“حزب الله”… النخبة المستنزفة في سوريا!


منذ دخوله الحرب السورية اعتمد “حزب الله” تكتيكات عسكرية واضحة تقتضي تصفية القيادات العسكرية للمعارضين لإحداث تخبط في صفوفهم وشل تحركاتهم وإرباكهم بخسارتهم للهيكل التنظيمي الذي يدير المعركة. وخصص الاعلام الحربي التابع للحزب حيزاً مهماً لهذه الاستراتيجية حيث عرض تقارير عن أهمية هذه السياسة التي أكسبته معارك مفصلية كالقصير والزبداني، وعن التخطيط للعمليات العسكرية التي رسمها قادة وصفهم بالابرع في المنطقة.

وبعد أربع سنوات على انخراط الحزب في المستنقع السوري انقلب السحر بعد ان خسر العديد من القيادات، واستنزفت نُخبه العسكرية، وفقد الحزب في السنوات الماضية عدداً كبيراً من القيادات يصل عددهم بالحد الأدنى الى 51، وهو رقم يفوق ما خسره الحزب خلال صراعه مع اسرائيل بين عامي 1985 و2000، وهو ما يرى فيه البعض أمراً بدأ يُشكل عامل قلق داخل الجسد العسكري للتنظيم.

الأخبار شبه اليومية عن سقوط القيادات العسكرية لا يرى فيها الحزب إمكانية لاحداث انقلاب في معادلات المعارك، خصوصا أنه وضع، وفق مصادر “المدن”، خططاً تحسباً لملء الفراغ في حال غياب اي قائد ميداني، بالتزامن مع تحول مرتقب بدأ يتردد، يفيد بإمكانية إرسال ايران قيادات أكثر من “الحرس الثوري” بعد أن اصبحت معدلات الوفيات عالية في صفوف قيادات حليف إيران الأهم في المنطقة.

مؤخراً، خسر “حزب الله” أحد اهم قياداته في ريف حلب وهو علي أحمد فياض الملقب ب”علاء البوسنة”، والذي يعتبر من أهم الخبراء التكتيكيين والخبير في حروب العصابات، لاشتراكه في قيادة معارك في الجنوب اللبناني والبوسنة حيث قاد العمليات ضد الصرب بداية التسعينيات مع قوة الباسدران من مدينة زنيتشا، اضافة الى العراق وسوريا، وقد خاض الحزب معارك شرسة في تل الحمام في ريف حلب الجنوب الشرقي لاسترجاع جثمانه.

وشهد العام الماضي خسارة الحزب لأهم القيادات في سوريا وابرزهم قائدا عمليات القلمون علي خليل عليان المعروف ب”ابو حسين ساجد”، وتوفيق النجار المعروف بأبو علي، إلى جانب غسان فقيه الملقب بساجد الطيري، والقيادي حسن حسين الحاج الملقب بأبو محمد الاقليم الذي قضى في ريف ادلب، والذي يُعتبر من أهم المطلوبين لإسرائيل، وصولاً لاغتيال القائد محمد أحمد عيسى “أبو عيسى” و سمير القنطار، المسؤولان عن العمليات العسكرية في الجولان.

ولم تكن سنة 2014 أفضل من سابقاتها فقد خسر الحزب القيادي مصطفى حسين أيوب (أبو تراب)، و زيد حيدر الموسوي، ابن شقيق النائب عن الحزب عمار الموسوي، وحمزة وجيه زلزلي، والقيادي المخطط لعمليات منطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي فوزي محمد أيوب، المعروف بأبو عباس، وهو من القياديين المؤسسين ل”حزب الله”، وكان مطلوباً من مكتب التحقيقات الفدرالي الاميركي.

ومع دخول الحزب العلني إلى الحرب عام 2013، وهجومه المباشر على مدينة القصير، نعى عدداً كبيراً من القيادات، ومن بين الأسماء التي قضت في القصير: القيادي فادي الجزار، الذي خرج من السجون الإسرائيلية في عملية تبادل الاسرى في 29 كانون الثاني 2004، و حسين صلاح حبيب، و حمزة إبراهيم حيدر، الملقب بأبو عباس، وكان مرافق الأمين العام للحزب، وقد قُتل في الخالدية، ونعيم علي زهوي وهو قيادي من “سرايا المقاومة”.

خسارة القيادات قد تكون في كثير من الأحيان من الصعب تعويضها، لانه وفقاً لمبادئ العلوم العسكرية فإن القيادة العسكرية كغيرها من القيادات تعتمد على السمات الشخصية للقائد، وعلى تطبيق الاساليب القيادية المناسبة لطبيعة النشاط العسكري.

وتعليقاً على الموضوع يرى العميد المتقاعد إلياس حنا باتصال مع “المدن” ان العديد من القيادات في المعارك قد يُصعب إيجاد من يملأ مكانهم من حيث الخبرة والتأثير، مضيفاً أن الحزب لن يتأثر كثيراً في سوريا بسبب دعم الحلفاء، والصورة التي يقدمها عن تضحية القادة بأنفسهم من أجل القضية، لكن الارتدادات السلبية ستطال صراعه مع اسرائيل مع خسارة المخضرمين بالحرب معها.

وبالفعل فإن أهم المستفيدين من سقوط القيادات واحداً تلو الأخر هي اسرائيل التي تشعر بالغبطة من ما تعتقد أنه في النهاية سيهدد التوازن العسكري في لبنان، ويغري الجهات الخارجية لاستغلال انشغال أهم قياداته العسكرية في الخارج من أجل تلقين الحزب درساً في الداخل اللبناني، ومن انكشاف الحزب بعد امتداد قادته على الأراضي السورية ما سهل بنسبة كبيرة عملية استنزافه، وانكشاف العسكريين من الصف الرفيع أمام المقاتلات الاسرائيلية وعمل الموساد، بعد أن شغلت إسرائيل قبل الحرب السورية ثمانية وحدات مخابراتية تعمل على تجنيد العملاء وجمع المعلومات حول قيادات الحزب دون جدوى.

استمرار الحرب السورية واحتمال فشل الهدنة واشتداد المعارك بين الحزب والفصائل المعارضة واستماتة تنظيم “داعش” في حربه مع الحزب، واستخدامه لعدد كبير من الانغماسيين كما حصل في معارك خناصر الأخيرة، يعني أن نزيف القيادات سيستمر ولفترة غير محددة مع غياب اي افق لحل قريب في سوريا، ما يمكن أن يحدث فراغاً على صعيد الكوادر العسكرية، خصوصاً مع سقوط قيادات لها ثقلها وتمتلك خبرات تعود لتأسيس الحزب، ولها تأثيرها المعنوي من الصعب استبدالها بقيادات جديدة تؤدي نفس الدور ما سيفرض تحديات جديدة في المرحلة المقبلة أهمها ايجاد قيادات جديدة تتميز بالضبط العسكري، مع عدم استبعاد أن يقوم الحزب بسحب عدد من قياداته من سوريا للتخفيف من حجم الأضرار.

المصدر: المدن – سامي خليفة