on
دعوة للحضور بالبسطار العسكريّ
كتب عنه الناقد الموسيقيّ بيير بوتي لصحيفة (لوفيغارو) الفرنسيّة في صيف 1978:
«قدّم كونشيرتو الكمان الصعب والطويل لـ برامس، لم تضعف يده اليسرى أو تتعب أبداً، سواء في المقاطع الموسيقيّة الأكثر صعوبة أو بالنسبة للأوتار الثلاثة وأصوات الجواب .أمّا دقّته في العزف فكانت دائماّ كاملة وتامّة إلى حدّ الإعجاز. ويمكن أن أضيف أنّ الأسلوب كان يتّصف بصفاء جميل جدّاً، والأزمنة كانت صحيحة. بالنسبة لقوس كمانه فقد كان عريضاّ متجاوباّ معه، يسمح له بالعزف وإصدار الأصوات بكلّ راحة .آمل أن أكون قد استطعت أن أخلّف الرغبة لدى قرّائي بالاستماع إلى عازف الكمان هذا والذي منذ الآن يتربّع بين العظماء».
وقال ناقد آخر:
«إنّ الكمان في الأسطورة هو آلة الشيطان ويكفي أن تستمع إلى نجمي السكريّ لتصدّق هذه الأسطورة».
ولد نجمي السكّري في حلب عام 1939، وقدّم حفلاً عام 1951 في دمشق بحضور رئيس الجمهوريّة أديب الشيشكلي وضيف سورية الملك عبد العزيز آل سعود. أرسلته الدولة في نفس العام بعثة إلى باريس لدراسة الموسيقى، ثمّ في عام 1959 لإكمال دراسته العليا في موسكو، ولا يمكننا هنا حصر الجوائز العالميّة التي نالها عازف الكمان السوريّ نجمي السكريّ أو المهرجانات الدوليّة التي اشترك فيها.
ولم ينل في بلده سورية أيّ اهتمام بعد شهرته العالميّة في السبعينيّات وما بعدها، بل على العكس، عومل أوّلاً وكأنّه شخص يحاول أن ينال وظيفة، حين عيّنه مدير المركز الثقافيّ في إحدى قرى محافظة حلب، وقال له: (إذا ما عجبك ألف واحد غيرك بيتمنّى هالوظيفة).
غادر السكّري بعدها إلى فرنسا ليقيم فيها، وينطلق في أرجاء العالم كعازف ومدرّس لآلة الكمان، وليحصد التكريم والتقدير اللذين يستحقّهما، واللذين حُرم منهما في بلده.
ظلّ الشوق يدفع بالسكّري للعودة إلى الوطن، والرغبة بإقامة حفل موسيقيّ، فخاطب وزارة الثقافة مع بداية الألفيّة الثانية – معتقداً أنّ الوضع قد تغيّر – يطلب منها أن يقيم حفلاً موسيقيّاً، ولم يطلب سوى بطاقة طائرة: باريس – دمشق. كان الردّ أن لا إمكانيّة ماليّة لذلك! أجاب السكّري بأنّه مستعدّ ليدفع نصف قيمة البطاقة. وجاء الردّ عبر (صحفيّ) في إحدى الجرائد المخابراتيّة المتناسخة من بعضها بأنّ: نجمي السّكري رجل مادّي لا يهمّه سوى المال ولا يحبّ وطنه!.
اضطرّ السكّري عندها لكشف المراسلات بينه وبين الوزارة، ردّاً على اتّهامه بهذا الشكل؛ كالعادة أُغلق الموضوع بجميع الوسائل ، وصار مجرّد ذكر اسم هذا الفنّان السوريّ العالميّ تهمة.
في نفس الوقت سُمح لموظّفي رامي مخلوف بالتعاقد مع مغنّين أجانب بمبالغ هائلة لا يُسمح بالكشف عنها مثل خوليو إغليزياس الذي تبرّع بريع حفلة له إلى الجيش الإسرائيليّ. فمن يستطيع أن يمنع أو حتّى يعترض؟
وحتّى عندما قام نقيب الفنّانين وقتها – صباح عبيد – بمحاولة إيقاف العقد المبرم مع خوليو، وأرسل فاكساً بهذا المضمون إلى وزارة الثقافة، فيه إثبات تعامل ودعم خوليو للجيش الإسرائيليّ، قبل أن يُبلّغ عن طريق أحد معاونيه في النقابة أنّ هذا العقد لأحد رجال (الأستاذ رامي) وعليه أن (يخرس ويلفّها)، وهذا ما حصل.
من أجل تلميع صورة النظام أمام العالم عن طريق الثقافة بعد عام 2005 حين أُخرج الجيش السوريّ من لبنان متّهماً بقتل رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، ادّعت أسماء الأخرس رعاية الفنّ وخصوصاً الموسيقى، فدعت نجمي السكّري، لتبرز هي أيضاً بوجه مغاير يتذوّق الفنّ!.
لبّى العازف العالميّ الدعوة، وكان الحفل في دار الأوبرا، ليفاجأ الناس بـأنْ لا أمكنة للبيع، والحضور بالدعوات فقط، وإذا أراد أحد الحصول على بطاقة للحضور فعليه أن يعرف أحد ضبّاط القصر الجمهوريّ، لأنّ البطاقات وزّعت عن طريقهم وجلّها كانت لهم.
تمّت دعوة بعض الدبلوماسيّين الأجانب والغربيّين بخاصّة، وباقي الحضور كان من ضبّاط الحرس الجمهوريّ وجيرانهم، فكان الحضور قليلاً عدديّاً، وغالباً خارج السياق ذوقيّاً، وكانت خيبة أمل العازف هي الأكبر، الذي غادر ولم يعد منذ ذلك اليوم إلى بلده سورية.
المصدر: جريدة زيتون