on
أشرف ريفي: قوة دويلة حزب الله وهم صنعه ضعفنا
وزير العدل اللبناني المستقيل يقول إنه رفض ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة لبنان، ويتحدث عن خيانة وطنية في التعامل مع ملف ميشال سماحة.
يقرأ أشرف ريفي، وزير العدل اللبناني المستقيل، في حوار مع “العرب”، واقع حال المواجهة مع حزب الله، ويؤكد على سلميتها. ويشرح طبيعة الخلاف مع زعيم تيار المستقبل سعد الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق. ويعرض الشروط التي تتيح إمكانيات نجاح إحالة ملف سماحة إلى القضاء الدولي. ويتوقف مطوّلا عند مأزق العلاقة مع السعودية وطبيعته، مطالبا دول الخليج بالتفريق الواضح بين حزب الله واللبنانيين، والإبقاء على دعم اللبنانيين لتمكينهم من مواجهة الخصم المشترك.
بيروت – يسعى وزير العدل اللبناني المستقيل أشرف ريفي من خلال إصراره على الركون إلى منطق المواجهة إلى إعادة تكوين العقلنة وتأمين ظروف العودة إلى السياسة بما تعنيه من إدارة للأزمات وليس صناعتها. ويرى أن الوضع اللبناني الراهن هو نتيجة للسلوك الذي يدافع عن منطق السكوت والمهادنة والذي مكن الطرف الذي يسيطر على مؤسسات الدولة وقرارها من تدمير اقتصاد البلاد وأمنه وعلاقته بالمحيط العربي، والأخطر أنه وضع البلاد أمام خطر التشكيك في هويته العربية التي لم تكن يوما موضع شك وتساؤل.
رفض هذا الانتحار المجاني يؤسس في نظر أشرف ريفي لقيام ورشة عمل تهدف إلى تصحيح الخلل في كل الميادين مهما كانت الصعوبات، بعد أن باتت الاستحالات سمة الحراك العام للحكومة والمؤسسات في لبنان.
كان إقدامه على الاستقالة من الحكومة خطوة غير مألوفة في الوسط السياسي اللبناني الذي لا يستقيل فيه أحد، لأن لا أحد يتحمل المسؤولية، ولأنه تم منذ فترة طويلة إلغاء العلاقة مع مصالح الناس وهمومهم، ومع الرأي العام الذي تعتبر الطبقة السياسية اللبنانية أن لا سلطة له عليها، لأنها لا تعبر عن إرادته، ولكنها تعكس مواقفه المرتعبة من الآخر وحسب.
لغم الاستقالة
في 21 فبراير قدّم أشرف ريفي استقالته من منصبه كوزير للعدل في الحكومة اللبنانية بعد انسحابه من إحدى جلساتها احتجاجا على عدم مناقشة إحالة ملف ميشال سماحة إلى المجلس العدلي، وتزامنا مع إعلان السعودية عن تجميد هبة تسليح الجيش اللبناني.
وأثارت استقالة أشرف ريفي الكثير من التساؤلات، التي أدرجتها في سياقات مختلفة ومتناقضة في بعض الأحيان. اعتبر البعض أنها جاءت انسجاما مع توجه سعودي ينادي بضرورة تعدّد الأصوات في الطائفة السنية، وقال البعض الآخر إنها تهدف إلى تكريس زعامة شعبية لأشرف ريفي الذي فسر لـ”العرب” أسباب هذه الاستقالة وظروفها وأهدافها بوضوح وإسهاب قائلا “استقالتي لم تأت بتكليف من أحد، ولكن توّلد عندي شعور بضرورة أن أستقيل بعد أن أصبحت الحكومة اللبنانية عاجزة حتى عن تقديم حلول للملفات الحياتية الملحة كملف النفايات المطروح منذ سبعة أشهر. لقد وقعنا ثلاثة قرارات يختلف كل منها عن الآخر، ولم نستطع أن ننفذ أيا منها.في مرحلة لاحقة أثرت ملف ميشال سماحة وهو ملف يتعلق بالأمن القومي اللبناني.
