خطاب السيسي: 4 رسائل تعكس معارك دوائر النظام


احتلت عبارات الخطاب الذي ألقاه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، يوم الأربعاء، صدارة عناوين الصحف والمواقع المصرية، تحديداً كتوصيته للمصريين بـ”أن يسمعوا كلامه هو بس.. بس”، وتهديده بأن “يشيل من على وجه الأرض كل من يقترب من مصر”، فضلاً عن حديثه عن استعداده لبيع نفسه، مثيراً سخرية كثر.

غير أن خطاب السيسي الذي امتد لأكثر من ساعة ونصف الساعة، تضمن عدداً من الرسائل الأخرى المبطنة لأجهزة الدولة المصرية، التي عكس الخطاب حالة الصراع الدائر بين دوائر عديدة فيها، تحديداً في ما يتعلق بالنزاع على وضع الحكومة وتعديلها أو تغييرها بالكامل، وكذلك استمرار أو تغيير الأفكار الرئيسية في قانون الخدمة المدنية، الذي سقط بسبب رفض البرلمان استمرار تطبيقه، وتنوي الحكومة تقديمه محدثاً لمجلس النواب مرة أخرى.

الرسالة الأولى وجّهها السيسي لهذه الدوائر المتصارعة، ومن بينها الدائرة المعبّرة عن جهاز أمن الدولة (الأمن الوطني)، التي تعاني التهميش والإبعاد حالياً، ودائرة أجهزة الشرطة والأمن العام، التي تراجع اعتماد السيسي عليها في الآونة الأخيرة، والدوائر التابعة لبعض الشخصيات النافذة، التي غادرت مناصبها بالأجهزة الأمنية أو السيادية، لكنهم ما زالوا يمتلكون بعض الأذرع الإعلامية التي تثير من وقت لآخر الشكوك حول كفاءة السيسي ودائرته الاستخباراتية – الرقابية، التي باتت تمثل حكومة ظل متحكمة بالكامل في السلطة التنفيذية القائمة.

وجّه السيسي في هذه الرسالة عدداً من العبارات التي تشي بالغضب والحنق، وكذلك الخوف من سقوط نظامه من الداخل، والتأكيد على أنه فقط من يمتلك زمام الأمور، مع تكرار التأكيد على أن جميع أجهزة الدولة مليئة بالفساد بقوله “كل ما أحط إيدي في مكان ألاقي مشاكل كتير”.

وفقاً لمصادر بجهاز سيادي أمني، فإن “السيسي يعلم أيضاً أن بعض المسؤولين الذين غادروا مناصبهم، وكانت لهم طموحات سياسية اصطدمت بالسيسي شخصياً، لديهم اتصالات بدول عربية وغربية، ويمكنهم إلحاق الأذى بنظامه. وهو ما حاول السيسي إظهار تصديه له، في صورة التعهّد بالاستمرار في إدارة النظام الحالي، بقوله: سأستمر في خدمة البلد حتى نهاية عمري أو نهاية مدتي”.

أما الرسالة الثانية فقد وجهها السيسي إلى الإعلام، مبدياً أسفه لإلغاء وزارة الإعلام وفقاً لما ينصّ عليه الدستور الحالي، وهو ما سبب بحسب اعتقاده انفلات الإعلام وعدم وجود قوة تحكّم مركزية في وسائله المختلفة، وغياب التواصل الدائم بين الدولة والإعلام.

تعتبر هذه الرسالة ذات تأثير مزدوج، فهي من ناحية تحاول التأثير على الإعلام المرئي والمكتوب، الذي لا تبدو علاقته بالسيسي حالياً على أفضل وجه، تحديداً بعدما شعر العديد من الإعلاميين بتحوّلات الشارع السلبية تجاه السيسي، وعدم جدوى دفاعهم عن سقطات نظامه المتكررة. ومن ناحية أخرى تُعدّ الرسالة موجّهة للبرلمان بضرورة مناقشة والانتهاء من قانون تنظيم الإعلام والذي سينشئ هيئة وطنية ومجلساً وطنياً، يُشكّله رئيس الجمهورية بالمشاركة مع البرلمان، للسيطرة على وسائل الإعلام ورسم سياستها العامة.

