سوريا من التعويم إلى التقسيم


منذ زهاء قرن من الزمن طالعنا اتفاق سايكس بيكو عام  ن1916بخرائط تقسيمية للمنطقة العربية وبلاد الشام على وجه الخصوص، فكانت منطقتنا العربية مشروع تنفيذ لما يقرره الآخرون، ضاربين بعرض الحائط إرادة الشعوب العربية وتطلعاتها إلى الوحدة التي طالما نادت وناضلت من أجلها وتغنت بها، ولم يكشف عن اتفاق سايكس بيكو إلا عندما وصل الشيوعيون إلى السلطة في روسيا، وأعلن أنه كان تنفيذا لاتصالات بين وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا.

ومنذ قيام ثورات الربيع العربي يطالعنا كل فترة من الزمن تصريح أو تسريب إخباري حول مشاريع تقسيم للمنطقة العربية، وعلى وجه الخصوص سوريا، وكأن المقسم منذ مائة عام أصبح من الماضي وغير لائق للقرن الحالي، الذي يشهد عصر التكتلات العالمية الكبرى على غرار الاتحاد الأوربي وتوسعه بشكل دائم، ومع انطلاق الثورة السورية قبل خمس سنوات من الآن رأينا الكثير من اللاعبين الإقليمين والدوليين وحتى المحلين منهم، يحاولون تعويم المسألة وتدويلها، وقد تجلى ذلك بطرحها مرات عدة أمام مجلس الأمن الدولي والتلويح بوضعها تحت الفصل السابع من الميثاق، ولم يخف البعض تطلعاتهم إلى تجزئة سوريا وتقسميها، فراح يذكر بمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، ثم الكشف عن خرائط سياسية تم وضعها من قبل معهد الدراسات الجيو سياسية في الغرب،  وإمكانية إنشاء كنتونات طائفية أو عرقية كدولة شيعية وأخرى سنية وكردية وغيرها.

وبالفعل بدأ الكثير من اللاعبين على الأرض بتنفيذ هذه المشاريع وبدعم واضح من الخارج، وأهم مثال يرى على الأرض هو سعي الأكراد وحليفتها قوات سوريا الديمقراطية لإقامة مثل هذا الاقليم، واحتلال وتهجير عدد من القرى والبلدات العربية في منطقة الجزيرة وتل أبيض وغيرها، ثم الإعلان عن إنشاء إدارة محلية في منطقة عين العرب (كوباني) وتل أبيض والسعي الواضح لهم من أجل  وصل أجزاء هذا الاقليم بين منطقتي عفرين وعين العرب، مع وجود مقاومة تركية واضخة لهذا المشروع بسبب الخطر الواضح الذي يمثله الأكراد لتركيا، حيث وصلت إلى حد الطلب التركي من أمريكا بأن تحدد موقفها هل هي مع الأكراد أم الأتراك…؟

ومع دخول وقف اطلاق النار حيز التنفيذ سمعنا التصريح الأكثر جرأة بهذا الصدد تمثل بتصريح معاون وزير خارجية روسيا” لا مانع لدى روسيا من إقامة دولة اتحادية( فدرالية) في سوريا”.

ثم تلاه زيارة عضو هيئة التنسيق ” هيثم مناع” إلى القامشلي يوم الجمعة 4 آذار مارس الجاري، وتصريحه فور وصوله بأن سوريا يجب أن تتمتع باللامركزية السياسية، وهو مايقصد به الدولة الفدرالية التي يبتغيها حلفاؤه الأكراد كمشروع سياسي بهم في سوريا، ومع وجود قوى سياسية مختلفة في العقيدة والأهداف في مناطق مختلفة من سوريا كوجود النظام في مناطق سيطرته والجيش الحر في مناطق أخرى وتنظيم الدولة في المنطقة الشرقية والأكراد في الجزيرة والأجزاء الشمالية لحلب، كل ذلك يجعل من السؤال الملح هل ستبقى سوريا موحدة؟!.
وهل هذا السؤال يصبح أمرا مشروعا يمكن تحقيقه فقط من خلال الإرادة الشعبية الخالصة في مقاومة التقسيم، أو الاستسلام له وجعله حقيقة ملحة في القرن الحالي، فيكون بذلك تعويم المسألة مشروعا كمقدمة لتقسيم البلد بأيد داخلية ورغبة خارجية في الشرق والغرب، وكأن الاتصالات الروسية مع التمريكيين أو الأوربيين، وآخرها الاتصال الروسي مع برطانيا وألمانيا والتصربح عن التفاهمات حول الملف السوري والحديث عن خرائط طريق  لحل الأزمة ماهي إلا لعب في نار الوحدة السوربة، والتي طال شرارها ليصل إلى جميع أرجاء المعمورة، وإن استمر اللهيب سيحرق أصابع العابثين بها وبوحدة الشعب السوري.
المركز الصحفي السوري ـ أحمد الإدلبي


المركز الصحفي السوري