بثينة شعبان وأكذب كتاب في التاريخ السوري!


يستحق كتاب (عشرة أعوام مع حافظ الأسد 1990-2000) لمستشارة بشار الأسد بثينة شعبان، الصادر عن (مركز دراسات الوحدة العربية) في بيروت 2015، لصاحبه خير الدين حسيب، أن يكون أكذب كتاب في التاريخ السوري..

ويبدو أن ناشره الذي تعامل مع الكتاب بجدية بالغة، حين وصفه بأنه: “يجمع بين رواية المذكّرات وتوثيق المادَّة التاريخية لمرحلةٍ شديدة الحساسيّة في الحياة العربية المعاصرة، وهي مرحلة محادثات السلام العربية-الإسرائيلية في العقد الأخير من القرن الماضي”. لم يتابع أكاذيب مؤلفة الكتاب الفاضحة في وسائل الإعلام خلال الأعوام الخمس الماضية من عمر الثورة ضد الأسد الابن، والتي كان أشنعها روايتها عن مجزرة الكيماوي التي ارتكبها نظام الأسد في غوطتي دمشق في آب/أغسطس عام 2013. حين قالت في الرابع من أيلول/سبتمبر 2013 على شاشة (سكاي نيوز) الإنجليزية، بأن: “المعارضة قامت بخطف الأطفال والرجال من قرى اللاذقية وأحضرتهم إلى غوطة دمشق، وقامت بوضعهم في مكان واحد واستخدمت ضدهم الأسلحة الكيماوية”، مدعية أن ضحايا المجزرة هم من الطائفة العلوية!

وعدا عن أن هذا الادعاء كذبته كل الجهات الحقوقية وغير الحقوقية في العالم، وسخرت معظم وسائل الإعلام منه.. فقد تساءل السوريون الذين يعرفون جغرافيًّا بلادهم بسخرية وتهكم: كيف يمكن للعصابات المسلحة أن تختطف أكثر من 1700 طفل ورجل من الساحل، ثم تمضي بهم أكثر من أربعمائة كيلومتر، متجاوزة كل مناطق القتال والحواجز، نحو منطقة تحاصرها قوات الأسد حصاراً مطبقاً وتمنع عن سكانها الغذاء.. كي تجمعهم وتقتلهم بالكيماوي هناك؟!

كتاب في أربعة فصول!
بعد هذه الرواية سرى بين السوريين تعبيراً هجائيًّا يقول: “أكذب من بثينة شعبان” للدلالة على حجم الوقاحة التي وصلت إليها هذه المرأة.. فكيف يمكن أن يتعامل أحد بعد الآن على أن كتابها وثيقة تاريخية مهمة؟!
تساؤل لا يمكن لأحد أن يجيب عليه إلا حين يعرف حجم الأكاذيب التي ابتدعها خيال بثينة شعبان الطائفي الفاجر، لتلميع صورة الديكتاتور حافظ الأسد، بدءاً من المقدمة التي روت فيها قصتها مع لقائه وهي طالبة على أبواب الجامعة عام 1971، وحتى اللحظة التي جاءها بالمنام بعد وفاته وقال لها: “يا بثينة لماذا لم تكتبي حتى الآن عن المرحلة التي عملت فيها معي؟!”.
نعم جاءها في المنام..
وسألته: “ما نوع الكتاب الذي يجب أن أكبته؟” فأجابها -والكلام لها-: “يكفي كتاب من أربعة فصول” وأوضح أن هذه الفصول يجب أن تركز على سورية والغرب، وعلاقته بالغرب، ودوره في عملية السلام، وأخيراً: حافظ الأسد وبيل كيلنتون!