وعلى الرغم من أن الإعلاميين المصريين لم يبدوا اعتراضاً على هذه الرسالة بالذات، إلاّ أن اليومين الماضيين شهدا تصعيداً من قبل إعلاميين موالين للنظام ضد العديد من الرؤى والعبارات التي تضمنها خطاب السيسي، وعلى رأسهم كاتب خطاباته السابق إبراهيم عيسى، عبر صحيفته “المقال” وبرنامجه التلفزيوني، والمذيعة لميس الحديدي التي انتقدت مطالبة السيسي المستمرة للمواطنين بالتبرع للاقتصاد القومي، والإعلامي جابر القرموطي الذي قارب بين حديث السيسي وعبارات فرعون موسى بالقرآن الكريم، والإعلامي يوسف الحسيني الذي تحدث في برنامجه قائلاً للسيسي “نحن نعرف الحكومة وأداءها أكثر منك”، والكاتب الصحافي عبدالله السناوي الذي وصف الخطاب بأنه “مضرّ لمصر إقليمياً”.

وعلى النقيض، فقد رحّبت صحيفة “اليوم السابع” بما تضمّنه خطاب السيسي من توجيهات، وترجمت عبارته “ما تصبح على مصر كل يوم الصبح بجنيه” بإعلان دائم على موقعها لصندوق “تحيا مصر”، داعية المواطنين لإرسال رسائل نصية بمقابل مادي دعماً للصندوق.

يُظهر المشهد الإعلامي الحالي أن دائرة السيسي تجري عملية إحلال وتبديل واسعة في الوسائل الإعلامية المعبّرة عنها، بالدفع بعدد من الإعلاميين الشباب المقرّبين من الرئاسة على حساب إعلاميين أكبر سناً، باتوا محسوبين على دوائر أخرى ارتبطوا بها وتبادلوا المنافع معها منذ ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وهو ما يدل على رغبة السيسي في أن يكون لنظامه إعلامه وجهازه الدعائي الخاص.

أما الرسالة الثالثة فكانت أشبه بمفاجأة، فهي المرة الأولى التي يتحدث فيها السيسي صراحة عن تنظيم إرهابي تكفيري مثل “ولاية سيناء”، المحسوب على تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، فقال: “نحن الآن نتكلم على مجابهة الإرهاب والمتواجد في مصر، خلوني أقول لكم باختصار، أنا كنت موجود وعارف جيداً وأنا مدير بالمخابرات ما يوجد في سيناء جيداً، وأعدادهم وأسلحتهم والشكل الذي كان موجود ما هو، والمجابهة بدأت بعد 30 يونيو/ حزيران 2013، لأن قبل ذلك كان لا يوجد مجابهة. بالمناسبة هم الذين بدأوا مش احنا، أنا أقول لكم كلام حقيقي هم الذين بدأوا، كان ممكن كلنا نعيش مع بعض وكل واحد بفكره، لكن لم يحدث”.

تحمل هذه الرسالة العديد من المفارقات؛ أولها إقرار السيسي بأنه كان على علم بوجود هذه المجموعات التكفيرية الخطيرة، كما يعتبرها النظام المصري حالياً، في سيناء منذ فترة إدارته للاستخبارات الحربية، قبل تعيينه وزيراً للدفاع في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، أي خلال فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وإدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لشؤون البلاد. كما تكشف هذه العبارة أيضاً بعدم سعي السيسي من موقعه العسكري للقضاء على هذه المجموعات، بل تركها حتى أصبحت تابعة لأخطر تنظيم إرهابي عسكري حالياً وهو “داعش”، ما يعكس تقصيراً في الأداء والواجب العسكري.

