النظام السوري يوقف دعم إعلام أحزاب الجبهة الوطنية بعد أن استغله لعقود


Download

علاء غانم:

في قرار لم يتم التمهيد له ولم يكن يعلم المعنيين به شيئاً، قررت السلطات السورية مؤخراً وقف دعم تسع صحف تصدر عن أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية بكل أنواعه، سواء المادي منه أم الإعلاني أم الطباعي، ما هدد بإغلاق بعضها وتحويل بعضها الآخر إلى مجرد نشرة صغيرة تطبع أعداداً قليلة جداً ما يجعلها أشبه بالنشرات الحزبية البسيطة لا بالصحف.

كان الدعم الذي يُقدّمه النظام السياسي لهذه الصحف ولأحزابها كافياً لتغطية نفقات الأحزاب ونشاطاتها وغالباً يزيد عن احتياجاتها، نظراً لمحدودية نشاطات ارتفاع هذه الأحزاب والفعاليات غير المنظورة التي تقوم بها طوال عقود، وكانت تُقدّم لكل حزب دعم لإعلامه يعادل سبعة آلاف دولار شهرياً، انخفض مع تدهور سعر صرف الليرة السورية بالنسبة للعملات الأجنبية ليصل إلى ما يُعادل خمسمائة دولار شهرياً منذ عام.

لاقى القرار استياءً غير مُعلن من قبل قيادات هذه الأحزاب، فهي حتى اللحظة، ورغم فك ارتباطها بحزب البعث، إلا أنها مازالت مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالنظام السياسي، وتخشى من غضبه وغضب أجهزته الأمنية، فقد صمتت على ما ينوبها من النظام من عسف بعد أن صمتت طوال عقود على كل العسف والظلم والقهر الذي تعرض له الشعب السوري بسبب فتات مصالح كان يرميها له هذا النظام.

قرار وقف دعم أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي تأسست عام 1972 وزاد عددها تدريجياً لتصل إلى عشرة أحزاب كان يقودها حزب البعث العربي الذي يرأسه الرئيس السوري منذ خمسة عقود، والذي قال عنه الدستور إنه يقود الدولة والمجتمع، دفع أصحاب هذه الأحزاب للخوف على مستقبلها وإمكانية استمرارها، فيما لم يأبه بهذا القرار أي من السوريين من خارج هذه الأحزاب لعلمهم اليقين أنها مجرد أحزاب صورية انتهازية أسرية مصلحية لا أكثر.

قررت وزارة الإعلام السورية، والتي تعتبر الذراع الإعلامي للنظام لا للدولة، والتي طيّفها النظام وخرّب مؤسساتها ونخرها بالفساد والمحسوبيات، توقفت عن طباعة كل هذه الصحف في مطابع البعث والثورة وتشرين على نفقة  الحكومة، وهذه المؤسسات بدورها مؤسسات إعلامية حكومية خاسرة منذ تأسيسها، اقتصادياً وشعبياً، وفارغة فكرياً وثقافياً، وجاء قرار السلطات السورية في وقت غير مناسب لمعظم هذه الأحزاب حتى الأكثر تنظيماً والتزاماً كالحزب الشيوعي الموحد الذي يصدر صحيفته النور بأعداد كبيرة وبـ 16 صفحة.

توقفت صحيفة (النهضة) وأنقصت صحيفتا (اليقظة) التي يُصدرها الاشتراكيون العرب و(آفاق) التي تصدر عن حزب العهد الوطني أعدادهما للمئات، فيما خفّضت صحيفة (النور) التابعة للحزب الشيوعي عدد الصفحات للنصف وأبقت عدد الطباعة ألفي نسخة، توزّع غالبيتها على مؤسسات الدولة، أما صحيفة (الميثاق) التي يُصدرها حزب الاتحاد الاشتراكي فقد حافظت على عدد ألفي نسخة ومثلها صحيفة (الفجر) التي يُصدرها الحزب الوحدوي الديمقراطي.

