‘مازن اسماعيل: كيف أصبحت تركيا شراً لا بد منه؟’
22 فبراير، 2016
في الواقع السياسي الحالي، ينقسمُ الكثير من السوريين بين مؤيدٍ ومعارضٍ لسياسات تركيا في المنطقة، وخاصة في شأن الثورة السورية، كما أن البعض منهم يتحدث بعواطف ساذجة، و يؤمنون بنظرية مفادها : من يعادي إيران ” الشيعية ” يجب أن يصادق تركيا “السنية” .
وبما أن الكثير يرى في إيران عدواً واضحا لثورة الشعب السوري ،يبقى السؤال المشروع هنا ، ماذا عن عن باقي الدول التي تُعطيكِ من طرف اللسان حلاوةً .. وعلى رأسهم تركيا ؟
منذ بداية الثورة السورية أعلنت تركيا ـ ممثلة بنظام حكمها الحالي ـ وقوفها مع ثورة الشعب السوري ضد الاستبداد وحكمه الجائر، وقالتها بشكل واضح وصريح، واتخذت عدة إجراءات لصالح هذه الثورة تحدثت عنها وسائل الإعلام في العالم كله ، في الوقت الذي كانت تعدّ فيه سلسلة إجراءات أخرى، من تحت الطاولة لم تظهر على وسائل الإعلام، وقد يكون لامس بعضها محللّون سياسيون ومفكرون وقرّاء… وحاولوا كشفها دون فائدة، ولأن الناس عادة ميالون للانسياق خلف الظاهر، صعب عليهم كشف ما كشفه الزمن.
الثورة السورية وحسن النية:
لأننا نجزم بأن الثورة السورية نابعة من تراكم مشكلات عميقة، أدى لانفجار الشعب بوجه حاكمه المستبد، ولأننا نعلم أيضا أن الظروف المحيطة سهّلت لهذه اللحظة الانفجارية أن تولد ًبعد صيامٍ دام لعدة عقود، ولأننا في ذات الوقت نرفض نظرية المؤامرة، التي كانت ولازالت حجة المستبد لاستمرار حكمه، كان لابد من التعامل بحسن نية مع أي دولة تقف في صف هذا الشعب الثائر، والطلب منها دعم هذه الثورة. وكما تركيا دعمت موقف الثوار ضد نظام الحكم، هناك أيضا الكثير من الدول التي فعلت ذلك ولو بنسب متفاوتة، ولكن تبقى تركيا هي الأهم لعدة أسباب، قد يكون على رأسها العامل الجيوسياسي (القرب من بلد الثورة).
لن أخوض هنا في عالم التحليل السياسي على حساب عالم الواقع، وسوف أتطرّق لبعض الأمور التي عايشتها شخصيا أثناء تواجدي في ريف حمص الشمالي بداية 2012
كانت المظاهرات مرافقة للعمل الثوري في ريف حمص الشمالي في أحسن حال ، ومع بداية تشكيل أول مجلس عسكري في سوريا في مدينة الرستن، تمكنت من حضور عدة جلسات للمجلس كصديق لقائد عسكري ميداني، هو “يوسف الأشتر”، حيث كان المجلس العسكري حينها بقيادة العقيد “قاسم سعد الدين” و كان (الفاروق) بقيادة “عبد الرزاق طلاس” يعمل في حمص وخاصة ” بابا عمرو ” وله شعبية كبيرة جداً، و كنّا نعلم أن (الفاروق) مدعوم إخوانياً من قطر وتركيا .
جَهِدَ الثوار للعمل بشكل منظم ومسؤول، ورفض تبني أي فكر طائفي ، وسوف أذكر هنا أحد القادة الكبار في تلك المرحلة ـ قبيل تكوين المجلس العسكري ـ وهو “أمجد المحاميد” الذي وجه رسالة إلى جيرانهم في مدينة سلمية، يؤكد فيها أن الثورة ثورة سوريّة ، وأن المعارضة في سلمية تدعم الشعب السوري ضد المستبد ، ويرفض بشكل قاطع الخطف والقتل الذي كان يقوم به بعض المرتزقة ممن يشوهون عمل الثورة والثوار عموماً ، وتربطهم مصالح خفية مع بعض شبيحة المدينة هناك.