وحالت قوى الأمر الواقع دون وضع هذا الملف على طاولة مجلس الوزراء كمرحلة أولى أو على جدول الأعمال. لكن نجحنا عبر ضغط سياسي كبير أن ندرج هذا الملف ضمن جدول الأعمال، لكننا لم نتمكّن من مناقشته، لثلاثة أسابيع متتالية.
أعطيت إنذارا أوليا بالانسحاب. وعندما رأيت أن الأمور تنتقل من تأجيل إلى تأجيل انسحبت، ثم كان صراع حزب الله مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، عندما أساء حزب الله بشكل غير مقبول للمملكة التي تمثل بالنسبة إلينا قبلة سياسية ودينية، لم يكن مسموحا ألا نتخذ موقفا تجاه هذه الإساءة.
يضاف إلى ذلك خروج وزير خارجية لبنان عن الإجماع العربي بشكل غير مسبوق ضمن السياسة الخارجية اللبنانية. بعد ذلك وجدنا أنفسنا أمام مسألة المس بهويتنا العربية لأن هناك من يريد، ليس فقط أن يؤذي العلاقات اللبنانية الخليجية، بل المس بهويتنا. وكان يفترض أن نطلق صرخة كبيرة وأن نقلب الطاولة لنقول إن الوضع ليس سائرا كما يجب، وإننا لن نكون شهود زور على هيمنة حزب الله على مجلس الوزراء، ولن نكون شهود زور على من يمس بهويتنا العربية، أو علاقات لبنان بالدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
إيران لا تستطيع أن تعوض التأثير الخليجي في لبنانبيروت – بعد قرار السعودية تعليق مساعداتها للبنان راجت تصريحات عن أن إيران ستقدم 10 مليارات دولار أميركية لمساعدة لبنان تعويضا عن المساعدات السعودية التي تم تعليقها.
لكن، تقرير لمركز ستراتفور الأميركي للدراسات الاستراتيجية والأمنية، يؤكّد أن لا مجال لتعوّض إيران التواجد السعودي في لبنان بأي سبيل وذلك لسببين رئيسيين هما أن إيران لن تنفق أموالا دون ضمانات عما ستجنيه سياسيا في بيروت، والثقل الاقتصادي الخليجي في لبنان أكبر من أن تعوّضه طهران.
من المناسب سياسيا لإيران أن تقدم وعدا للبنان بدعمه، ومع ذلك، من غير المحتمل أن تقوم بتوفير 10 مليارات دولار من المساعدات التي أعلنت عنها؛ والأكيد هما أن إيران لا يمكن أن تدعم أي خيار يمكن أن يساهم في تقوية المؤسسات العسكرية والأمنية الرسمية في لبنان على حساب حزب الله.
ويخشى الكثير من اللبنانيين اليوم من تداعيات القرار السعودي على عدة مستويات، فمن الناحية الأمنية والعسكرية يحتاج الجيش اللبناني فعلا إلى السلاح وخاصة في ظل الوضع الإقليمي الهش الذي يتطلب تأهب واستعداد المؤسسة العسكرية والأمنية في البلاد كما ينبغي وهو ما كان سيؤمن فيما لو لم يصدر القرار السعودي بوقف الهبة السعودية التي تم وضعها سابقا بمقتضى اتفاق مع فرنسا. والحال أنه لا يمكن هنا التعويل على الجانب الإيراني في هذه المسألة وهو الذي ليس من مصلحته تقوية الجيش الوطني اللبناني الذي قد يتحول بذلك إلى قوة قادرة على تأمين البلاد وتقضي بذلك على حجة حزب الله في احتفاظه بالسلاح.
وقد ذكرت دراسة لمعهد واشنطن للدراسات، أن تدخل إيران في لبنان موجه أساسا إلى حزب الله الذي تموله بقرابة 200 مليون دولار سنويا، فضلا عن الأسلحة والتدريب والدعم الاستخباراتي؛ وبالتالي لن تضع كل هذه المخصصات جانبا، وتحولها بشكل مفاجئ نحو القوى العسكرية والأمنية الرسمية للبلاد.
