شهادة الدكتوراه في جامعة أكسفورد ويهتم بالمناطق الكردية في سوريا والعراق وسافر بشكل مكثف إلى المنطقة, بأنّ المناطق الداخلية التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية من شأنها أن تصبح أكثر أماناً كلما سيطرت هذه القوات على مناطق جديدة, لأنّ تلك المناطق الجديدة ستكون بمثابة مناطق عازلة. و يتابع دروت بأنه من المنطقي للكرد انتزاع الهول من “داعش” رغم أنها بلدة عربية.
بتطويقهم لمدينة الحسكة من الجنوب فإنّ الكرد يحمون المدينة من هجمات الجهاديين و يميلون الكفة لصالحهم داخل المدينة نفسها. حيث كان الكرد و حكومة الأسد يتقاسمون السيطرة على الحسكة لفترة طويلة. هناك وضعٌ مشابه في مدينة القامشلي شمالاً, حيث تسيطر عليها القوات الكردية بشكل رئيسي و لافتات وحدات حماية الشعب ذات اللون الأصفر ترفرف فوق نقاط التفتيش في جميع أنحاء المدينة. ولكن الأحياء العربية في المدينة إضافة إلى المؤسسات الحكومية والقواعد العسكرية والمطار لاتزال بيد الأسد. وبالتالي يمكن للحكومة الاستمرار في العمل، بما في ذلك البيروقراطية المدنية وجهاز الشرطة طالما أنها لا تتعدى على نطاق سيطرة الـ (YPG). هذا الترتيب في التقسيم هو خلل من نواحٍ عدة, فالمواطنون يعانون في التوافق بين سياسات الطرفين, أضف إلى وجود العديد من نقاط التفتيش المتنافسة و هذا مثير للسخرية, و قد استبق هذا الأمر العنف والفوضى في أماكن أخرى من سوريا.
كانت هناك صدامات و مناوشات بين الطرفين نتيجة للحسابات السياسية الخاطئة والحقد الاثني, و لكنها عادةً ما تنتهي بالطريقة نفسها حيث يقوم الكرد بإذلال الحكومة. قامت المخابرات السورية في شهر شباط مطلع هذا العام باعتقال صحفيٍ سويدي والمترجم المرافق له من القامشلي. في البداية حاول الكرد التفاوض من أجل إخلاء سبيلهما, ولكن عندما علم الكرد أن الحكومة قد قامت بإخراجهما من المناطق الكردية بغية التحقيق معهما في دمشق, كان هناك هجوم بلا هوادة من قبل الكرد, و قامت الـ(YPG) باعتقال اثنين من كبار ضباط الشرطة لتستخدمهما كورقتين للمساومة. رضخت حكومة دمشق للأمر مباشرةً وأعادت الصحفيين إلى الوحدات الكردية.
تم فرض ترتيب و تقسيم مشابه في مدينة الحسكة و التي يسكنها أغلبية عربية. ولنوضح هذه الحالة المعقدة, فقد سيطر مؤيدو الـ (PKK) على المناطق ذات الأغلبية الكردية في شمال المدينة, بينما الأحياء و المناطق العربية جنوب المدينة بقيت بحراسة حزب البعث والجيش والميليشيات القبلية الموالية للحكومة. وبقيت مؤسسات الدولة على حالها تخدم القسم الأكبر من السكان في المدينة مع وجود أحياء يحظر دخول البعثيين و البيروقراطيين الفضوليين إليها, فيما مؤسسات و محاكم الـ(PKK) تتمدد شمالاً في المدينة.
على النقيض لما حصل في القامشلي, كانت المشاكل والخلافات لها مستوى متقارب في مدينة الحسكة من حيث القوة, وحدثت معارك أحياء وشوارع لتحديد الطرف الذي يسيطر على الشوارع والمرافق العامة.
