الخطى الأمريكية لفض حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي


عبد الوهاب عاصيالاتحاد برس | عبد الوهاب عاصي

“إن أحد أكبر التحديات في الشرق الأوسط هو سياسة النظام الإيراني في زعزعة الوضع بأكثر مناطق العالم هشاشة”. تعود هذه العبارة إلى وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس صاحبة نظرية الفوضى الخلاقة، فيما يبدو أن التوجه الأمريكي آنذاك كان لتعزيز هشاشة المنطقة عبر كف النظر عن سياسات التيار الأصولي – المتشدد الذي يحكم إيران – التي اتبعها في منطقة الشرق الأوسط، إذ أصبحت العراق ساحة إيرانية وامتد نفوذها السياسي والديني نحو سوريا ولبنان بشكل واسع عبر النظام السوري وحزب الله.

وبات واضحاً الوقوف الإيراني بجانب النظام السوري في قمع حركة الاحتجاجات الشعبية التي طالبت بتغييره جذرياً، منذ البداية عبر تقديم الدعم الاقتصادي الواسع له بالجسور الجوية، أما موقف واشنطن من ذلك، كان يقتصر على التنديد دون اتخاذ أيّ إجراءات فعلية تحد من هذا التدخل، الذي تحول لاحقاً إلى إمداد عسكري واسع بالميليشيات الأجنبية الشيعية في مقدمتها حزب الله اللبناني.

وعدم اتخاذ الإدارة الأمريكية التي يقودها “باراك أوباما” قرارات حاسمة تنهي التدخل الإيراني العسكري في سوريا والعراق، يُعبّر عن رغبتها في الإبقاء على الأنظمة الحاكمة التي كرسها وجود التيار الأصولي الإيراني بالمنطقة، لكن عدم القدرة على تحقيق ذلك، على الأغلب دفع واشنطن إلى البحث عن مخرج جديد لاستراتيجيتها في الشرق الأوسط، ويبدو أن هذا بدأ ملياً من خلال الجدية في إنهاء مشكلة الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة الدولية.

والمعلوم، أن التيار الإصلاحي في إيران، والذي يقوده الرئيس الحالي للبلاد “حسن روحاني”، هو من تسلم عملية التفاوض مع الغرب، ما أدى إلى توقيع اتفاقية وصفت بالتاريخية. والأرجح أن واشنطن دفعت بإنجاح صفقة الاتفاق التي تقودها حكومة إيران الإصلاحية من أجل تكريس تغير في إيران يسمح لاحقاً إلى الانتقال من سياسة رايس المتمثلة بـ “زعزعة الوضع بأكثر مناطق العالم هشاشة”، إلى سياسة تفاهمات الحد الأدنى، التي تحتاج إلى استقرار جزئي مبدئياً. كما ظهر دعم واشنطن لدعم التيار الإصلاحي حتى يكون بديلاً عن المتشددين من خلال الدعوة التي أطلقتها منتصف عام 2015؛ لرفع الإقامة الجبرية عن زعماء الحركة الاحتجاجية – المنتمين للتيار الإصلاحي – الذين لم يتم السماح لهم بمغادرة منازلهم منذ انتخابات 2009 دون توجيه تهم لهم.

ولإنجاح هذا التوجه يبدو أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى فصل أذرعة حكم إيران الأصولي عن المركز، إذ اشترط الاتفاق النووي على تقليص دعم طهران لحزب الله، وتم ذلك فعلاً؛ حيث قلصت الحكومة الإصلاحية دعمها السنوي المقدم لحزب الله والمقدر بـ 200 مليون دولار سنوياً إلى أكثر من النصف، ما أدى إلى تراجع أنشطته السياسية والعسكرية والاجتماعية. ومن ثم جاء القرار الخاص بـ “حظر التمويل الدولي عن حزب الله”، والذي أقر عليه الكونغرس بتاريخ 6 كانون الثاني 2015، ليكون سبيلاً لمنع إيران من الاستمرار في تقديم الدعم للحزب.