هذه المواقف، وهذه الأمثلة، كانت كثيرة جداً، وقد تنبّه لها النظام وعمل على تصفية الكثير من القادة الذين يحملون هذا الفكر الثوري المناقض لخطابه الذي تبناه “الطائفية ـ الإرهاب” ، ولهذا كان طبيعياً أن لا يقف مكتوف الأيدي تجاههم، فهو يخاف من فكرهم أكثر من بندقيتهم. ووفق هذه الرؤية كنتُ وبعض الأصدقاء متنبهين لخطورة هذه المرحلة ، ونتحدث بشكل يومي حول ترسيخ هذا الفكر ومحاربة بعض الشخصيات التي بدأت تظهر باسم الدين مع ازدياد حالات التصفية المجهولة للعديد من القادة.
بدأ المجلس العسكري بدمج جميع الفصائل تحت اسمه بقيادة موحدة ضد نظام الإجرام الأسدي ومحاولة إزالة المسميات الدينية عن الفصائل كالفاروق وعلي ابن أبي طالب وغيرها…
حدث إجتماع طويل بين العقيد “قاسم سعد الدين” و”عبد الرزاق طلاس” من أجل تصدير بيان يرسّخ عملية التوحد التنظيمي للعمل الثوري، وأن يكون الفاروق ضمن المجلس العسكري، وحين وصلنا إلى مقر المجلس العسكري علمنا أن المحاولة لم تنجح، ويومها قال العقيد قاسم سعد الدين:
طلاس شاب في مقتبل العمرولا قرار له، والداعم يريد أن يكون “أمجد بيطار” أميراً على حمص ويبقى تحت مسمى الفاروق وأن نكون نحنُ تحت الإمارة المزعومة، ونحن رفضنا هذا الأمر وقلنا أن زمن العبودية قد ولّى.
(علينا أن نتخيل ماذا كان يريد الإخوان المسلمون المدعومون من قطر وتركيا في 2012 !! ؟يريدون أمراء وهذا طبعاً قبل وجود النصرة وداعش !!!)
حتى تلك اللحظة والجميع يتعامل بحسن النية ، فالعدو الظاهر هو النظام الذي لم يترك أي وسيلة إلا وجرّبها ليقضي على هذا الفكر الثوري، أما العدو الخفي بلبوس الصاحب فقد بدأ البعض يتنبه لظهوره على السطح، فهولا يريد التوحد للفصائل ويثبّت المصطلحات الدينية ويخلق النزعات الطائفية ، ولكن بقيتْ (معادلة حسن النية) هي المسيطرة على الوضع ، وبصراحة أكثر: كان الجميع يضعُ الملحَ على الجرح كي لا يكون هناك تفرقة بين الجسد الواحد.
لقد مررتُ على ذكر ما سبق كمثال لما كان يجري مع بداية إنطلاق عمل الجيش الحر بشكل قوي، ولأن هذا ليس محور المقال، فإنني أكتفي بما سبق كأمثلة لدعم فكرة المقال الأساسية، ولن أخوض أكثر في التفاصيل، فهي تحتاج مجلدات ربما والكثير من الوقت ، وكي نختصر الكلام سوف أذهب إلى محور المقال : كيف أصبحت تركيا شرّاً لابد منه كغيرها من الدول التي تدعي صداقة الشعب السوري الثائر.
الثورة السورية ونية المصالح:
لكل دولة سياسة خاصة بها تدعم مصالح بلادها وقد تتقاطع بعض المصالح بين الحين والآخر، وكما هو معروف في السياسية ليس هناك صاحب دائم أو عدو دائم ،هذا لايعني دائماً نجاح نظام الحكم في سياسته ، وبالنهاية الواقع هو من يحدد ذلك من خلال الشعب الذي يرضى أو لا يرضى عن نظام حكمه. لم تكن تركيا ضد نظام الأسد لوقتٍ قريب ،حتى وصف البعض علاقة النظامين بالمتينة والصلبة جداً من خلال الكثير من القضايا ، والتي كان آخرها إلغاء الفيزا بين البلدين .