حافظ الأسد انتخب انتخابا!
يعرف الجميع أن حافظ الأسد أتى إلى الحكم، على ظهر دبابة في انقلاب عسكري في 16 من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1970، أسماه (الحركة التصحيحية) وقام بزج رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس القيادة القُطرية، في السجن بضعة وعشرين عاماً بلا محاكمة، ثم نصّب رئيس جمهورية صُوَري هو (أحمد الخطيب) ريثما يرتب ما سمي صورة تسلمه رئاسة الجمهورية، لكن خَطَّت بثينة شعبان السطور الأولى من مقدمتها بما يلي:
“في صيف عام 1971، قابلتُ الرئيس حافظ الأسد أول مرة، دون أن يخطر ببالي ذات يوم، بعد أكثر من عشرين عاماً، سأعمل معه خلال السنوات العشر الأخيرة من حياته. كنت فتاة في الثامنة عشرة من العمر من قرية صغيرة قرب (حمص) وقد أتممت امتحانات الشهادة الثانوية، وكنت الأولى على (حمص) بأكملها، والرابعة على مستوى الجمهورية العربية السورية، وأستعد للذهاب إلى الجامعة، وكان هو رئيس سورية الجديد الجذاب والساحر والقوي، وقد انتخب للمنصب، قبل بضعة أشهر في آذار/مارس 1971.
بهذا المستوى الفاضح من الكذب غير المسبوق، تبدأ بثنية شعبان بيع “وثيقتها التاريخية”، حين تزعم أنه انتخب انتخاباً، في أكبر كذبة يمكن أن تطلق على تاريخ حافظ الأسد الدموي الأسود!

ميلودراما الطلاب الريفيين!
وتزعم بثينة شعبان بعد ذلك أن الأسد الذي “جاء بالانتخاب”، أصدر في صيف عام 1971 تشريعاً يقضي بتوفير منح للطبة المتفوقين، لتمكينهم من التسجيل في الجامعات الحكومية.. وكتبت تقول:
“.. لكن التشريع لم يخلُ من بعض المثالب، فبالرغم من أنني نلت أعلى معدل في محافظة حمص وكنت الرابعة على سورية بأكملها، لم أكن مؤهلة لنيل منحة، ومن ثم لك يكن باستطاعتي الدراسة في جامعة دمشق لأن أبي لم يكن قادراً على تحمل نفقاتها، فقررت أن أسعى إلى مقابلة الرئيس وأن أشرح له وجه الخطأ في المرسوم الذي أصدره”.

الأكذوبة الكبرى الآن.. أن الفقراء لم يكونوا يستطيعون أن يسجلوا في جامعة دمشق.. لأن التعليم الجامعي في سوريا كان مجانيًّا منذ عام 1903 -تاريخ تأسيس أول كلية جامعية في دمشق وهي كلية الطب- وقد يقال إن الجامعة كانت مهتمة بأنباء المدن، وأن حافظ الأسد اهتمَّ بأبناء الريف باعتباره أول رئيس من منبت فلاحي في التاريخ السوري المعاصر.. لكننا نقرأ في تحقيق عن جامعة دمشق نشر في مجلة (الأسبوع العربي) اللبنانية بتاريخ: (3 كانون الأول/يناير 1962) قبل انقلاب البعث.. ما يلي:
“.. لقد رصدت الحكومة مبلغ 17 مليون ليرة سورية للعام الدراسي الجديد، وقد اقتحم التطور جامعاتنا بمختلف فروعها وخاصة الطب العام وطب الأسنان والعلوم.. وإننا اليوم نسعى جاهدين لتأمين احتياجات الطلاب المتزايدة مع تزايد اعدادهم.. وخصوصاً الطلاب الذين جاءوا من الأرياف طلباً للتعليم”.

وهكذا فالرئيس الانقلابي الذي كان قد تسلم رئاسة الجمهورية للتو، ومشغول بالغدر برفاقه ربما لم يصدر مرسوماً ولا من يحزنون.. ووضع التعليم الجامعي قبل البعث والأسد كان في قمة استقلاليته وازدهاره، ومفتوحاً أمام الطلاب الريفين، الذين تحاول بثينة شعبان أن تخترع قصصاً ميلودرامية عن معاناتهم التي جاء حافظ الأسد لينتشلهم منها!