والمفارقة الثانية هي إشارة السيسي إلى أنه “كان من الممكن أن يعيش أفراد هذه المجموعات مع باقي طوائف المجتمع في سلام”، وهو ما يتنافى مع الخطاب الرسمي الإعلامي الذي يقوم على شرعنة عزل مرسي والإطاحة بحكم جماعة “الإخوان” واعتبار أن الجماعة كانت ستسمح باندماج هذه الجماعات التكفيرية في المجتمع، وكانت ستقبل بوجودها في سيناء، بل إن الخطاب الرسمي الإعلامي يذهب لأبعد من ذلك، ويتحدث عن أن “الإخوان” كانوا سيمنحون سيناء لهذه الجماعات التكفيرية وللفصائل الفلسطينية أيضاً، كـ”حماس” و”الجهاد الإسلامي”.

والمفارقة الثالثة هي أن السيسي تحدث وللمرة الأولى عن إمكانية التعايش بسلام مع تنظيم تكفيري، وليس مجرد جماعة تعتنق فكراً إسلامياً، أو مع تيار الإسلام السياسي بصفة عامة. ما يطرح تساؤلات عن مستقبل الصراع في سيناء، وعمّا إذا كان السيسي يرى أن هناك حلولاً أخرى للوضع في شمال شبه الجزيرة غير المواجهة العسكرية، وهل لهذا الأمر علاقة بموقف القوات المصرية في المعركة ومدى قوة الطرف الآخر.

أما الرسالة الرابعة فكانت للشباب الذين تم قبولهم أخيراً في برنامج السيسي لإعداد الشباب للقيادة، ووجّههم لتشغيلهم وتمكينهم من وظائف قيادية في البرلمان، وليس فقط في الحكومة كما كان يحصل سابقاً.

تتمثل خطورة هذه الخطوة في أن هؤلاء الشباب الذين أعدّت دائرة السيسي نظاماً دراسياً وتعليمياً لهم، بدعوى تأهيلهم للمناصب القيادية، سيكونون الأذرع التنفيذية لحكومة الظل الخاصة بالرئيس المصري داخل جميع مؤسسات الدولة والأجهزة التنفيذية. والجديد أن السيسي سيُمهّد الطريق أمامهم لاحتلال مواقع بارزة داخل مجلس النواب كموظفين في المجلس، أو معاونين للنواب الذين من المفترض أن معظمهم مستقلون.

يعكس هذا الحديث تكراراً لسياسة توظيف أبناء قيادات الحزب الوطني المنحل في البرلمان كباحثين أو مساعدين للنواب، في فترة صعود نجم جمال مبارك ومجموعة رجال الأعمال داخل الحزب الوطني، إذ أدركت هذه المجموعة أهمية تكوين كوادر برلمانية تكون مؤهلة في ما بعد للترشح والانتخاب كنواب، ومساعدة الحكومة والحزب من داخل البرلمان، واستغلال الخبرة التي حصلوا عليها خلال فترة تواصلهم مع أجهزة الدولة المختلفة.

كما يؤكد كلام السيسي تحكّم دائرته الاستخباراتية ــ الرقابية في أكثرية نواب البرلمان المنتمين إلى ائتلاف “دعم مصر” إلى حد اختيار مساعديهم الشخصيين من بين خريجي برنامج إعداد القادة، وعدم الاقتصار على توظيف هؤلاء كباحثين في البرلمان أو مساعدين للوزراء والمحافظين.

وفي وقتٍ يولي فيه السيسي أهمية بالحديث المبطن والضمني عن هذه الرسائل، أهمل تماماً الحديث عن موضوع الحفل الذي كان يلقي فيه خطابه وهو “إطلاق استراتيجية التنمية المستدامة حتى عام 2030″، وبدلاً من أن يتحدث عن خطط تطوير سياسات الدولة الاقتصادية أو مشروعاتها، قال إن “مصر تعيش حالياً أضعف حالاتها، وأنها تتعرض لمؤامرات داخلية وخارجية تهدد بناءها وبقاءها”، ثم أخذ في توجيه اللوم للإعلام على “إحباط المواطنين”.

المصدر: العربي الجديد – القاهرة ــ العربي الجديد