on
كالمستجير من الرمضاء بالنار
صالح القلاب
ليس في العراق فقط، بل في هذه المنطقة كلها، فإن هناك من بات يتمنى لو أن نظام البعث لم يسقط ولم ينته إلى النهاية التي انتهى إليها:
ومن نكد الدنيا على الحُر أن يرى … عدواً له ما من صداقته بُد
فهناك قناعة حتى لدى بعض من يصنعون القرار أنه لو لم يُسقط النظام العراقي السابق في عام 2003، لما “انْكَسر” جدار الأمة العربية الشرقي، ولما سيطر الإيرانيون، سيطرة احتلالية، على بلاد الرافدين وتجاوزوها إلى سورية، وبالطبع إلى لبنان، ولما افتعلوا هذه المشكلة التي افتعلوها في اليمن.
وحقيقة إن سبب كل هذا “الإحباط”، الذي جعل حال كثيرين كحال الغريق الذي يتمسك بزبد البحر، هو أن الولايات المتحدة لم تحافظ على العراق بعد احتلاله في عام 2003 كدولة مستقلة وذات سيادة، بل إن بول بريمر، سيئ الصيت والسمعة، قد انطلق في صياغة مستقبل هذه الدولة العربية من أن هناك منتصراً ومهزوماً، وأن المنتصر هو الفئة المحسوبة على إيران، وهو الكرد وهو بالطبع أميركا، وأن المهزوم هو العرب السنة، بحجة أنهم كانوا النظام السابق، وأن حكم حزب البعث كان حكمهم… وهذا غير صحيح على الإطلاق.
وعلى هذا الأساس، وبدلاً من الحفاظ على الدولة العراقية بكيانها وجيشها وأجهزتها الأمنية ومؤسساتها، فقد بادر “المنتصرون” بقيادة بريمر، وبتوجيهات الإدارة الأميركية، إلى تدمير كل شيء وإلغاء كل ما كان قائماً: “الصالح والطالح”، وذلك لحساب بديل مشوه فتح الأبواب على مصاريعها للتمدد الإيراني الذي تحول مع الوقت إلى أبشع أشكال وأنواع الاحتلال، والدليل هو هذا القائم الآن، حيث يحكم بلاد الرافدين من الناحية الفعلية حراس الثورة الإيرانية، والجنرال قاسم سليماني والميليشيات المذهبية المرتبطة بالولي الفقيه في طهران.
والأنكى أن “المنتصرين” قد بادروا فوراً وبمجرد سيطرة القوات الأميركية على العراق سيطرة كاملة إلى استهداف العرب السنّة والتنكيل بهم، واستباحة كراماتهم ومطاردة رموزهم، مما جعلهم يشكلون البيئة التي نبتت فيها نبتة “داعش” الشيطانية، وجعلهم يقاومون الوضعية الجديدة دفاعاً عن أنفسهم وعن حقوقهم التاريخية في بلد هو بلدهم، كما هو بلد غيرهم من المكونات المذهبية والعرقية والقومية الأخرى.
ولهذا فإنه ليس مستغرباً أن يكون هناك حنين من هؤلاء الذين أصبحوا غرباء في وطنهم إلى صدام حسين وعهده، وهذا مع أنهم كانوا قد ذاقوا الأمرّين مثلهم مثل غيرهم في سنوات القهر والاستبداد التي امتدت منذ عام 1968 حتى 2003، والتي هي في حقيقة الأمر تواصلت على نحو أكثر بشاعة حتى الآن… حتى هذه اللحظة.
إنه ليس مستغرباً أن يلجأ هؤلاء إلى “التحسر” على البعث وعهده، رغم كل ما كابدوه، مثلهم مثل غيرهم خلال هذا العهد الظلامي، لكن المستغرب أن نسمع من غير العراقيين ما نسمعه الآن من العرب السنة وبعض العرب الشيعة أيضاً الذين يرون أن النظام البعثي أو النظام الصدامي، رغم استبداده ودكتاتوريته، فإنه كان يشكل جدار صد أمام إيران التي ازدادت تطلعاً وراء حدودها بعد انتصار ثورة عام 1979. وأصبح الكثيرون يصفون الوضع الحالي في العراق كالمستجير من الرمضاء بالنار.
وحقيقة إن المشكلة من أولها إلى آخرها تكمن في هذا النظام القمعي والفاشي الذي دمر العراق ودمر المنظومة العربية كلها، والذي كان لابد من أن يكون مصيره هذا المصير الذي انتهى إليه، وبخاصة بعد غزوه الكويت، الدولة العربية المجاورة.
المصدر: الجريدة
أخبار سوريا ميكرو سيريا