المنطقة الآمنة تمنع تمزيق سورية


لا يمكن إغفال حقيقة أن الأمن القومي التركي بات مهدداً اليوم من ثلاثة أطراف، هي حزب العمال الكردستاني وامتداده السوري، والنظام السوري، وتنظيم الدولة الإسلامية. ويدرك الجميع أن لتركيا وضعاً خاصاً، طوال سنوات الثورة السورية، بسبب عدم رغبتها في مهاجمة دول مجاورة، فربما يحدث رد فعل انتقامي، كما لا تريد المخاطرة بأي تحرك خارج الحدود، في وقت تخوض فيه حرباً داخل أراضيها ضد من تسميهم إرهابيي حزب العمال الكردستاني.

يمكن للجيش التركي أن يتحرّك خارج الحدود، في إطار حماية الأمن القومي التركي، كما حصل في أواخر القرن الماضي، عندما شنت القوات التركية عملية عسكرية لملاحقة مسلحي العمال الكردستاني داخل العراق، كما برّر، قبل أسابيع، رئيس الوزراء التركي، داود أوغلو، أحد أسباب وجود القوات التركية في بعشيقة في أطراف الموصل، أنها لحماية الأمن القومي التركي. وهنا، يمكن عدم استبعاد أي تحرك عسكري مرتقب قريب تحدد توقيته طبيعة الأحداث المقبلة وتسارعها.

تعيش تركيا، هذه الأيام، أشد فترة في تاريخها الحديث حرجاً، فالأوضاع الدولية والإقليمية تتطور بشكل كبير وسريع ضد مصالح أنقرة، ولأول مرة في التاريخ، تكون روسيا جارة لتركيا من الشمال والجنوب، كما أن دور الولايات المتحدة في المنطقة بات أقرب إلى اللامبالي مقابل التحرك الروسي المكثف. ولا يمكن إغفال حقيقة أنّ موسكو وطهران تستطيعان التأثير أكثر من غيرهما، لأنهما موجودتان على الأرض السورية، بينما أنصار المعارضة (تركيا والسعودية وقطر) لا يوجد أحد منهم، حتى اليوم.

وقد أعادت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إلى الأضواء موضوع المنطقة الآمنة، بعد أن أعربت قبل أيام، عن تأييدها إقامة منطقة حظر طيران في سورية، حيث يمكن توفير مكان آمن لاحتضان اللاجئين. وقالت: “إن الغارات الروسية حول حلب تتسبب في تعقيد كل شيء أكثر وأكثر”، متفهمة موقف الحكومة التركية، وتابعت أنه “في وسعي أن أتفهم تماما انتقاد السياسيين الأتراك لنا، لعدم قدرتنا على توضيح سبب عدم استقبال لاجئين في أوروبا، بينما نحضهم، في الوقت نفسه، على إبقاء الحدود التركية مفتوحةً أمام مزيد من اللاجئين السوريين”.

لم تكن مطالبة أنقرة بإقامة منطقة آمنة منذ وقت مبكر من عمر الثورة السورية مبادرة تركية

“المنطقة الآمنة تُفرض لحماية مجموعةٍ، لا تستطيع حماية نفسها” ذاتية، فقد طالب بها الثوار السوريون في “جمعة الحظر الجوي”، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، وفي يناير/ كانون الثاني 2012 في “جمعة المنطقة العازلة”. وتحول موضوع المنطقة الآمنة إلى موضوع إقليمي في الشمال من الجانب التركي، وفي الجنوب من الجانب الأردني، بعد تدفق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الفارين من قصف طيران الأسد إلى حدود الدولتين الجارتين.

ووضعت أنقرة موضوع المنطقة الآمنة عام 2014 ضمن شروطها للمشاركة في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وهدفها توفير مكان آمن للاجئين السوريين الهاربين من القصف الهمجي، وبراميل الأسد المتفجرة، حتى عودتهم إلى أراضيهم، الأمر الذي من شأنه أن يخفف من تدفق المزيد من اللاجئين إلى تركيا، ويقلص من ثقلهم عن كاهل دول الجوار التي باتت إمكاناتها عاجزةً عن استيعاب مئات آلاف اللاجئين.

واللافت أن واشنطن، وليس موسكو من عوق إنشاء المنطقة الآمنة، وتحت حجج عديدة، ولفت الناطق باسم الخارجية الأميركية، مارك تونر، آنذاك، إلى تحديات لوجستية تتعلق بإقامة مثل هذه المنطقة على الحدود التركية أو الأردنية، مثل طريقة حمايتها عسكرياً، فضلا عن الكلفة المادية ومستويات المشاركة التي قد توفرها دول التحالف، حال الشروع في إقامتها.

وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل أيام، إن بلاده قد تسهم في إنشاء منطقة آمنة في سورية، في حال إبرام اتفاق دولي على إقامة ملاذ للاجئين الذين يفرون من الحرب، مؤكداً أن إنشاء المنطقة الآمنة “ينبغي أن يحدث بالتعاون مع دول المنطقة، وينبغي أن نتحاور فيما بيننا، ونحتاج للشرعية في إطار المجتمع الدولي”.

 

وبعد التداول الإعلامي الذي خلط بين منطقتين، عازلة وآمنة، أوضح رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، الموقف التركي قائلاً: “مطالبة أنقرة بإقامة منطقة آمنة في سورية هي ليست لحماية تركيا، بل لحماية المدنيين السوريين الفارين من قصف الطائرات، وصواريخ سكود، والبراميل المتفجرة، والأسلحة الكيماوية، داعياً إلى عدم الخلط بين المنطقة الآمنة التي تدعو إليها تركيا، والمنطقة العازلة العسكرية التي لم تطالب بها تركيا أبداً”. وأشار أوغلو إلى أن بلاده عرضت هذا الأمر عام 2011، ولو أنه تم تطبيق هذه المنطقة وقتها لما تحول هذا العدد من السوريين إلى لاجئين”.

 

في السياق نفسه، سبق وأرسلت وزارة الخارجية التركية رسائل إلى النظام السوري، عبر إيران وروسيا، تخبره فيها أن تشكيل المنطقة الآمنة يمنع تقسيم سورية. والمنطقة الآمنة تُفرض لحماية مجموعةٍ، لا تستطيع حماية نفسها، ويتم فرضها بمقتضى قرار من مجلس الأمن، كما يتم تكليف دولة أو اثنتين بتنفيذ هذا القرار بالقوة، ويمنع تحليق أي طائرات عسكرية حول هذا المكان، لعدم تعرّض السكان في هذا المكان للخطر.

 

كما سبق ونقلت صحيفة “ميلليت” التركية آراء مصادر سياسية تتحدث عن ضرورة تدخل

“حتى لا يكرّر الشعب السوري ما حصل مع شقيقه الفلسطيني، يجب ألا تصبح العودة حلماً” الجيش التركي، مشيرة إلى أن للجيش التركي القدرة على السيطرة على شريط حدودي بعمق 40 كيلومتراً باستخدام المدفعية الثقيلة، وقدراته الجوية، من دون الدخول في سورية، مما يساعد الجيش السوري الحر في إعلان الشريط الآمن، كما أن صلاحية الحكومة التركية تسمح بتوغل الجيش التركي، أو القيام بعمليات تعقب في هذه المنطقة عند الحاجة.

وتحاول تركيا التي تستضيف 2.6 مليون لاجئ سوري، إبقاء أحدث موجة للاجئين على الجانب السوري من الحدود، لأسباب عديدة، منها الضغط على روسيا، لوقف دعمها قوات الأسد قرب مدينة حلب، وهو ما ينذر بتدفق مئات آلاف اللاجئين إلى حدودها.

 

وعدم إدخال تركيا السوريين الفارين من قصف الروس ونظام الأسد، يظهرها، للوهلة الأولى، متعارضة بشكل فج مع مصلحة الهاربين إلى الحدود، ويعيشون أوضاعاً غاية في البؤس. ولكن، على المدى البعيد في مصلحة سورية دولة واحدة، وفي مصلحة مكونها الأساسي.

 

واستمرار دخول اللاجئين إلى تركيا بطاقة خضراء لإفراغ المناطق المعارضة من سكانها، وتهجير مزيد من السوريين المعارضين، وإعطاء الأسد الفرصة لمتابعة التغيير الديمغرافي الذي يسهم القصف الروسي بتنفيذه، ليس فقط في تهجير المكون الاساسي في سورية، وإنما كذلك عندما لجأت روسيا إلى دعم حزب صالح مسلم، الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابياً في تركيا وحلف الناتو، وذلك لإضعاف الدور التركي في سورية، وجعل الحزب يسيطر على الشريط الحدودي مع تركيا، استكمالاً لمشروعها ومشروعه، ولإثارة الاضطرابات داخل تركيا نوعاً من أنواع الانتقام، بسبب إسقاط تركيا طائرتها أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

ويبقى القول، حتى لا يكرّر الشعب السوري ما حصل مع شقيقه الفلسطيني، يجب ألا تصبح العودة حلماً، وعلى دول العالم أن تجبر القاتل على التوقف عن قتل السوريين، بذلك فقط تنتهي المعاناة، بدل المطالبة بفتح دول الجوار السوري حدودها.

باسل الحاج جاسم

العربي الجديد

 


المركز الصحفي السوري