العائدون من أفغانستان والبلقان وسوريا: الخروج من تهديد والسقوط في آخر


محسن عوض الله

باحثون يرون أن داعش يعتبر ضمن الجيل الثالث من الجهاديين الذين يرفضون الاعتراف بالحدود، ويعتبرون أن الحالة الجهادية لا بد أن تكون خلافة بلا حدود.

شهدت بعض الدول العربية موجة إرهاب عنيفة، عقب توقف الحرب في أفغانستان، حيث أعادت أعداد كبيرة من الجهاديين إلى بلدانهم، وتسببوا في أعمال عنف كثيرة، وكانت مصر في مقدمة الدول التي تعرضت لعلميات إرهابية متنوعة أواسط تسعينات القرن الماضي.

وجاءت الموجة الثانية بعد انتهاء الحرب في البلقان، إذ استقبلت البوسنة أعدادا كبيرة من الشباب الذين ذهبوا للحرب، تحت راية الدفاع عن مسلمي البوسنة، وعندما انتهت الحرب تكرر ما حدث بعد حرب أفغانستان، فهل يعاد السيناريو مرة أخرى بعد أن تتوقف الحرب في سوريا؟

في هذا السياق، توقعت دراسة أعدهـا ماهر فرغلي البـاحث في شؤون الحركـات الجهادية والمتطرفـة أن يشهد العـالم موجة جديـدة من العــنف عقــب حل الأزمة السورية.

وحذر من أن مستقبل المنطقة مع العائدين من سوريا والعراق، في منتهى الخطورة في ظل وجود أكثر من 12 ألف جهادي متشبعين بالأفكار التكفيرية، خاصة أن معظم هؤلاء ليس لديهم سجلات أمنية ولا تعلم أجهزة الأمن العربية عن غالبيتهم شيئا.

وأكد فرغلي لـ”العرب” أن الإرهاب لم يبدأ بعد والخطر الحقيقي سيظهر مع عودة الجهاديين من سوريا، متوقعا أن تولد تنظيمات جديدة، بالدول العربية أو الغربية.

وتوقع الباحث ظهور جماعات جهادية جديدة، وتحديدا في بعض دول آسيا وأوروبا، لافتا إلى أن هناك تنظيمات جديدة ظهرت بالفعل مثل “حركة شام الإسلام”، و”كتيبة صقور العز” و”الكتيبة الخضراء” و”كتيبة الإمام البخاري” وغيرها من التنظيمات.

وتطرقت الدراسة إلى تنظيم القاعدة باعتباره أصل الجماعات الجهادية، ونوهت إلى أن التنظيم مر بعدة مراحل فارقة. وأكد فرغلي أن القاعدة فكرت بعدها في الملاذات المؤقتة، فكان منها السودان وكينيا، ثم خططت لخلق مفتاح صراع وإمارة في اليمن، وهي المقر المركزي لإعلام تنظيم القاعدة مع العمل في خطة استراتيجية هدفها إشعال جذوة الجهاد، واستخدام ذلك في التجنيد.

وأوضح ماهر فرغلي أن داعش يعتبر ضمن الجيل الثالث من الجهاديين الذين يرفضون الاعتراف بالحدود، ويرى التنظيم أن الحالة الجهادية لا بد أن تكون خلافة بلا حدود، مشيرا إلى أن الفكر الداعشي يحمل عوامل فنائه فلا يوجد تنظيم قادر على إعلان الحرب على الجميع وليس من العقل أن يواجه داعش جبهة النصرة بسوريا ويحارب القاعدة بالعراق ويشن هجمات ضد الأنظمة العربية بمصر والسعودية وفي نفس الوقت يواجه التحالف الدولي. وتوقع أن تتوقف خلافة داعش عن التمدد خلال الفترة القادمة قبل أن تندثر بعد خمس سنوات من الآن.

