“رحلة تمردي” بدأت بحجر صغير رميته على جندي صفعني من أجل ابن سيده الضابط.. طفولة الراحل نبيل المالح


رغم وفاة المخرج السوري نبيل المالح في منفاه الاختياري بالإمارات العربية المتحدة قبل أيام قليلة إلا أن رسائله التي كرّس حياته لصياغتها في صور سينمائية ما تزال تتدفق بعد انتقاله للعالم الآخر حملتها مجلة (الجديد) الثقافية في عدد مارس/آذار لهذا العام من خلال مقال وحوار معه لم يُنشرا من قبل.

مقال المالح حمل عنوان (كأنني أبدأ اليوم) وهو أقرب إلى “شهادة على العصر” أو ربما ملخص لتجربة المخرج الراحل على مدى عقود بداية من طفولته وتكوينه ومروراً بأحلامه وطموحاته السينمائية وصولاً إلى الأوضاع والمتغيرات الجارية في المنطقة العربية وأثرها على السينما.

ويستهل المالح مقاله بالقول “كنت في الثامنة عندما صفعني جندي لأنني قلت (لا) رافضاً التنازل عن دوري في ركوب أرجوحة في منتزه عام ووضع مكاني ابن سيده الضابط لم أبك ولم أشكه لأحد، ولكني وجدت حجراً صغيراً رميته به وهربت”.

ويستكمل رحلته مع التمرد على كل ما كان يفرض عليه قائلا “بعد عودتي من دراسة السينما في تشيكوسلوفاكيا (التشيك وسلوفاكيا حالياً) في ستينيات القرن الماضي، “هذه الـ(لا) الأبدية لم تدعني أنتظم في حزب أو تنظيم ولم أضع نفسي في موقع أن أقبل أمراً من أحد، لذا لم أكن موظفاً قط، وكانت علاقتي بالمفهوم الضمني للسلطة تنمو وتأخذ بعداً أثر على مسيرتي فلقد ترسخت لدي القناعة بأن الفن في ديناميته واكتشافه وثورته على السائد والمألوف سيكون دائماً على نقيض مع الفن الرسمي ومع قيم ومفاهيم وجماليات السلطة أيًّا كانت”.

ويستعرض المالح في مقاله تجاربه السينمائية ومحاولات المنع التي تعرضت لها أفلامه ومغادرته سوريا في بداية الثمانينيات، في جولة أخذته إلى الولايات المتحدة ثم سويسرا وبعدها اليونان التي استقر بها لتسع سنوات قبل أن يعود مجدداً إلى سوريا.

وهنا يقول “30 عاماً من تجربة السينما في سوريا وما زال السينمائي يقاتل من أجل أن يعيش بكرامته (إذا لم يكن موظفاً) ، ثلاثون عاماً ولا يدري الإنسان ما إذا كانت ستتاح له فرصة عمل تالية، ثلاثون عاماً وما زال البيروقراطيون وعباقرة التسلق يملكون القرار ومفاتيح الأمور”.

ويوصف المالح بأنه أحد مؤسسي السينما في سوريا وقد توفي في 24 فبراير/شباط 2016 عن 79 عاماً في دبي التي قضى بها سنوات عمره الأخيرة، بعد تضييق النظام السوري عليه بسبب آرائه النقدية، تاركاً خلفه العشرات من الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة بخلاف البرامج التلفزيونية والمقالات الصحفية.

أما الحوار الذي يظهر للنور لأول مرة لنبيل المالح فليس حديثاً، وإنما أجراه معه الإعلامي السوري إبراهيم الجبين في دمشق عام 2009 ضمن برنامج (علامة فارقة) الذي كان يعرض على القناة الفضائية الرسمية السورية لكن تم منع عرض الحلقة.

ويجيب المالح في الحوار -الذي أُجري في منزله في حي المهاجرين في دمشق- بكل جرأة على أسئلة متنوعة عن السينما والأوضاع الاجتماعية والسياسية في سوريا، في وقت كانت قبضة السلطة على الأوضاع الداخلية في قمة إحكامها.

ومما جاء في الحوار “ما أدعو إليه أن علينا أن نخرج من عقليات بيروقراطية، وأن نتخلى عن المنظومة التقليدية في سوريا التي نقوم اليوم بترقيعها دون جدوى.

“نحن لم نفعل شيئا، ليس لدينا أي (براند) أو ماركة تجارية، لم نستطع صناعة صورة سياحية لسوريا، مئات الملايين تُنفق في بلاد العالم لتصوير الأفلام السينمائية العالمية، بينما كما تعلم سوريا هي استديو طبيعي عملاق، لكن لا أحد يأتي لتصوير أفلام فيها”.

وعن فلسفته السينمائية وخلافه مع السلطة والرقابة في سوريا.. قال المالح في هذا الحوار “الفن الجيد لا مقياس مسبق له ولا أحد يحدد لي سلفاً ما هو المقياس المسبق للجاد والجيد. أنت تشاهد عملاً كوميديًّا وبالمقياس العام هو فيلم غير جاد، لكن قد يكون هذا الفيلم جادًّا أكثر خمسين مرة من أفضل فيلم جاد مصنوع بشكل رديء.. في الفن لا أحد يملك فالكون كله يقرر كيف يجب أن يكون الفن”.

وبجانب هذا الاحتفاء والتكريم الخاص للمخرج السوري الراحل ضم عدد شهر مارس/ آذار من مجلة (الجديد) حواراً خاصًّا مع الفيلسوف الفرنسي لوك فيري، وملفاً خاصًّا بعنوان “الثقافة العزلاء” شمل مقالات لكتاب من مصر وتونس والعراق والجزائر وفلسطين والأردن وسوريا، عبروا فيها عن أثر التغيرات الجغرافية الجارية بفعل “الربيع العربي” على الحياة الثقافية في الدول العربية.

تصدر مجلة (الجديد) في لندن تحت شعار “فكر حر وإبداع جديد” ويرأس تحريرها الشاعر السوري نوري الجراح.