وعلى المستوى الاقتصادي، تؤكد كل التقارير الوضع الحرج الذي بات عليه الاقتصاد اللبناني، فضلا عن خسارة العملة اللبنانية 25 في المئة من قيمتها في العام 2015، هذا دون أن ننسى ارتباط اقتصاد البلاد عضويا بدول الخليج وخاصة السعودية.
وقد لا تتحمل الخزينة اللبنانية المزيد من النكسات فيما لو واصلت السعودية وحلفاؤها داخل مجلس التعاون الخليجي القطع أو الحد من العلاقات الاقتصادية معه. ولن تستطيع إيران ــ في حال تبنت فكرة دعم لبنان ــ ملء هذا الفراغ.
ويقيم ويعمل في السعودية 300 ألف لبناني من إجمالي نصف مليون في دول الخليج. وبلغت قيمة تحويلات اللبنانيين من دول الخليج سبعة مليارات و500 مليون دولار العام 2015. وتقدر الودائع الخليجية لدى بنك لبنان بـ 860 مليون دولار، بينها نحو 250 إلى 300 مليون دولار قيمة الوديعة السعودية.
وهذه الأرقام تجعل السعودية الأقوى في لبنان وهي التي تعي جيدا أن إيران لن تستطيع بأي حال من الأحوال أن تكون بديلا فعليا على المستوى الاقتصادي، في الوقت الذي تعجز فيه عن إيجاد حلول عاجلة لمجابهة ارتفاع البطالة داخلها وغلاء المعيشة وارتفاع نسبة الفقر في صفوف مواطنيها والتي تحدث عنها الكثير من الخبراء الإيرانيين.
كان لا بد من أن تكون هناك صرخة. لذلك قررت أن أستقيل من الحكومة وألا أكون شريكا فيها، وأن أناضل من خارج إطار مجلس الوزراء ومن خارج الحكومة. في ملف النفايات مثلا، مطلوب أن نقف أمام الشعب اللبناني ونعتذر بشكل كبير لأننا لم نكن على قدر المسؤولية المطلوبة منا”.
العلاقة مع الحريري والمشنوق
اعتبر البعض أن أشرف ريفي يحاول تأسيس تيار معارض لتيار رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، وأنه يسعى في الآن نفسه لضرب حضور وزير الداخلية نهاد المشنوق. يشرح ريفي طبيعة هذا الخلاف ويحدد شكل العلاقة بينه وبين رئيس تيار المستقبل سعد الحريري قائلا إن “العلاقة على المستوى الشخصي مقبولة لكن على المستوى السياسي هناك نوع من التباين أو التمايز بدأ مع ملف ترشيح سليمان فرنجية الذي لم أقتنع به، وليس من الممكن أن أقبل به”.
وبخصوص العلاقة مع وزير الداخلية نهاد المشنوق قال إنها “أيضا جيدة على المستوى الشخصي لكن على المستوى السياسي هناك نقاط خلافية كمسألة موقفه في مجلس وزراء الداخلية العرب حين تحفّظ على قرار المجلس بتأييد تصنيف مجلس التعاون الخليجي لحزب الله تنظيما إرهابيا، حيث أنه كان علينا أن نلتزم بالقرار العربي، وما صدر عن مجلس التعاون الخليجي”.
مشروع الزعامة السنية
يتم تفسير أي موقف بارز يصدر عن شخصية سنية بأنه يهدف إلى تقديم صاحبه بوصفه مشروع زعامة سنية. يعرض ريفي علاقته بهذا العنوان ويقرأ معانيه في حاضر اللحظة معلنا “في وضع مثل لبنان التسويات مطلوبة لكنها لا تكون على حساب المبادئ الأساسية. أساوم على أمور ثانوية وهامشية ويومية، ولكن لا أساوم على أمور استراتيجية. هناك أمور ليست قابلة للتسوية. رفع النفايات ليس أمرا قابل للتسوية، والمحاكمة العدالة ليست أمورا قابلة للتسوية.
لقد طالبنا بالعدالة من القضاء الدولي لقتلة الرئيس رفيق الحريري، واليوم من غير الممكن أن أقوم بتسوية على هويتي، أو على علاقة لبنان بالدول العربية وبالمملكة العربية السعودية. أنا أحمل قضية، سواء كنت في موقع رسمي أو غير رسمي.
