‘“اجا بابا” كلمة تقع كالجمر على قلوب أمهات الأيتام’
18 فبراير، 2016
كانت زينب في مهمة إحضار الطعام لأطفالها كعادتها كل يوم، لكن هذه المرة عادت باكية في طريقها لمنزلها، فقد سمعت من إحدى البنايات التي مرت بجانبها جملة أوجعت قلبها الجريح، أطفال يصرخون لأمهم أو ربما تعبيرا عن فرحهم” أجا البابا” ويركضون لاستقباله، زينب امرأة أربعينية من مدينة حلب، وأم تعيل أربعة أطفال صغار بعد أن اعتقل زوجها منذ بداية الثورة في سوريا ولم تحصل على أي معلومات أو خبر عنه حتى اليوم.
يوم بعد يوم وخمس سنوات مرت من الحرب وعدد الأطفال الأيتام داخل سوريا وخارجها بازدياد، ليصبح مئات الآلاف من الأولاد بدون أب أو أم فلا توجد حتى اليوم إحصائية دقيقة لهم بسبب العنف المستمر داخل البلاد، إلا أنه ومن المؤكد لا يكاد يخلو بناء أو حي من وجود أطفال أيتام، يعيشون في ظروف معيشية قاسية من فقر وحرمان، فالكثير من الأطفال يشعرون بالحاجة الماسة لعطف وحنان الأب الذي فقده أو ربما كليهما، ومن منا ينسى صورة الطفلة السورية على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك وهي تحاول أن تنبش التراب عن قبر والدها وتقول له ” ما بقا بدي ألعب طميمة”، وأطفال آخرون يقفون على أطلال منازل دمرتها صواريخ النظام وبراميله لتدفن آباء وأمهات كثير من الأطفال.
نصر طفل من أحد أحياء داريا الملقبة بأم البراميل يبحث بين ركام الحجارة التي بقيت من منزله عله يعثر عن ذكريات لأحد والديه أو إخوته تكون مصدر سعادة له يقول: ” هنا تحت هذا الركام دفن أهلي وذكرياتي معهم، كانت هذه غرفة جلوسنا حيث كنت ألعب الشطرنج مع والدي وإخوتي، وتلك حجارة المطبخ الذي كانت تفوح منه روائح أشهى وأطيب المأكولات التي تصنعها أمي، وتلك الأرجوحة المدمرة كانت لأخواي رحمهم الله جميعا، نجوت من البرميل بأعجوبة الحمد لله على كل حال”.
تعاني زينب بشكل يومي مع أطفالها في تأمين لقمة العيش وفي تربيتهم حالها كحال نساء كثيرات، ففي كل يوم تراقب الآباء وهم يحضرون متطلبات أولادهم من نافذة بيتها أو في الأماكن العامة بعين دامعة متذكرة زوجها الذي كان يساعدها في تربيتهم وتأمين احتياجاتهم من أجل بناء مستقبلهم وتحاول أن تلملم دموعها لتبدو قوية كما يعرفها جميع الجيران والأقارب.
تقول زينب أشعر لفترة أن الحرب كابوس مرعب وينتهي عندما أستيقظ، و لكن عندما أدرك أنه حقيقة أحاول زرع الحب والتفاؤل في نفوس أولادي من أجل تحسين وضعهم النفسي وتعويضهم عن فقدانهم لوالدهم الذي كان يزرع الفرح والأمل في قلوبهم الصغيرة.”
تضيف زينب: ” كان أطفالي ينتظرون قدوم والدهم من عمله لتناول طعام الغداء وليلعبوا معه، و في حال عدم التزامهم بأوامري كنت أهددهم بكلمة “بس يجي أبوك رح أشكيك” فيتجنبوا ارتكاب أي خطأ خوفا من تأنيبه لهم، لم يكن يضربهم إلا أن مجرد وجوده كان ينشر الالتزام والفرح معا في أرجاء البيت”.
تحاول بعض المنظمات الخيرية إقامة الحفلات والندوات للأطفال الأيتام من أجل مساعدتهم وتقديم الدعم النفسي والمعنوي لهم ورسم ابتسامة على وجوه بريئة عرفت أشكالا من القهر والرعب منذ الصغر، إلا أنها ساعات وتنقضي ويعود الأطفال للشعور بالضياع والوحدة فلا يمكن لأحد أن يعوضهم عن أحد والديهم أو كليهما.
تروي زينب أنها حين ذهبت لمجلس عزاء في حي بستان القصر بحلب: ” حينما سقط في الحي برميلين فقد الكثير من الأبناء آبائهم، وما لفت انتباهي وجود عشرات النساء الأرامل ضمن مجلس العزاء معظمهن يقمن برعاية أطفال أيتام وإعالتهم”.
تنهي زينب حديثها “بالرغم من النزاعات المستمرة بين الأزواج التي تنتهي بالنهاية لمصالحة من أجل استمرار حياة الأسرة، يبقى الرجال بحسب المثل السوري ” رحمة ولو فحمة”، فما بالكم بمن فقد أبا حنونا، أشعر بالقهر الشديد لأجل أطفالي وباقي أطفال سوريا الأيتام”.
ويبقى السؤال للمجتمع الدولي ورؤساء الدول الكبرى وللعالم العاجز عن إيقاف آلة التدمير والقتل اليومي لأطفال و أباء وأمهات سوريا بجملة على لسان أحد الأطفال الأيتام ” شو عملنالوا ليقتلنا نحن وأهلنا؟!
المركز الصحفي السوري ـ سلوى عبد الرحمن
المركز الصحفي السوري