عدّل المرسوم قبل أن تصل لقريتها!
تتحدث بثينة شعبان بعد ذلك عن قصة لقائها بالأسد، أثناء زيارته للكلية العسكرية في حمص، وكيف دخلت مبنى الكلية العسكرية وهي فتاة في الثامنة عشرة لا يعرفها أحد، وانطلقت نحوه لمقابلته فتأخذنا إلى أجواء فيلم (خلي بالك من زوزو) لطيبة الذكر سعاد حسني.. ثم تقول إن الأسد طلب منها أن تعود إلى بيتها وأن تنتظر أن يردها شيء من القصر الجمهوري، وبأسرع مما تتصور وردتها الدعوة من مكتب الرئيس، بعد أن اتصل القصر بمدير الناحية طالبا منها الحضور، وجاءت إلى قصر المهاجرين بدمشق، وعندما شرحت له وجه الخلل في المرسوم الذي يعطي المنحة للعشرة الأوائل في الفرع العلمي، والثلاثة الأوائل في الأدبي ولا يعطِ الأول من كل محافظة. قال لها الرئيس ببساطة: “معك حق”..

لكن كذب بثينة شعبان يصل إلى درجة غير معقولة حين تكتب فتقول: “أثناء عودتي إلى قريتي في الحافلة، ضبط السائق المذياع على إذاعة دمشق، وكان أول خبر في النشرة الإخبارية هو تعديل الرئيس الأسد مرسومه السابق المتعلق بالمنح المخصصة للمتفوقين الأوائل”.

وتضيف بثنية شعبان أنها شعرت بقشعريرة تسري في أوصالها.. ولا ندري هل هي قشعريرة المفاجأة، أم رعشة خيال ابتداع هذه الكذبة التي تبدو أقرب للنكتة.. إذ من غير المعقول أن يتم الأمر بهذه السرعة، إلا إذا كان حافظ الأسد يعمل محرراً في نشرة أخبار الإذاعة.. عدل المرسوم بنفسه، دون عرضه على الوزير المختص على سبيل الإعلام بالشيء على الأقل، وحرره وأعطاه للمذيع على الفور!

تذكَّرها بعد عشرين عاماً!
بعد ذلك تقول بثينة شعبان إنها لم تشاهد الأسد شخصياً، حتى اقترحها فاروق الشرع مترجمة له في لقاء مع الأميركان عام 1991 لكنها تُفاجئنا بكذبة أخرى حين تكتب: “حين انتهى الاجتماع، وبعد مغادرة الضيوف الأميركيين مباشرة، التفت الأسد إليَّ وقال: “ماذا كان سيحدث لنا لو أننا لم نرسلك إلى الجامعة؟ كنا سنجلس هنا اليوم من دون مترجم” لقد تذكرني!”
نعم لقد تذكرها بعد عشرين عاماً من لقائه الأول بها.. حكمتك يا رب!

لا حاجة لنا بعد ذلك للتدقيق في رواية الكتاب “التوثيقية” عن محادثات حافظ الأسد من أجل السلام في مؤتمر مدريد وما بعدها مع الأميركيين ووفده مع الإسرائيليين.. ومع أن بثينة شعبان نشرت نص رسائل من جورج بوش الأب وبيل كلينتون، ربما لا تستطيع تحريفها والكذب بها، لكنها بالتأكيد اختلقت سياقاً من الأكاذيب الذي لا يمكن الوثوق به، من أجل تلميع صورة ديكتاتور جزار، حكم السوريين بالحديد والنار، ومات بعد أن دبر توريث الحكم لابنه في نظام جمهوري لم يحترم قوانينه قط!

هافينغتون بوست


المركز الصحفي السوري