لقد نجحت ضمن موقعي في قوى الأمن، حيث كنت صامتا، في نقل قوى الأمن من قوى أمن تقليدية إلى قوى أمن حديثة ومتطورة على جميع المستويات الأمنية العالمية، لأنني أؤمن بالدولة وأسعى للدولة في مواجهة الدويلة. عندما أحقق هدفي أو غايتي أو قضيتي أسلم الراية للجيل التالي، لا أسعى لمنصب معين بل لتحقيق القضية التي آمنت بها والتي أحملها. أنا صاحب قضية، وأقاتل من أجلها بشراسة وبشكل حضاري وليس قتالا ميليشيويا أو مسلحا، فأنا أؤمن بالبندقية الشرعية فقط لا غير”.
حزب الله اكذبة كبيرة
لريفي نظرية أمنية وسياسية يرد بموجبها تغول حزب الله إلى ضعف ردود الأفعال على سلوكاته وليس إلى قوته الذاتية. يشرح نظريته هذه قائلا “إذا كان خصمك ليس قويا وكانت معنوياتك منخفضة، فلا يعني ذلك أنه أصبح قويا. الأمور في هذا المجال هي نسبية تماما. خلال عملي في الأمن أدركت قدرات حزب الله وقوته، ويجب ألا تسودنا حالة الرعب من امتلاك حزب الله مقومات قوة.
أنا قلت إن حزب الله كذبة كبيرة ووهم، ضعفنا هو من قوّى حزب الله. لا أقول إنني أريد أن أسلح. لا أؤمن بالسلاح غير الشرعي لكنني أؤمن بسلاح الموقف، ضمن إطار ينسجم مع أدبيات إخواننا الشيعة الذين يقولون إن الدم ينتصر على السيف. الموقف ينتصر على سلاح حزب الله ومن المهم أن نؤمن بقضيتنا وأنفسنا. هنا نستطيع أن نطلب إقامة دولة فيها تكافؤ بين المواطنين ومساواة في الحقوق والواجبات، دون أن يكون لدى أحد نظرة دونية للآخر انطلاقا من امتلاكه للسلاح. هذا السلاح لا ينفع داخليا ويمكن موازنته بالموقف، وإسقاط أوهام حزب الله. نحن ندافع عن أمور طبيعية، كأن تدافع الدولة وحدها عن مواطنيها، وأن نعيش معا، وأن نكون مواطنين على طاولة مشتركة.
كل دول العالم التي كان فيها سلاح غير شرعي، سقطت فيها القوى التي تتبناه. أغلب الأحزاب الموجودة في السلطة اليوم كانت مسلحة ثم سقطت لصالح السلاح الشرعي. في اتفاق الطائف استثني سلاح حزب الله تحت عنوان المقاومة. عندما ارتد سلاحه على الداخل سقط كمقاومة، وعندما ارتد على الدول العربية مباشرة أو سواء عبر التدريب أو التخطيط، أصبح هذا السلاح سلاحا إجراميا وقاتلا”.
ملف سماحة أمام القضاء الدولي
وكانت المحكمة العسكرية في بيروت أصدرت حكما مخففا على ميشال سماحة على الرغم من أنّه اعترف بالصوت والصورة بنقل متفجرات من دمشق لتنفيذ عمليات اغتيال في لبنان. وبعد تمضية أربع سنوات في السجن أطلق سراح سماحة المحسوب على تيار الثامن من آذار.
وقد تسبب إحكام حزب الله سيطرته على المحكمة العسكرية في تمييع ملف ميشال سماحة، ومنع إحالته إلى المجلس العدلي، ولكن أشرف ريفي لا زال يصر على محاسبة ميشال سماحة عبر فتح مسار قضائي دولي، يستفيد من جنسية سماحة الكندية ومن الإمكانيات القانونية المتاحة في كندا وفي غيرها من الدول.
وقد تقدّم ببلاغ في 19 فبراير 2016 إلى المدعية الجنائية الدولية فاتو بنسودا طالبا التحقيق في قضية سماحة التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة الدولية، وفقا للمادة 15 من نظام روما الخاص بالمحكمة، بعد أن ثبت له عدم وجود إرادة محلية لتحقيق العدالة في هذه القضية.