لكن بعد الأداء الهزيل للجيش السوري في المعارك ضد “داعش” هذا الصيف و بعد سيطرة الـ(YPG) و قوات سوريا الديمقراطية على معظم الريف الجنوبي في المحافظة بعد السيطرة على الهول, فإن موازين القوة حالياً تميل لكفة الكرد. لكن لا تزال الهيمنة الكردية في مدينة الحسكة لها أسس ضعيفة على ما هو الحال في القامشلي, وقد يتطلب ذلك المزيد من التنازلات أو المزيد من القمع بسبب نقص الأغلبية الكردية في الدوائر و قرب موقع المدينة من العمق العربي المعادي, و يمكن لهذا الأمر أن يولد السخط والاستياء العرقي والطائفي وهي نقطة ليست لصالح قوات سوريا الديمقراطية وجهودها في محاربة “داعش”, وهكذا هي الحال.
عامل النفط:
سيطرة الكرد على الهول والمناطق الأخرى سيمنح, إضافة إلى إحكام قبضتهم على الحسكة, قاعدةً لشن الهجمات في المناطق الغنية بالنفط في سوريا.
في 16 من شهر تشرين الثاني استولت قوات سوريا الديمقراطية على حقل تشرين النفطي, والتي تقع بضعة كيلومتراتٍ فقط غرب الهول. هذا الحقل طورته شركة سينوبك العملاقة الصينية المختصة بالنفط عام 2008, و هي بحسب دافيد باتر, وهو خبير في مؤسسة تشاثام هاوس لشؤون الشرق الأوسط في مجال الطاقة والذي نشر تقريراً مفصلاً عن الاقتصاد السوري, لا تعد من الحقول النفطية الكبيرة في سوريا, لكنها سوف تضاف إلى خزينة الكرد. وقد قال دافيد باتر لي بأنّ هذا الحقل أنتج من 10 إلى 15 ألف برميل يومياً عام 2011 من إجمالي الاستخراج النفطي في سوريا و التي كانت تبلغ 380 ألف برميل يومياً آنذاك. و يضيف باتر بأنّ حقل السويدية والتي هي أكبر حقل نفطي في سوريا شمال الحسكة هي أصلاً بيد الكرد حيث كانت تنتج 100 ألف برميل نفطٍ يومياً.
وعلى ما يبدو فقد برزت منطقة الهول كواحدة من عدة محاور لجلب تجارة مربحة على الحدود السورية العراقية في مجال النفط الخام والمشتقات النفطية التي يتم تكريرها محلياً. و يبدو أن “داعش” كغيرها من المجموعات التي سبقتها في السيطرة على المنطقة قد جَنَتْ الكثير من المال من خلال تقاسم مشاريع تكرير وإنتاج النفط وفرض الضرائب على التجار و بيع “الأذونات” ومنح “الحماية” لأصحاب المشاريع المستقلين. و قد نشر الباحث البريطاني أيمن تميمي وثائق يزعم أنها من المكتب المالي “للدولة الإسلامية” في محافظة دير الزور جنوب شرقي سوريا. وتشير الوثائق إلى أنّ عائدات النفط و الغاز قد ساهمت بنسبة 27,7% من إيرادات “داعش” في تلك المنطقة في هذا المجال, فيما ساهمت الكهرباء بنسبة 3,9%, وحققت عائدات الضرائب نسبة 23,7% (بما في ذلك تجارة النفط و الأعمال التجارية المرتبطة بها التي أشرنا إليها في السابق).
السيطرة على المنابع النفطية تمنح الكرد قدراً كبيراً من النفوذ السياسي لآن التجمعات المدنية والجماعات المسلحة على حدٍّ سواء سرعان ما ستكون بحاجة إلى التسليم. فـ”داعش” كانت قد سمحت بتصدير مشروط للنفط إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة والمتمردين, وبالمقابل سمح المتمردون بنقل المواد الغذائية إلى شرقي سوريا. وهناك صفقات مماثلة بين الحكومة السورية و”داعش” وبين جميع الأطراف المتنازعة في البلاد, بما في ذلك المجموعات المتمردة الرئيسية و الـ(YPG). إنها سمةٌ مشتركة في اقتصاد الحرب السورية ولا شأن لها بالولاءات السياسية, على الرغم من أنّ المعارضة السورية والحكومات المؤيدة لها مثل الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تصرُّ على تصوير المقايضة بين الأسد والجماعات الجهادية على اختلافها بأنها دليلٌ على “مؤامرة خبيثة”.
