أحياء السنة في اللاذقية مابين حصار النظام والفقر


“كل شيء جميل في مدينة اللاذقية من أحياء ومرافق ودوائر عامة تحت خدمة العلويين”، كلمات يتداولها أهالي السنة المضطهدين داخل مدينة اللاذقية، ولطالما بقيت اللاذقية من زمن الأب حافظ الأسد إلى زمن الابن بشار تعيش في تمييز طائفي بين السنة والطائفة العلوية بما أن عائلة الأسد الحاكمة سوريا تنضوي تحتها، فما من مؤسسة حكومية عامة أو شركة خاصة إلا وغلب على كادرها الإداري والعملي أبناء الطائفة العلوية، رغم أن نسبة السنة فيها تزيد عن 80%.

دمّرت الحكومة العسكرية زمان الأسد الأب، واحدا من أجمل الشواطئ المطلّة على المتوسط، وهو كورنيش مدينة اللاذقية، عبر استبداله بمرفأ تجاري يتوسط شاطئها السياحي، مما حوّلها من متنفس سياحي لكل السوريين إلى مرفأ غني بالإسمنت والحاويات المعدنية، واستمر بشار الأسد بمسيرة التدمير عقب أبيه ليهمش الأحياء السنية الفقيرة الشعبية أكثر مما كانت عليه بعد أن كانت مهداً لثورة حرية الشعب التي بدأت مارس 2011.

انقسمت مدينة اللاذقية لفئتين، فئة ثرية مقرّبة من السلطة أو من إحدى دوائرها تبحث عن الاستثمار السريع، وفئة غلب عليها الفقر، حيث أغلقت في وجهها كل سبل الدعم لتتطور، هي ثمانية أحياء منتشرة على طول وعرض هذه المدينة من حي الرمل الفلسطيني وحي السكنتوري جنوباً حتى أحياء الدعاتير شمالاً، والكتلة البشرية الأكبر والعاملة في المدينة تتركز في تلك الأحياء الفقيرة نسبياً، لكن هذا لم يقدم لهم سوى التهميش ورداءة الأوضاع بكافة المجالات المعيشية.

الأحياء السنية المذكورة أعلاه هي مطوقة من الجيش بعد الثورة ويُمنع دخول وخروج أي شخص منهم من دون تفتيش وتدقيق في الهويات الشخصية، مما دفع معظم المتظاهرين سابقاً فيما مضى إلى ترك منازلهم داخلها لتضحي سكنا لأقاربهم أو أجار للنازحين من مناطق مختلفة في سوريا إلى تلك المناطق، التي زادت معاناة السكان فيها لأنها مناطق عشوائيات غير منظمة أي مخالفات من الممكن أن يتم هدمها في أي لحظة كانت ومن غير أي تعويض وإن حصل هو فقط للمنازل الداخلة ضمن المخطط التنظيمي، والنظام يعزي السبب إلى وجود الفجوة التنظيمية المرتبطة بعدم وجود أراضٍ (مقاسم) معدة للبناء (المزودة بالخدمات) ضمن المخططات التنظيمية المصدقة.

متناسياً ذاك النظام السبب الرئيسي لانتشار العشوائيات ألا وهو الفساد الكامن في جوف مسؤولي مؤسساته ودوائره الحكومية المعنية بتلك الأمور كالبلدية التي يتقاضى موظفوها الراتب الشهري من غير عمل واحد مفيد لتلك الأحياء الشعبية، المنتشرة فيها القمامة على طول أطراف شوارعها، فضلاً عن مشهد الأطفال المنطلقين صباح كل يوم مع أبائهم إلى العمل تاركين خلفهم ما يسمى مستقبل أو تحصيل علمي، ناهيك عن ظاهرة التسول للصغار والكبار في طرقاتها بسبب الحاجة والفقر، هذا غير سوء الصرف الصحي، الذي أثر سلباً على شاطئها الرملي عندما تم تصريف مياه الصرف الصحي فيه.

ودرجة استغلال النظام لتلك الأحياء وصل للبقع الترابية أو غير المأهولة كثيراً بالسكان ليحولها لمكبات للنفايات وحرقها، ومع ذلك فقر سكانها جعلهم يلجؤون لتأمين لقمة عيشهم بأي وسيلة كانت مثل جمع الخرضة ( القراضة) من بقايا النفايات وبيعها.

ثمن تلبية سكان تلك الأحياء لنداء درعا بالحرية لا يزال إلى الآن النظام يدفعهم ثمنه غالياً محاولاً كسر عزيمتهم وإعادتهم لقافلة مؤيديه، “أية” من مخيم الرمل الفلسطيني تقول:” لم يكتف النظام بأعماله الشنيعة في زرع الخوف بقلوبنا، بل عمد للضغط علينا بلوازم الحياة الضرورية، فقطع الكهرباء والماء داخل أحيائنا أكثر من كل مناطق اللاذقية وريفها”.
غالباً ما يكون الفقير الذي لا يوجد لديه شيء ليخسره هو أول المنتفضين بوجه سالب حقوقه، ودائماً يصبح المضحي والضحية الأكبر من دون أي فائدة تذكر أو حتى آذان صاغية لصوت الحق والكرامة الذي ردده، خاصة في حكم آل الأسد المتصرف الأكبر بسوريا وخيراتها وكل شيء فيها مسخر تحت أمره.

المركز الصحفي السوري – محار الحسن


المركز الصحفي السوري