ويعرض ريفي لهذا المسار ويشرحه قائلا “كنت أفضل لو قام القضاء اللبناني بواجباته، لكنني أقول بأسف إن لبنان حين عدلت صلاحيات المحكمة العسكرية عام 58 أعطيت الجرائم الإرهابية والجرائم الكبرى للمحكمة العسكرية استثنائيا، ولا يزال هذا الأمر ساريا حتى اليوم.
كان لدينا خيار آخر هو إحالة القضية إلى المجلس العدلي الذي يوجد فيه خمسة قضاة من نخبة قضاة لبنان. لكن المجلس العدلي، يحاكم على درجة واحدة وهذا أمر يجب تعديله لأنه قائم على عكس ما هو سائد في معظم دول العالم، إلا أن المنظومة القانونية الموجودة فيه تجعله أفضل كيان قضائي لبناني. وكنا نطالب بإحالة الملف إلى المجلس العدلي ولم نتمكن من ذلك. هنا وجدت ثغرة معينة تسمح بإحالة ملف سماحة إلى القضاء الدولي، كونه يحمل الجنسية الكندية، واتفاقية روما تسمح بمحاكمة أي جريمة تقع على أراضي دولة عضو في اتفاق روما، أو أي مجرم يحمل جنسية إحدى الدول الموقعة.
توجهنا إلى المدعية العامة للمحكمة الدولية، وتوجهنا إلى المدعي العام الكندي لنطلب منهم استخدام إمكانية محاكمة سماحة في المحكمة الجزائية الدولية، لأن المحاكمة في لبنان لم تكن عادلة أو مقبولة وكأن الهدف منها كان حماية المجرم الإرهابي.
هناك حظوظ عالية بأن تقبل كإخبار. المسار طويل ولكن كان واجبا اللجوء إلى أي طريقة. آسف أننا، نتيجة لقوى الأمر الواقع، عجزنا أمام القضاء اللبناني، فلجأنا إلى القضاء الدولي، تماما كما كان الحال مع محاكمة الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث لجأت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة إلى القضاء الدولي.
لا يمكن أن أستهين بملف ميشال سماحة الذي يعني أمن أي مواطن لبناني حر ومستقل. هذا الملف نفذته بكل جرأة مع وسام الحسن، وبكل شجاعة، وكان مطلوبا أيضا أن نقوم بمحاكمة عادلة وموضوعية ومقبولة ووطنية. وقد قلت بئس هذا الزمن الذي يتآمر فيه قاض على الأمن الوطني، ويتآمر فيه ضابط على الأمن الوطني. هناك خيانة وطنية في ملف ميشال سماحة، وبكل أسف أنا أفاخر أنني كنت لوحدي ولا زلت وحدي مع قناعاتي وواجباتي الوطنية”.
المواقف السعودية من الجيش
تصاعدت المواقف السعودية من المؤسسات اللبنانية العاجزة عن اتخاذ قرارات تنسجم مع المحيط العربي عموما والسعودية خصوصا، ووصلت إلى حدود اعتبار مؤسسة الجيش واقعة تحت سلطة حزب الله، وتاليا سحب الهبات التي كانت تنوي تقديمها إليه خوفا من وصولها إلى حزب الله الذي بات مصنفا كحزب إرهابي بالنسبة للدول الخليجية. هذا الواقع المستجد فرض قراءة مختلفة للواقع اللبناني، وكيفية استجابته لهذا التحدي الذي يهدد علاقته بأوسع حاضنة سياسية واقتصادية له.
يعتبر وزير العدل البناني المستقيل أنه “عندما يدرّب حزب الله مقاتلين في العراق والبحرين وسوريا ويرسل مقاتلين للقتال في سوريا واليمن، فإنه من غير الطبيعي أن يتم السكوت عن هذا الأمر. الدول العربية غضت النظر واعتبرته صبر الحليم. لكن هذا الغضب كان لا بد منه، والخصم كان عليه أن يتوقع هذه الانتفاضة. التطاول على السعودية من قبل أمين عام حزب الله حسن نصرالله لم يعد مقبولا السكوت عنه نهائيا، ونحن نتفهم موقف الرياض، لكن في الوقت نفسه، نطلب من السعودية ألا تضع جميع اللبنانيين في السلة نفسها.