وتحدث الباحث عن التطور الذي شهدته الحالة الجهادية بداية من الاحتلال الأميركي للعراق، مرورا بانتفاضات الربيع العربي التي وصفها أيمن الظواهري بالفرصة غير المسبوقة، التي توقع أن تفتح الحدود، وتضعف أجهزة الأمنية، وتقضي على بعض الحكومات المركزية.

الحالة الجهادية المسلحة تطورت بعد أحداث سوريا ونشأ الجيل الثالث من الجهاديين الذي يقفز على الاستراتيجيات القديمة، كما الحالة الجهادية تطورت من حيث عدد المقاتلين الذين لم يفرقوا بين الحدود الجغرافية والعقدية، وانقسموا وبدأ الصراع بينهم حول قتال العدو القريب والبعيد.

أحد مظاهر تطور الحالة الإسلامية بصفة عامة كان الظهور القوي للعنصر النسوي على مستوى جميع الفصائل الإسلامية، بداية من استعانة الإخوان بهم في نقل الرسائل من القيادات خلف القضبان وترشيح السلفيين لهم في الانتخابات نهاية بكتائب الخنساء المقاتلة بصفوف داعش. كما أصبحت لدى التنظيمات الجهادية مصادر تمويل جديدة مثل تهريب البترول الذي يعتمد عليه داعش بالإَضافة لتنظيم خراسان التابع للقاعدة بسوريا، كما تطورت من حيث الأهداف.

وكشفت الدراسة أن هناك فروقا بين خارطة العائدين بعد مرحلة أفغانستان والخارطة الحالية التي ينتشر فيها الجيل الثالث من الجهاديين. وأشارت إلى أن العائدين ما بعد أفغانستان يتوزعون في اليمن وإمارة ما يسمى الصحراء بأفريقيا، والعراق، وسوريا، مع بقايا التنظيم الكامن في الدول العربية.

وذكر الباحث أن أكثر من ألفي جهادي مصري يتوزعون في سوريا والعراق، وعودتهم ستمثل خطرا كبيرا على الوضع في مصر، خاصة أن معظم هؤلاء قيادات جهادية، ليست لهم بيانات لدى أجهزة الأمن. وعودة هؤلاء برأيه تعني أن تصبح بعض محافظات وقرى مصر في الصعيد حضنا جهاديا.

ولم يستبعد فرغلي عودة سيناريو التفجيرات الانتحارية في بعض الدول الغربية، حيث يتم التحضير لهذه العمليات في الأماكن التي يسيطر عليها الجهاديون، ثم يتم إرسال أفراد بجوازات سفر غربية لتنفيذ العمليات داخل الغرب، كما حدث مع جماعة “خراسان” التي استهدفتها الطائرات الأميركية بالقصف في حلب. كما أن تكرار سيناريو تفجيرات 2005 في لندن، وارد بشدة لا سيما أن هذه الهجمات تتم بجهود فردية، يمكن أن يقوم بها متأثرون بالفكر الجهادي.

ويمكن تقسيم العائدين من الجهاد في سوريا والعراق إلى ثلاثة أنواع، الأول يشمل التائبين والنادمين، وهؤلاء لديهم الحماس الشديد للانخراط في القتال، دفاعا عن الدين، لكنهم يكتشفون بعد ذلك مدى بشاعة القتال، ويقررون عدم المشاركة مرة أخرى، وهذا النمط لا يمثل خطورة.

أما النمط الثاني، فهو الانزواء النشط وهؤلاء لا يقتصرون فقط على الانزواء والندم، بل يحاولون منع ذويهم من المسلمين من الذهاب. أما النمط الثالث، فهو السياح والمجاهدون العابرون للقارات وهؤلاء يحملون في البداية أفكارا مثالية عن القتال، ثم يصطدمون بالأمر الواقع، لكنهم يحاولون خداع الآخرين بنشر أفكار عن “عظمة الجهاد” عند عودتهم إلى ديارهم.

العائدون من أفغانستان والبلقان وسوريا: الخروج من تهديد والسقوط في آخر الاتحاد برس.