الحل الروسي هو تقسيم سوريا


تدرك روسيا جيدًا أن عودة بشار الأسد لحكم سوريا بحدودها المتعارف عليها مرة أخرى هو ضرب من المستحيل.

فحتى لو نجحت روسيا في محاصرة جماعات المعارضة المسلحة، وقطع خطوط إمداداتهم، والاستيلاء على الأراضي الخاضعة لسيطرة تلك الجماعات والقضاء عليها، فإن أفراد هذه الجماعات سيكونون جماعات متمردة أصغر عددًا وأقل كلفة، وسيشنون حرب استنزاف ضد بشار ونظامه، لن تمكنه من إعادة بناء الدولة من جديد، فعملية البناء تحتاج إلى سنوات من الاستقرار ومئات من مليارات الدولارات لن تتوفر في ظل عمليات مسلحة تستنزف موارد الدولة.

لهذا لا تسعى روسيا لبسط نفوذ نظام الأسد على كامل الأراضي السورية، ولكنها تطمح فقط لإقامة دولة علوية شيعية يحكمها نظام الأسد وترضى بحكمه في الجزء الغربي من سوريا حيث تتركز المصالح الروسية.

وهذا لن يحدث إلا باتفاقية سلام توافق عليها الفصائل الفاعلة على الأرض، تقبل فيها بفكرة تقسيم سوريا وهو أمر صعب المنال؛ لأن المعارضة المسلحة السورية في مجملها تؤمن بفكرة الدولة القطرية، وتريد أن تقيم دولة موحدة وقوية على كامل الأراضي السورية، وهي كذلك لا تتكون من فصيل سياسي واحد، بل عدة فصائل وهو ما يحرمها من ميزة المناورة السياسية، لأن أي فصيل فيهم سيوافق على التفاوض وقبول التنازل عن قطعة من أرض سوريا لصالح بشار سيتم تخوينه من باقي الفصائل، وسينفض أعضاؤه عنه وينضمون إلى الفصائل الأخرى التي ستنتهج نهجًا أكثر تشددًا.

وعلى هذا، فإذا أراد الروس إنفاذ مخططهم فعليهم استبدال المعارضة السورية المسلحة التي تؤمن بالدولة القطرية وتسعى لبناء سوريا موحدة بمعارضة أخرى تقبل فكرة تقسيم سوريا، ومن حسن حظ روسيا أن تلك المعارضة موجودة بالفعل وتتمثل في فصيلين الأول هو قوات الحماية الكردية، التي تسعى إلى إنشاء دولة مستقلة للأكراد في شمال سوريا، ولا يعنيها بل قد يهمها أن تقسم سوريا لتضمن وجود دولتها الكردية المستقلة، وهو ما دفع الروس لدعم قوات الحماية الكردية والتحالف معها في مواجهة باقي فصائل المعارضة السورية.

ولكن قوات الحماية الكردية لا تستطيع وحدها أن تحقق الهدف الروسي؛ لأنها لا تملك القدرة ولا الرغبة في بسط سيطرتها على كل الأراضي السورية وانتزاعها من قبضة الثوار.

وهنا يأتي دور الفصيل الآخر الذي يبني الروس خطتهم عليه، وهو تنظيم الدولة الإسلامية، الذي لا يعترف بالحدود، وقام أساسًا ضد فكرة الدولة القطرية، وهو تنظيم لا مانع لديه في سبيل إحكام قبضته على باقي الأراضي السورية من الاعتراف بدولة كردية في الشمال ودولة علوية في الغرب.

وتنظيم الدولة بالإضافة إلى كونه تنظيمًا لا يعترف بالحدود ولا يبالي بها فهو أيضًا تنظيم قوي قادر على بسط سيطرته على أعضائه بقبضة حديدية تمكنه من المناورة وتقديم التنازلات، دون أن يخشى أي تصدعات أو انقسامات في جبهته الداخلية.

إن هدف روسيا هو إقامة دولة علوية تمثل مصالحها في غرب سوريا، والسبيل لتحقيق هذا الهدف هو ضرب وحصار جماعات المعارضة السورية بقوة لمنع وصول إمدادات السلاح والمال إليها حتى يتم تفكيكها، ودفع من يتبقى من أعضائها للانضمام لتنظيم الدولة – الأقل تعرضًا للهجمات الروسية المؤثرة – والذي سيظل متماسكًا وقادرًا على تمويل أعضائه وتوفير إمدادات السلاح لهم.

مما سيجعله الفصيل الأقوى على الأراضي السورية والذي سيخضع لسيطرته الحديدية أغلب العناصر المسلحة في سوريا مما يمكنه من التفاوض مع  الروس على وقف الحرب مقابل دولة كردية في الشمال ودولة علوية في الغرب، على أن يبسط التنظيم سيطرته على باقي الأراضي السورية، والقضاء على ما تبقى من عناصر مسلحة تسعى لإقامة دولة سورية موحدة على كل الأراضي السورية، وهو قادر على هذا.

مقال رأي ـ أحمد فرج ـ ساسة بوست