ومع مرور الأيام وانطلاق الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد وتصريح أردوغان علناً بوقوفه مع الشعب السوري ضد النظام ، بدأت تركيا بتغيير سياستها تجاه النظام السوري، وبشكل متسارع، وفي هذا القسم لن نعود لموضوع حسن النية و إغاثة الملهوف و بعض الجمل العاطفية، بل سأقول الوقائع كما جرت:
قامت تركيا بنصب الخيام بشكل استباقي، فقد أكد الكثير من الناس ذلك، ولم تكن حلب بعدُ خارجة عن سيطرة النظام ،وكما هو معروف أنّ حلب هي عاصمة سوريا الاقتصادية، وقد يكون مجهولاً للبعض أهمية حلب بالأرقام ،حيث كان إنتاج حلب وحدها في عام 2010 قد تجاوز 20 مليار دولار، وعلينا أن نتخيل – اليوم تجتمع أكثر من خمسين دولة لتجمع معونات ومساعدات للسورين و تقدم لهم 10 مليار دولار ،بينما حلب وحدها نتتج 20 مليار دولار في سنة واحدة – وهذا وحده يوضح كم كانت حلب عظيمة اقتصادياً.
جهدت تركيا لوضع حلب وخيراتها في صالحها، مقابل وقوفها مع الثورة وتقديم ما يمكنها تقديمه إعلاميا وسياسيا، وسعت إلى أسلمة جميع الفصائل هناك بشكل علني أو سرّي ، ولأن الوتر الطائفي والديني سهلٌ جداً، بدأت تظهر تصريحات أردوغانية مثيرة قد يكون أكثرها جرأة عبارة ( أنتم المهاجرون ونحن الأنصار) وبعض الصور العاطفية التي كانت تُؤخذ هنا وهناك في المخيمات وموائد رمضان الأردوغانية و أبوابُ تركيا المفتوحة للسوريين من جحيم نيران الأسد.
كل هذه الظروف ـ وغيرها الكثير ـ ساعدت تركيا على جمع فُتات الشعب المكلوم، ولأن القضية الكردية لها نصيبها الأكبر من الهاجس التركي ،كان يتوجب على أردوغان أن يسعى للسيطرة على شمال سوريا بشكل تام، ويبترُ يدَ النظام الذي بدأ يدعم بعض القوى الكردية شمالاً ويثير قلق تركيا بشكل كبير.
كيف أصبحت تركيا شرّاً لابدّ منه:
قد يكون من المثالية المفرطة أن نقول لا نريد تركيا ولا نريد منها أي دعم، ومن الغباء السياسي أن نحاربها ونرفضها في هذه الأيام، ولكن يبقى السؤال الأهم كيف لنا أن نعمل سياسية ونرفض التبعية في ظل هذه المعطيات :
“- رحبت “تركيا بكل ضابط منشق عن النظام وقدمت- لوجسيتاً -كل مايلزم له.إلا أنها لم تلتزم بحماية أهم ضابط انشق عن نظام الأسد (المقدم حسين هرموش) حين رفض طلبها بمقاتلة الكرد تزامناً مع قتال قوات النظام -كما ورد على لسان البعض ممن عاشروا حسين هرموش في تلك الفترة.
– قيّدت تركيا الكثير من الضباط المنشقين عن النظام في “سجن” يدعى” المخيم “والكثير يعلم أن تحركاتهم -بحجة حمايتهم -أصبحت ضمن القرار التركي فقط.
– ساهمت تركيا بفرض مسميات إسلامية على الفصائل وبالدخول بمعارك وهمية من أجل الدعم.
– رفضت تركيا أن يكون هناك مجازر في سوريا ،وقالت لن يكون هناك حماه أخرى، ولكن ببيع الكلام ليس أكثر كما هو حال الخطوط الحمر الوهمية.
– جهدت تركيا إلى دعم الإخوان المسلمين على حساب باقي فئات الشعب السوري المعارض سياسيا ًوعسكريا ًحتى أصبح الفشل سيّد الموقف.