في حين أن الكرد لا يمكنهم الاستفادة من الأسواق نفسها كما تفعل “داعش”, فإنّ التداخل سيكون كبيراً وبارزاً وإذا تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من انتزاع تجارة النفط في المناطق الشرقية من أيدي “داعش” فإنّها ستتمكن من فرض وممارسة نفوذها بقوة في سوريا و العراق.
سنجار و طريق الرقة – الموصل:
على الجانب العراقي من الحدود كان هناك هجوم موازي لكن أكبر في الحجم تمكنت فيه القوات الكردية من استعادة السيطرة على مدينة سنجار, حيث بدأ الجهاديون حملة إبادة ضد الأقلية الإيزيدية عام 2014 وقطعوا الطريق الواصل بين الموصل والرقة الذي يمر إلى الجنوب من جبل سنجار وجنوبي بلدة الهول في سوريا. وقد قاد ذلك الهجوم قوات البشمركة الموالية للمنافس الحزب الديمقراطي الكردستاني (KDP), والتي تهيمن على معظم شمال العراق, لكن مقاتلي الـ(PKK) كانوا يحاربون على جبهة سنجار قبل وقتٍ طويل وكانوا جزءاً من العملية العسكرية. أنصار حزب العمال الكردستاني يسيطرون على الأراضي على طرفي الحدود, حيث تعمل تحت مظلة قوات سورية الديمقراطية في سوريا, في حين انتشر كوادر الحزب ضمن العديد من الوحدات بشكل علني إضافة إلى الميليشيات الإيزيدية المستقلة ظاهرياً.
يقول دروت الذي رافق قوات البشمركة في سنجار هذا الصيف بأنّ “السيطرة على بلدة الهول ليس فقط لحماية المناطق الكردية في سوريا فحسب, بل لحماية منطقة سنجار أيضاً, وإحدى أسباب السيطرة على بلدة الهول هي لتوفير الأمن لمنطقة سنجار”.
فقدان السيطرة على هذا الطريق يعني أنّ تنظيم “داعش” يواجه خطر فقدان التماسك وأصبح التواصل بين أهم مدينتين يسيطر عليهما أصعب بكثير. قطع المناطق التي يسيطر عليها التنظيم عن بعضها هي من أولويات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة, على أمل أن تنقلب الفصائل المحلية “داعش” عن بعضها البعض لتقع تحت تأثير تجمعاتهم القبلية, أو لتسعى إلى طلب السلام بمجرد ضعف السيطرة المركزية للتنظيم. السيطرة على بلدة الهول له منفعةٌ إضافية بالنسبة لحزب العمال الكردستاني تتمثل في تسهيل التواصل عبر الحدود خاصةً أن منافس الحزب الديمقراطي الكردستاني المدعوم من تركيا يرغب في إعادة فرض نفسه بين الإيزيديين في جبل سنجار.
الهجمات المزدوجة في سنجار والهول قد عززت بعضها البعض. الحملة في سنجار وصلت إلى حافة الصحراء ومن غير المرجح أن تتقدم أبعد من ذلك, في حين أن هناك إمكانية للتوسع جنوب الهول والحسكة في حال تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من توسيع قاعدتها الجماهيرية خارج المجتمع الكردي.
التوجه صوب المناطق القبلية العربية؟
في حال تمكن الكرد و حلفاءهم من التوغل جنوباً في مناطق سيطرة “داعش” نزولاً إلى نهر الخابور في مدينة الشدادة, فإن من شأن ذلك أن يلحق ضرراً كبيراً بـ”دولة الخلافة الإٍسلامية”. الاستيلاء على الشدادة ستكون بمثابة انتكاسة رمزية لـ “داعش” من شأنها أن تقوض ثقة العشائر العربية المحلية في التنظيم, وستعرقل أيضاً وصول الجهاديين إلى الطرق التجارية وحقول النفط.
