د.وحيد عبد المجيد يكتب: هل لدى موسكو مشروع في سوريا؟



د.وحيد عبد المجيد

لا يستطيع أحد التكهن بالهدف الأخير للتدخل‏‭ ‬العسكري ‬الروسي ‬في ‬سوريا. ‬كان ‬الهدف ‬الأول ‬واضحاً، ‬وهو ‬إنقاذ ‬نظام ‬الأسد ‬بعد ‬أن ‬فشل ‬حلفاؤه ‬الإيرانيون ‬وأتباعهم ‬في ‬هذه ‬المهمة. ‬فكان ‬التدخل ‬الروسي، ‬في ‬أحد ‬أبعاده، ‬بمثابة «‬إشهار ‬إفلاس» ‬الدور ‬الإيراني، على ‬الرغم من ‬كل ‬الضجيج ‬الذي ‬تثيره ‬طهران ‬حول ‬قدراتها «‬الخارقة»‬.

غير أنه ليس واضحاً بعد ما إذا كان لدى موسكو مشروع لسوريا يتجاوز إعادتها إلى «قفص» السلطة التي شاركت في تدمير بلدها. فالخطاب الرسمي الروسي يفتقر إلى مضمون يمكن تحليله. ولا يجد فيه أي باحث جاد ما يعينه في استنتاج ما يهدف إليه الكرملين في نهاية المطاف.

وربما لا يكون الرئيس فلاديمير بوتين قد حدد ما يريده في النهاية نتيجة الانغماس في الهدف المباشر المتعلق بإنقاذ حليفه. ولكن التدخل العسكري الروسي يخلق وقائع على الأرض، ويُحدث تغييراً في الجغرافيا والديموغرافيا السورية على نحو يتيح توقع ما يمكن أن يؤول إليه الوضع من خلال تحليل اتجاهات هذا التدخل، ومواقع القصف الجوي الذي يتركز في مواقع وجود المعارضة مقابل غارات رمزية على بعض مناطق «داعش»، وتحركات قوات نظام الأسد والمليشيات التابعة لإيران، في ظل الغطاء الذي يوفره لها هذا القصف.

وأهم معالم التغير الذي حدث في الأشهر الثلاثة الأخيرة، وما زال، هو تقهقر قوى المعارضة المعتدلة تحت وطأة القصف الجوي، وتقدم قوات النظام وحلفائها في إدلب وحلب ودرعا بصفة خاصة.

وإذا استمر هذا النمط من المعارك لشهرين آخرين أو ثلاثة، ستصبح المعارضة المعتدلة في أضعف وضع منذ إغراق الانتفاضة السلمية في محيط من العنف. وقد يؤدي ذلك إلى تهميش وجودها على الأرض، وبالتالي إخراجها فعلياً من معادلات الصراع حتى إذا بقيت في مناطق محدودة، معظمها في إدلب، وأكثرها في صورة «جيوب» تخوض معارك كر وفر غير مؤثرة جوهرياً في مجرى هذا الصراع. وقد يصعب في هذه الحالة تجنب هجرة أعداد متزايدة منها شرقاً إلى أحضان «داعش».

ويعني ذلك أن قوات نظام الأسد والمليشيات الإيرانية والطائرات الروسية تكمل الآن ما بدأه تنظيم «داعش» الذي توسع منذ منتصف عام 2013 على حساب قوى المعارضة المعتدلة. فقد احتل محافظة الرقة التي كانت تحت سيطرة فصائل من الجيش السوري الحر وقوى معارضة أخرى. كما انتزع من هذه الفصائل المناطق التي كانت في حوزتها في محافظة دير الزور، فيما بقيت المنطقة التي تسيطر عليها قوات النظام كما كانت.

ولا يعني ذلك وجود تواطؤ مباشر بين نظام الأسد وتنظيم «داعش» ولكن مصلحة كل منهما فرضت إعطاء الأولوية لضرب قوى المعارضة السورية، وليس للقتال بينهما.

وإذا تحقق سيناريو إخراج هذه المعارضة من معادلات الصراع، سيؤدي إلى تمكين نظام الأسد من حوالي 60 في المئة من مساحة سوريا تحت سيطرة روسية، وبمساعدة إيرانية إذا حافظت طهران على تكيفها الراهن مع الوضع الناتج عن تدخل موسكو.

ولكن المهم هنا هو أن تنظيم «داعش» سيظل قادراً على الإمساك بأكثر من نصف المساحة التي يسيطر عليها الآن في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية.

والأرجح أن تستمر الولايات المتحدة في دعم سيطرة مليشيا الحزب الديمقراطي الكردي على المناطق التي أقامت فيها إدارة ذاتية بالتعاون مع بعض التنظيمات القزمية في إطار ما يُسمى مجلس سوريا الديمقراطية. وليس متوقعاً حدوث نزاع أميركي روسي في هذا المجال، بدليل تقارب موقفي الطرفين ضد محاولة تركيا وقف تقدم القوات الكردية في منطقة إعزاز الحدودية.

وهكذا يبدو أن الوضع يتجه نحو تقسيم معظم الأراضي السورية إلى ثلاث مناطق أكبرها تحت سيطرة النظام وإيران وروسيا، والأخريان لـ«داعش» والأكراد، وجيوب صغيرة تحتفظ بها فصائل معارضة، وأخرى تبقى تحت سيطرة «جبهة النصرة» التابعة لـ«القاعدة».

وإذا صح ذلك، سنكون إزاء حالة تقسيم فعلي لسوريا، ولكنها مختلفة عما كان متوقعاً قبل التدخل الروسي. وعندئذ قد لا يكون في إمكان موسكو تغيير هذه الحالة إذا كان لديها مشروع آخر مختلف لسوريا. غير أن هذه الحالة قد لا تكون مزعجة لروسيا، حتى إذا لم تكن مفضلة لديها، طالما أنها غيرت معادلات الصراع، ووضعت المجتمع الدولي أمام أمر واقع هو أن نظام الأسد الخاضع لهيمنتها صار خياراً وحيداً في مواجهة «داعش».

المصدر: الإتحاد

أخبار سوريا ميكرو سيريا