– دعمت كل من يحارب الشيعة على الأرض وثبتت معادلة مظلومية السنة ،في الوقت الذي لم تقاطع فيه إيران مطلقاً، بل زار أردوغان نظام ولي الفقيه ولعل الصورة الأبرز كانت مع روحاني مؤخرا ًوالمصافحة العلنية ،حتى بات واضحاً:
رجال السنة والشيعية يتحاربون في أرض سوريا بينما “زعمائهم “على طاولة غداء واحدة
– احتوت تركيا آلاف النازحين من سوريا ولكن ب”مصاري”
– سمحت بنهب كل بترول سوريا وأصبحت أنابيب المازوت من سوريا لتركيا بشكل علني.
– سمحت بدخول آلاف المهاجرين المتطرفين من العالم إلى سوريا ولعل جدران فندق” علي” في مدينة الريحانية سوف تشهد يوماً ما على ذلك، كما فعل نظام الأسد تماماً حين أطلقهم من السجون وكذلك المالكي حين سلّم الموصل وسجنها لداعش.
– تعلمُ تركيا تماماً أن الدول التي تعمل معها بغرفة واحدة تسمى ( الموم ) لا تسمح لها بدعم أي عملية على الأرض في سوريا ضد منطقة لا تنتمي” للطائفة السنية”
ومع ذلك سمحت لنفسها بتدعيم هذه النظرية حتى بات واضحا ًأن المناطق “السنية” هي هدف للنظام والمعارضة والعالم كله ، ففي حين ممنوع على الفصائل إطلاق صاروخ واحد ضد أي منطقة ليست “سنّية” – تحت سيطرة النظام – مسموحٌ لهم ضرب أي منطقة “سنّية “تحت سيطرة هذا النظام.
فيما معناه أن من يدعي الإسلام من “الدول الداعمة ” والحفاظ على أهل السنة ،هم نفسهم من يشاركون النظام في قتلهم وتهجيرهم وإبعاد مفهوم الثورة الذي يرفض بالأساس الصبغة الطائفية لثورة الشعب.
ويبدو أن هدف تركيا ومن معها من كل ذلك هو كبر المساحة الجغرافية التي تسيطر عليها الفصائل وليس نوعية المناطق وأهميتها وتأثيرها على سقوط النظام.
– نقلت تركيا كل ثروات حلب إلى أراضيها ،حيث أن المناطق الصناعية في إقليم ” هاتاي “تعج بالمصانع الحلبية والاستثمارت الكبيرة.
فحلب كما ذكرنا سابقا كانت العمود الفقري لسوريا اقتصاديا ،و من المعروف أن أهل حلب أدخلوا معهم إلى تركيا ملايين الدولارت ،وأذكر أن عائلة واحدة مكونة من سبعة أشخاص من ضيعة حلبية تدعى “كفر حمرا “جاؤوا تركيا وبحوزتهم مايعادل المليون دولار وعلينا أن نتخيل حجم المال الذي دخل تركيا.
– تركيا بوابة الهجرة إلى أوربا، لم تكتف بالمال الذي تقدمه الدول المانحة لها لقاء إستقبال النازحين من سوريا ،بل كانت بوابة عبور لهم إلى أروبا ولكن بطريقة ذكية للغاية ،حيث ان 90% من السوريين الذين تركوا تركيا وهاجروا إلى أوربا عن طريقها فُرض عليهم هوية تدعى (الكملك) فهذه الهوية تحدد عدد اللاجئين في تركيا وعلى أساسها يتم دعم تركيا ماديا ًمن الدول المانحة. فتصوروا أن اللاجئين الذين أصبحوا في أوربا والذين رموا “الكملك” في بحر إيجة قبل وصولهم اليونان، لازالوا حتى اللحظة ضمن القيود التركية، ولا زال الأتراك يقبضون المال باسم لجوئهم وهم أساساً خارج تركيا.
رغم كل ماسبق ذكره ورغم أن هناك الكثير مما لم نستطع ذكره في هذا المقال لكثرة التفاصيل وتشعباتها، يمكننا القول بوضوح أن معظم الدول التي تدعم الثورة اليوم هي الشرٌّ الذي لابدّ منه ، وعلى رأسهم تركيا.
مازن اسماعيل: كيف أصبحت تركيا شراً لا بد منه؟ الاتحاد برس.