من ثم القرار السعودي برفع الدعم عن لبنان، ليعزز من ذلك التوجه الأمريكي؛ حيث تضمنت الإجراءات سحب المنح المقدمة من الرياض للمؤسسة الأمنية التي يسيطر عليها حزب الله، وكذلك الإجراءات المالية التي شملت لبنان عامة، فهي تهدف إلى جعل حزب الله في لبنان ضمن عزلة، بعد الخطوات المتخذة التي تمهد لقطع صلته بطهران كليّاً، بالتالي حل حزب الله عسكرياً في وقت لاحق، عبر إدماج قوته في الجيش اللبناني، وهي مطالبة سابقة كانت قد دعت إليها مراراً الرياض بعد حرب تموز 2006. ولا يغيب عن البال، أن مشاركة مقاتلي حزب الله في سوريا والحرس الثوري الإيراني والميليشيات الأجنبية الأخرى التي تم أرسلها النظام الإيراني بشقه الأصولي، للقتال بجانب النظام السوري، أدت إلى استنزاف قواها بشكل واسع جداً، بالتوازي مع التكاليف العسكرية الهائلة التي منحت لهم، علاوةً على أن جميع هذه القرارات أتت بالتزامن مع اتفاق المجموعة الدولية لدعم سوريا على الانتقال السياسي المضطرب، والذي تريد واشنطن إنجاحه على ما يبدو؛ كي تستطيع استكمال الاستراتيجية التي بدأت بها منذ تحقيق الاتفاق النووي مع طهران.

وتتعلق الاستراتيجية الأمريكية المعمول عليها راهناً، أيضاً بتحقيق استقرار مبدأي في العراق، فالتحول بدى منذ إقالة رئيس الوزراء الأسبق “نوري المالكي” وتعيين حكومة مكانه يقودها “حيدر العبادي”، وهي مرتبطة بسياسة الإصلاحيين في إيران، فالتوجه نحو فض ميليشيا الحشد الشعبي بات واضحاً، وذلك بضمهم إلى وزارة الدفاع العراقية، هي عملية مدعومة من الزعماء الدينيين والسياسيين الشيعة، والخطوة الداخلية التي اتخذت في هذا الصدد، هو تشكيل “فرقة العباس القتالية”؛ لدمج “وحدات الحشد الشعبي” ضمن جهود وزارة الدفاع. وتعمل وحدات هذه “الفرقة” بصورة كاملة تحت سلطة وزارة الدفاع، وتتلقى أسلحتها الثقيلة وأوامرها من الحكومة، كما أنها ملتزمة بحل نفسها بناء على طلب الأخيرة.

أما عن الخطوة الخارجية المتخذة للضغط على الحشد فقد مثلها تأكيد وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان خلال مؤتمر صحفي على هامش المنتدى العربي الروسي في موسكو، أنه “لا يمكن ان يكون هناك أي تلكؤ من أي طرف حول الإرهاب، وللقضاء على الإرهاب لا بد أن نبحث كل ما يؤدي الى الارهاب ونقضي عليه، لا يمكن ان نفرق بين داعش والنصرة من جهة والجماعات المدعومة من قبل إيران سواء كانوا من كتائب أبو فضل العباس أو جماعة بدر أو الحشد الشعبي فهم يفعلون ما يفعلون في العراق وسوريا.

بالمحصلة، يبدو أن التوجه الحالي هو للإسراع في تصويب وضع حزب الله في المنطقة وفصله عن الأصوليين في إيران على الإطلاق، وإعادة النظر في وضعه داخل لبنان، بينما يبقى أمر فض الحشد الشعبي في العراق مرتبطاً بعامل الزمن والخطوات الملموسة التي يمكن أن تتخذ لذلك. وكل هذا مرتبط بالاستراتيجية الأمريكية المتبعة في الشرق الأوسط، المحددة بالتفاهمات الجديدة مع طهران ودول مجلس التعاون الخليجي.

الخطى الأمريكية لفض حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي الاتحاد برس.