‘سائد كراجة يكتب: عليكم بالديمقراطية فإنها لكم دواء’
17 شباط (فبراير - فيفري)، 2016
سائد كراجة يكتب: عليكم بالديمقراطية فإنها لكم دواء – مدار اليوم آخر الأخبار
سائد كراجة
عندما خرجت الجماهير العربية لتُعيد رئيساً مهزوماً للحكم، كانت تأمل أن يُحوّل الرئيس الهزيمة لنصر؛ وعندما دخلت الجماهير أفواجاً في الأحزاب القومية، كانت ترى في الوحدة طريقاً لتشكيل الأمّة الجديدة؛ وعندما انعطفت الجماهير يساراً، كانت تحلم بمستقبل العدالة وتكافؤ الفرص. وأخيراً، عندما رفعت الجماهير شعار “الإسلام هو الحل”، حَلُمت بالخلاص النهائي من الاستعمار والتخلف، وبإعادة مجد الماضي. ماذا بقي للجماهير العربية اليوم غير التّشرد والحرب وضيق ذات اليد؟! اليوم، تكتشف الأمّة أعداءها يومياً، وبفيْض من غياب الرؤية وضياع البصيرة تصنع هؤلاء الأعداء أيضاً، فما الذي حصل؟!
في عقر بيت القومية، وجدنا القُطرية تَميد بأحقاد طائفية دفينة، وبإقصاء وتقسيم عرقي وديني بغيض، يَسّر حرب أميركا الظالمة الوحشية، فَخَلّفت تلك الحرب العراق ساحةً للقتل والظلم والتخلف، ووطناً جاهزاً للتقسيم. وفي جمهورية القائد الرمز، كانت المُمانعةُ شعاراً يُبرر التنكيل والبطش، والحكم الطائفي، فترى السيد الرئيس ينعم رخاءً على الشعب بشرط رضاهم بأن أكل العيش أهم من الديمقراطية وأن الرئيس الدكتاتور هو أمل الأمّة!
في أغلب المملكات والجمهوريات والدول الأخرى العربية غُيِّب الشعب فغاب، واتُّخذت الديمقراطية مطيّة، يَمنحها صاحب الأمر حين يُريد ويمنعها حيث يقرر. وصارت أحلاف دولنا القُطرية مع الدول العالمية أحلافاً تقوم لبقاء الحكم أولاً، بعيداً عن المصالح الحقيقية للشعوب. العامل المشترك في فشل الدولة القُطرية العربية هو غياب الشعب، وتَغييبه وعزله عن المشاركة والتدرب على الحكم الديمقراطي، واعتقاد الحاكم أنه أعلم بمصلحة الشعب من الشعب نفسه، إضافة إلى تعامله مع الشعب باعتباره عبئاً من التخلف، وعالة يجب إدارتها إدارة الطفل القاصر أو البالغ الشرير.
يُصرّح الواقع أن الدول العربية الأكثر دكتاتورية كانت الأسرع سقوطاً، والأبشع في احتراب أبنائها بين بعضهم؛ وما ليبيا وسورية والعراق، إلا أمثلة مؤلمة لذلك! والنتيجة الأهم أن كل ما يحصل في المنطقة والعالم العربي إنّما يخدم مشروع إدامة دولة الاحتلال الصهيوني، ليس فقط عن طريق بلع كامل التراب الفلسطيني، بل عن طريق خلق فوضى عربية محيطة بإسرائيل، تضمن استقرارها باستمرار ضعف العالم العربي، وخاصة دول الجوار.
الدرس المُستفاد أنّه قبل أن نكتشف بسذاجة أن أميركا أو تركيا أو إيران تتربص بالوطن العربي شرّاً، علينا أن نكتشف أهم عدو لهذه الشعوب؛ وهو في اعتقادي غياب الديمقراطية الحقّة الدستورية، وأيضاً غياب مشروع تنموي يكون الشعب أداته ومحوره وهدفه. لقد أثبت التاريخ الحديث للدولة العربية القُطرية أن شرور قمع الديمقراطية -بغض النظر عن مبررات ذلك- كانت أكثر وبالاً على الوطن العربي من سلبيات اعتماد الديمقراطية والحرية.
لماذا هذا الحديث اليوم؟! لأننا في حالة حرب؛ حرب حضارية جديدة، يتمثل فيها الاستعمار بشكل جديد لا يقوم على الاستيطان أو استعمار البلاد، بل على تخريبها وتفتيتها وإثارة النعرات، وإقامة حروب داحس والغبراء بين أبنائها. وفي هذه الظروف فإنه يجب أن يتجاوز الفكر السياسي العربي حالة الاستقطاب بالتحالف مع أميركا أو ضدها أو بحرب إيران أو مصادقة تركيا، يجب على الأمّة وروّادها خلق رؤية جديدة. وأعتقد أن عماد هذه الرؤية هو اعتماد الديمقراطية وحكم الشعب في كل الأوقات؛ في السلم والحرب سواء. والديمقراطية التي أشير إليها أوسع من ديمقراطية البرلمان، إنها ديمقراطية شاملة؛ في الأسرة والشارع والمدرسة والجامعة، إنها ترسيخ بناء المواطن العربي على أساس من قبول التنوع والمشاركة والاندماج بين جميع مكونات المجتمع، العرقية والدينية واللغوية. ولنتذكر أن العدو الصهيوني في كل حروبه مع الدول العربية لم يعطل ديمقراطيته يوماً واحداً.
نعم، في الليلة الظلماء عليكم بالديمقراطية الشاملة، فإنها لكم دواء.
المصدر: الغد
الوسوم :الديمقراطية سائد كراجة
السابق: العين المفقوءة لمجلس الأمن.. لماذا يرانا العالم على هذا النحو؟ التالي: منى فياض يكتب: نيرون طاغية لكن الأسد حاكم ‘شرعي’ مقالات مشابهة
x
قد يُعجبك أيضاً
ارسل عبر الواتس ابصالح القلاب هل فعلاً ستكون هناك حرب عالمية ثالثة …