لكن ذلك لا يبدو سهلاً, حيث تنتشر القرى والبلدات الصغيرة العربية السنية على ضفتي النهر. فرغم الجهود الحثيثة التي يبذلها الخبراء والمحللون الكرد والأمريكيون على تصوير القوات المتقدمة على أنها جيش متعدد الأطياف من دون ولاء لطرف معين, وأنّ ولائها للحرية والسعي لتحقيق السعادة فقط, يعرف السكان المحليون جيداً أنّ مصطلح قوات سورية الديمقراطية (SDF) هي نفسها كما ينطقها الأمريكيون “PKK”. ورغم كل مهاراتها و قوتها العسكرية, فإنّ مجموعة من الكرد الاشتراكيين تدعمها أمريكا وروسيا قد لا يكون الوكيل المثالي لإحداث تغيير في بادية عربية نائية شرق سوريا يحكمها الإٍسلاميون.
لكن للإنصاف فقط, فإنّ (PKK) و فروعها المختلفة قد قطعت شوطاً طويلاً في تجاوز الفكر القومي الكردي الضيق والمتعصب والفكر الشيوعي الذي بدأته في الثمانينيات من القرن الماضي. و هي الآن تشجع وتعزز أيديولوجية متعددة الثقافات مستوحاة من الفوضوية حيث تبدو مناسبة تماماً لطمس الاختلافات العرقية و الطائفية من الناحية النظرية. لكن السلطوية المستحكمة للـ(PKK) يجعل من الغير المرجح أن يدوم هكذا ترتيب و تقاسم للسلطة استرضاءً للسكان المحليين المتشككين وإقحام أمراء الحرب الانتهازيين, وأنها لن تسمح لأي حليف مستقل أن يزداد قوة أو شعبية. هذا هو السبب الذي يجعل من الصعب, إن لم يكن من المستحيل, تصور قوات سوريا الديمقراطية تتلقى مستوى الدعم التي هي بحاجة إليها من العرب السنة للعمل بفعالية في المنطقة العشائرية.
هناك أيضاً مسألة إلى أي مدى يريد الكرد أنفسهم أن يتابعوا هجومهم. حيث أن لديهم كافة الأسباب لقطع يد “داعش” في منطقة الحسكة, حيث أن العمليات الهجومية هذه تخدم أغراضهم الدفاعية. فلا حاجة لهم بتأمين المزيد من آبار النفط لتغذية مشروعهم في الحكم الذاتي. لكن بالنهاية, فإنّ اهتمام قادة حزب العمال الكردستاني مُنصَبْ على المناطق الكردية في تركيا والعراق وإيران أكثر من المناطق العربية في سوريا, و يدركون المخاطر المرتبطة بحكم مناطق مدنية معادية.
حتى في أفضل السيناريوات, فإن تقدم القوة الكردية في عمق المنطقة الشرقية في سوريا قد تكون خارج طاقتها و تعتمد بدرجة خطيرة على الإسناد الأمريكي المستمر. بما أنّه من الواضح أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ليست لديها النية في إزالة اسم حزب العمال الكردستاني من لوائح الإرهاب الخاصة بها بعد سنة كاملة من اختيارها للـ (PKK) كحليفٍ رئيسي في سوريا, فأنه من الحكمة أن يفترض الكرد أنّ هكذا دعم لن يستمر إلى الأبد.
أمريكا وضعت رهانها
لا يوجد حتى الآن من يشغر هذه الوظيفة. البنتاغون مقيدٌ بسبب إخفاقه في تدريب ميليشيا مناهضة “لـ داعش من بين الجماعات المعارضة المسلحة في المناطق العربية من سوريا. فقد تم تدريب عدد قليل جداً من القوات بسبب إجراءات التدقيق البطيئة التي طالب بها الكونغرس, وأولئك الذين جرى تدريبهم كانوا غير قادرين ولا يرغبون بالوقوف بوجه التنظيم الجهادي. وبينما ولسوء الحظ تستمر وكالة المخابرات المركزية الأمريكية(CIA) بتضييع وقتها مع جماعات عربية في الشمال الغربي و جنوب سوريا, فإن مهمة الجيش القاضية بمحاربة “داعش” قد قررت البقاء مع الكرد لعدم وجود بديل أفضل.
