المعلم العربي على مذبح أخلاقيات العلم

 
كيف هي أخلاقيات المعلم العربي؟ هل يجوز التعميم في هذا المضمار؟ هل يساعد أستاذ الجامعة الباحث الذي يشرف عليه أم يأبى ذلك؟ هل لدى الباحث رفاهية الاعتراض على مشرفه؟ من هو الرقيب على أساتذة الجامعة؟ من يقيمهم؟ وهل يحصل الأستاذ على تدريب مناسب يمكنه من إيصال المعلومات إلى الطلاب على اختلاف مستوياتهم؟ ماهي الأعباء الملقاة على كتف المعلم؟ وهل للعلم أخلاقيات؟
يرى معظم أساتذة العالم العربي أنه لا يجوز أن يمنحوا كدهم للطلبة بسهولة لأن الظروف لم تكن ميسّرة لهم فلماذا يجب تيسيرها للباحث المستجد؟
يقول د.ب رزنيك في كتابه أخلاقيات العلم: إن "الدراسات والمناقشات الأخلاقية يمكن أن تثار في العلم، لأن العلم نشاط تعاوني يحدث داخل سياق سياسي واجتماعي أكبر. إن العلماء لا يمكن لهم الهرب من المعضلات والمسائل الأخلاقية التي يمكن لها أن تنشأ في المسالك الأخرى للحياة. لذا فإن العلم الوضعي البحت أسطورةٌ خلَّدها هؤلاء الذين يفرون من التساؤلات الضبابية والخلافية المحيرة". من هذا المنطلق، يجد الباحث والمتعلم نفسه في وضع بائس لأن الغالبية العظمى ممن اصطلح الوضع العام القانوني والإداري على تسميتهم بالأساتذة ليسوا مؤهلين بشكل كامل ودقيق إلى إيصال ثمرة العمل التي جنوها بعد جهد جهيد إلى طلابهم، حجتهم في ذلك تكمن في أنه لا يجوز أن يمنحوا عرقهم وكدهم لأن الظروف لم تكن ميسّرة لهم فلماذا يجب تيسيرها للباحث المستجد؟ ولكن في سياق زمني لا تتوفر فيه أدنى متطلبات الباحث، ولا توجد تسهيلات مخصصة له، هل يجوز أن نتهمه بالتقاعس في المطلق؟ في بلد مثل مصر، يقوم الباحث بالتسجيل للدراسات العليا على حسابه بصفة كاملة، فيبحث عن المراجع، ويشتريها ويوفرها على حسابه الخاص، فلا دولة تهتم بتيسير شؤونه ولا أستاذ يلقي بالًا في العادة لواجبه. خوسيه لويس إيرريرو، هو أحد الأساتذة الذين تم تكليفهم بتدرسينا مادة النحو والصرف في اللغة الإسبانية، المبهر في الرجل ليس فقط علمه الموسوعي، ولا كونه أستاذًا منتدبًا في الأكاديمية الملكية للغة الإسبانية، التي هي عصب اللغة الإسبانية على مستوى العالم، ولكن مربط الفرس هو التواضع الكبير للرجل، وانتقاده الدائم للمتشددين في التعامل النحوي مع اللغة، وللتقاليد القديمة البالية التي ترسخت بين الأستاذ والطالب التي من بينها على سبيل المثال، خوف الطالب من التعبير عن رأيه بصراحة وأقول هنا بصراحة وليس بتجاوز ينقصه الأدب خوفًا من بطش المعلم. ما الذي سيضر المعلم لو أنه حول قصصه عن صولاته وجولاته وعرقه وكفاحه، لمحفزات حقيقية تمس الطالب في صميم مستقبله؟ حكى لنا أستاذنا خوسيه لويس، بمنتهى البساطة، أنه نشأ في إسبانيا إبان حكم الدكتاتور فرانكو حيث كان الفقر والجهل والمرض. أول مرة رأى في حياته تليفزيونًا صوره بالألوان، كانت وهو في العاشرة. وكانت جارتهم السيئة، الأقل فقرًا حيث يسكنون، تجعل الأطفال يدفعون لقاء مشاهدتهم التلفاز. يحكي أيضًا كيف أنه وهو في الثامنة عشر لم يكن يجرؤ على أن يعطي رقمه لفتاة لأنهم ببساطة لم يكونوا قد امتلكوا هاتفًا في المنزل حتى ذلك الوقت.
المجتمع المصري بطريركي النزعة، مؤمن حد القداسة بحق الأستاذ المطلق في النقد دون أن يتيح أدوات النقد ولا الحق فيه للطالب
في المقابل، المجتمع المصري بطريركي النزعة، مؤمن حد القداسة بحق الأستاذ المطلق في النقد دون أن يتيح أدوات النقد ولا الحق فيه للطالب. حضرت حفلي تأبين للدكتورة رضوى عاشور وكان أهم ما تكرر عن سيرتها تواضعها الجم، والمساحات التي كانت تتيحها كمعلمة لخيال طلابها، وقربها ودفئها من طلابها مما حولها إلى أيقونة حقيقية هذا بخلاف مؤلفاتها. الرهان على الطلاب أصبح أمرًا نادرًا في العملية التعليمية، التي تغيب عنها الأخلاقيات والإمكانات معًا، لابد أن تتغير الطريقة التي يتم بها اختيار الأستاذ الجامعي في مصر لأنها كرست العلم بمعناه المادي فقط دون الأخلاقي، وركزت على الكم دون الكيف، فلا يجوز أن تكون المحاضرة في أي باب من العلوم مجرد حكايات سطحية، أو ثرثرة عن المادة العلمية دون الدخول في لبها. لا ينفي هذا مسؤولية الباحث أو الطالب ولا تورطه في التحصيل، لكنه أيضًا لا ينفي مسؤولية المعلم. في فنلندا مثلًا تمول العملية التعليمية بنسبة 100% من الدولة، ويتم تقييم الطالب وفق نظام الامتحانات إطلاقًا، ولا يدخل الطالب أساسًا نظام التعليم إلا بعد بلوغه السابعة من العمر، بينما يقضي المعلم في الفصل أربع ساعات للتدريس ويقابلها ساعتين لتطوير أدائه من قبل من قيموه.