تراجعت معظم الصحف الجبهوية عن الصدور بصفحاتها العادية، واضطر بعضها للإعلان عن أنه سيصدر مرة واحدة بالشهر، عدا صحيفة الوحدوي التي قرر أصحابها الدفع من جيبهم ليحافظوا على صدورها، وقاموا بتحسين نوعية الورق، وهي صحيفة تصدر عن الوحدويين الاشتراكيين الذي يرأسه عدنان فائز اسماعيل الذي ورث الحزب المرضي عنه من النظام من والده فايز إسماعيل الذي احتل منصب الأمين العام للحزب طوال 40 سنة، وتقليد الوراثة هذا تقليد برع فيه النظام وعممه على قيادات الأحزاب والمناصب الحكومية والأمنية والمؤسسات الاقتصادية وحتى على البعثات الدبلوماسية.

هذا التوريث ليس حكراً على هذا الحزب، فجميع أحزاب الجبهة التي كانت دائماً تُبرر للنظام كل خطاياه وتنافق له وتُجمّل صورته وتغسل جرائمه في المجتمع، لا تختلف عن بعضها بالشكل ولا المضمون أو النهج، والفروقات بينها باسم الزعيم وليس بالأفكار، وأصبحت أحزاباً أسرية، يتوارث زعامتها الأبناء عن الآباء دون وجود انتخابات حقيقية، وأحياناً دون وجود انتخابات مطلقاً.

فقد ورث عمار بكداش سكرتارية الحزب الشيوعي عن والدته وصال فرحة التي ورثت بدورها سكرتارية الحزب عن زوجها خالد بكداش، كما انشق قدري جميل عن حزب بكداش بعد خلاف عائلي وطلاقه لابنة خالد بكداش وشكّل حزباً شيوعياً موازياً ودعا إلى وحدة الشيوعيين وأصدر صحيفة خاصة بحزبه، كما ورث غسان عثمان الأمانة العامة لحركة الاشتراكيين العرب أيضاً عن والده عبد العزيز عثمان، فيما عيّن صفوان قدسي الأمين العام لحزب الاتحاد العربي الاشتراكي الناصري زوجته بارعة قدسي في أعلى مواقع قيادي في الحزب وأصبحت وزيرة عن الحزب، ولا يضم الحزب سوى أعضاء أسرته فقط.

وفق مصدر مسؤول في أحد هذه الأحزاب فإن بعضها سيُعلن توقف آلته الإعلامية، وإن صح توقّعه فإن هذا الأمر سيكون لصالح السوريين، إذا سيوفر على السوريين دفع أموال على إعلام لا يتابعه أو يقرأه أحد، ويُروّج للنظام أكثر من وسائل إعلام النظام التحريضية الفاسدة والكاذبة، وإن استطاعت هذه الصحف الآن مواصلة الصدور وتأقلمت مع القرار ودفع أصحابها من جيبهم عليها، فإنهم لن يدفعوا عليها بعد أشهر، إذا أنهم شبّوا على أن تكون هذه الأحزاب مصادر دخل وأرباح وفوائد لهم ومن الصعب عليهم أن يقلبوا الآية ليدفعوا على هذه الأحزاب وإعلامها، لعلمهم اليقين أنها أتفه من أن يُستثمر بها، لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا جماهيرياً.

على الرغم من عدم وجود خلافات إيديولوجية أو حتى سياسية تكتيكية بين هذه الأحزاب، فإنها تنافست على مكاسب حققها التحالف مع حزب البعث، وحققها التقرب من السلطة والتماهي مع خطابها، كما حققها الارتهان لأجهزة الأمن وأوامرها، وهذه المكاسب هي ذاتها التي ساهمت في تفتيت هذه الأحزاب وابتعاد السوريين عنها بما فيها العريقة منها كالحزب الشيوعي.

النظام السوري الذي استثمر في هذه الأحزاب طوال عقود ودجّنها وأفسدها ومزّقها، وجعلها متماهية معه ومع استراتيجيته وأهدافه وفرغها من مضمونها وأغرقها بالفساد وألحقها بالأمن، وشغّلها لتلميع صورته بخداع جماهيرها، اكتشف اليوم أن مهمتها انتهت، ولم تعد تصلح حتى لترقيع صورته وتجميلها، وباتت بالنسبة له من الوضاعة بمكان أن لا يقبل أن يستثمر بها بضع آلاف من الدولارات شهرياً، ليتضح مدى قصر نظر القائمين عليها الذين رفضوا أن يكونوا مع الشعب ولا حتى بمقال واحد.

* * *

أخبار سوريا ميكرو سيريا