on
أريد أن أكون بلا شكل
في الفترة الممتدة من طفولتي حتى مرحلة مراهقتي، كنت أخجل من اسمي باعتباره اسماً “بنّاتياً”، اسمي الذي أطلقه عليّ رجل منغولي صادف والديّ في الشارع عندما كنت أقيم في بطن أمي، فطلب منهما أن يسميا الكائن القادم بهذا الاسم. لذا كنت دائماً عندما أُسأل عن اسمي، أنطقه بسرعة وبشكل غير مفهوم وأشدّد على كنيتي باعتبارها غريبة نوعاً ما فأشتت الانتباه عن اسمي الأول.
هكذا قضيت أيام طفولتي وبداية مراهقتي، لكن الأمر أصبح أكثر حرجاً عندما كبرت قليلاً وبدأت بمواعدة الفتيات، ما زلت إلى الآن أذكر أول فتاة تعرفت عليها، وكيف أنّي عندما سألتني عن اسمي، بدأت أفكر في سرّي قبل أن أجيب، أن هناك أشخاصاً بلا أقدام، وأنّي أعرف شخصاً أعمى، و لديّ صديق بلا والدين، فما قيمة مصيبة اسمي أمام تلك المصائب، (طز)، فكرت بذلك خلال ثانيتن واستجمعت كل قواي ونطقت بعدها:
ـ رامي
ندمت بعدها لأسابيع كالعادة، لمَ لمْ أقل اسمي الحقيقي! ثلاثة أحرف صغيرة ناعمة، ما الفرق إن كانت أربعة، لمَ الخجل!. لكنني كررت فعلتي تلك لمرات كثيرة، حتى إن إحداهن استمرت تقول لي: “بحبك حسام”، لمدة سنة، أحببتها كثيراً، ولم أستطع التراجع عن كذبتي حينها، كل حبي لها كان يجني ثمرته حسام. تخلصت من مشكلتي السخيفة هذه بعد سنوات، وإلى الآن أتذكر الأمر وأشعر بغبائي وخجلي السخيف الذي كنت أتصف به، لكن مشكلة أكبر بدأت تواجهني منذ فترة، طوال حياتي لم أحب التقاط الصور الشخصية، وحتى السابعة والعشرين من عمري لم أملك سوى صورتين أو ثلاث لشخصي الكريم.
منذ أكثر من سنة تقريباً، ومع تحولي إلى كائن يعيش وراء الشاشات ومواقع التواصل، ومشاهدة صور الآخرين و”سيلفياتهم”، بدأت العدوى تنتقل إليّ، ولأن رؤية شكلي هي أمر كان نادر الحدوث حتى في المرآة، فقد شكّل الأمر لي صدمة، تجلّت في أنني لم أشعر ولا في صورة، أن هذا الشخص أنا، أو بأنّه يشبهني، ولو قليلاً.
التقطت الكثير من الصور لوجهي بوضعيّات مختلفة دون جدوى، ودائماً كلّما نظرت إلى إحدى الصور، أشعر بالفزع وكأن أحدهم يشير إلى شخص غريب ويقول لي: هذا أنت. أحاول أحياناً أن أعوّد نفسي على شكلي، فأقف أمام المرأة و أتلمس وجهي وأردد بهدوء: “هذا أنت، تآلف مع شكلك، هذا وجهك، هذا أنت بالنسبة للآخرين”.
أردد ذلك بهدوء، لكن قلبي يزداد اضطرابه في كل مرة، والفزع يتملكني أكثر كلما رددت ذلك، فأهرب مبتعداً عن المرآة وأطفئ النور، وأتكوّر على نفسي مغمضاً عينيّ، وكأنني أريد أن أخفي صورتي تماماً، وأهذي كمحموم: “هذا ليس أنا، لا يشبهني، لا أريد أن يكون لي شكل ما”.
كل هذا ليس له علاقة بأي أمور جمالية أو غيره من سخافات، ولكن كيف لشكل ما أن يختصرني بأفكاري وعواطفي وأمراضي وأسراري، مهما كان هذا الشكل فلن يتمكن من أن يشبهني، ويقدم صورة معبرة ومختصرة عني.
دائماً، أتمنى لو باستطاعتي استحضار هذا الشخص الذي يظهر في الصورة إلى الواقع لأقوم بقتله. كان يجب على الأقل أن تكون أشكالنا قابلة للرؤية من قبل الآخرين فقط. وإلى الآن، ما زلت أصاب بالفزع كلما نظرت إلى الشخص الغريب في صوري، وأتمنى أن أتحرر منه كما تحررت من اسمي منذ زمن، من شكلٍ يختصرني..
وأن أكون بلا شكل.. بلا صورة… بلا اسم
كهواء.. كهواء.
المصدر: العربي الجديد – نور دركلي