يبدو أن الخطة حالياً هو استخدام قوات سوريا الديمقراطية لتوحيد المزيد من المجموعات المسلحة العربية تدريجياً ضمن القوة التي يشكل الكرد نواة لها, وفي الوقت ذاته تقوية نواة قوة من المقاتلين العرب السنة الذين ينحدرون من العشائر العربية في شرقي سوريا. و إذا تحدثنا بصراحة, فإن هذه المجموعات العربية البديلة لن تكون قوية بما فيها الكفاية لتحل بديلاً “لـ داعش” وتقيم حكماً محلياً دائماً من تلقاء نفسها, وللأسباب المذكورة أعلاه, هناك المدى الذي يمكن أن يبلغه الكرد جنوباً. لكن الحقيقة ,كما يقول المثل, بطريقةٍ أو بأخرى لديها ما يكفي من الوسائل للتكيف مع الوضع إذا أطلقت المزيد من الرصاص على الهدف. هل يتمكن الكرد الموالون لحزب العمال الكردستاني و حلفاؤهم العرب من هزيمة “داعش” في عقر دارها و يقلبوا موازين القوى في إحدى طرفي المنطقة الشرقية من سوريا على الأقل. فرص جديدة قد تلوح في الأفق وحلفاء جدد قد يعلنون ولاءهم من شأن ذلك التأثير على حجم كرة الثلج المتدحرجة “للدولة الإسلامية” التي سرعان ما كبرت عام 2014. أم أنّها مجرد رهان ويبقى أن نرى نهايتها, لكن البنتاغون عقد رهانه وبدأت الكرة تتدحرج.
في أواخر شهر تشرين الأول فوّض الرئيس الأمريكي باراك أوباما وحدةً أمريكية خاصة “أقل من خمسين” من الجنود لمهام تدريبية واستشارية وتقديم المساعدة. في حين عدّ البعض هذه الخطوة بمثابة وضع أقدامٍ أمريكية في سوريا, يمكن القول أنها لمراقبة الحلفاء على الأرض. خمسون جندياً ليس له ذلك التأثير في خط المواجهة, لكنها ستكون مفيدة للاتصال المتبادل و تقديم الدعم التقني ورصد الضربات الجوية. و الأكثر من ذلك, يمكنهم التنسيق بشأن الجهات التي تتلقى الدعم اللوجستي والذخيرة والحرص على ذهابها إلى يد الجماعات المقصودة, و التي عبر عنها البنتاغون أنها ,أي المساعدات, موجهة لميليشيات التحالف العربي السوري و جزء منها مقدم إلى الـ (YPG).
في 26 من شهر تشرين الثاني أعلنت محطة تلفزيونية مؤيدة للأسد أن حوالي خمسين عسكرياً أمريكياً قد وصلوا إلى كوباني. بعد ذلك بوقتٍ قصير نقلت مجموعة ناشطة في الحسكة عن “مصادر كردية” لم تحددها بأن شخصيات عسكرية أمريكية شوهدت بجانب وحدات الـ(YPG) تتفقد مدرجاً للطائرات العسكرية في رميلان باشا التي تبعد مسافة ساعة واحدة بالسيارة من قامشلو قرب الحدود الكردية العراقية. ربما يكون هذا من الشائعات أو تضليلاً أو من قبيل الصدفة. لكن إن كنت مهتماً بمستقبل الصراع ضد “داعش”, أقترح عليك أن تبدأ بالمراقبة عن كثب للمناطق الحدودية الكردية و العربية في سوريا.
كرد سوريا في محور الاستراتيجية الأمريكية لمحاربة الجهاديين الاتحاد برس.