لقد قدمنا اعتذارا للمملكة العربية السعودية، ونعترف أن هناك خطأ ارتكبه أحد اللبنانيين المنتمي إلى مجموعة تابعة لحزب الله. لكن في نفس الوقت لا نتحمل مسؤولية هذه الأفعال، بل إننا نستنكرها. والسعودية لا تضع الجيش اللبناني في الموقع نفسه الذي تضع فيه من أساء إليها، وهي محقة عندما تقول إن قوى الأمر الواقع تفرض على بعض المؤسسات اللبنانية بعض الإملاءات، ويجب على الجيش اللبناني أن يقوم بدوره كجيش وطني دون أن يتأثر بأي جهة.
ليس خافيا أن لحزب الله، المدعوم من إيران، هيمنة كبيرة على بعض المؤسسات على غرار المحكمة العسكرية، التي تتبع وزارة الدفاع. وهناك بعض المؤسسات التي لم تخرج عن هيمنة المخابرات السورية وقوى الأمر الواقع التي زرعت حين كان النظام السوري قابضا على قرار لبنان.
لقد تمكن هذا الفريق من التغلغل في المؤسسات وإخراجه منها ليس سهلا، ويحتاج نضالا طويلا. في قوى الأمن الداخلي عندما كنت واللواء وسام الحسن (رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي الذي تم اغتياله في أكتوبر 2012) في لبنان نجحنا في أن نشكل سدا منيعا أمام محاولة اختراق حزب الله لشعبة المعلومات، وكنا نعمل للدولة دون أن نهاب أو نضعف أمام الدويلة.
نقول للسعودية ولكل الدول الخليجية والعربية إن لبنان ليس ساحة “ساقطة” كليا بيد حزب الله. نعم هناك واحات للسموم، ولكن هناك أماكن أخرى فيها أشخاص يؤمنون بعروبتهم ولبنانيتهم، ومشروع الدولة والعيش المشترك.
يجب أن نراهن أن لبنان في النهاية لن يصبح ملحقا بالمشروع الإيراني. نتمنى على المملكة العربية السعودية التي ننظر لها كدولة شقيقة كانت ضامنة لاتفاق الطائف، واستقرار لبنان والعيش المشترك فيه، أن تتأكد أننا صامدون في مواجهة المشروع الفارسي، ومشروع الدويلة لصالح المشروع اللبناني وصالح تمكين الهوية العربية للبنان”.
تأثيرات خيارات المواجهة
يعتبر أشرف ريفي أن خيار المواجهة الذي اعتمدته السعودية، وأسست بناء عليه حلفا عربيا وإسلاميا واسعا، من شأنه أن يعيد صياغة الواقع الميداني والسياسي في المنطقة.
ويعرض لوجهة نظره حول هذا الموضوع قائلا “الكل يعرف أن هناك مناورات عسكرية تضم مئات آلاف الجنود في حفر الباطن، وهي تندرج تحت عنوان رعد الشمال التي سيكون للقوى المشاركة فيها دور كبير في محاربة تنظيم داعش.
لا يستطيع الإيراني أن يواجه تنظيم الدولة الإسلامية لأنه أحد أهم أسباب انتشاره، والمساهم الرئيسي في خلقه من خلال استفزاز بيئة معينة، أو عبر دوره المباشر في خلق التطرف، ومن خلال دعمه لأنظمة توتاليتارية كنظام بشار الأسد. ما يمكن أن يعيد الأمور إلى نصابها ويؤمن اقتلاع داعش هو جيش التحالف الإسلامي العربي.
النشأة الأولى لداعش كانت من سجون سوريا والعراق، ثم بدأ هذا التنظيم يكبر تدريجيا حتى بات شبيها بشركة أسهم تابعة لأجهزة المخابرات. كل استفزاز مذهبي يساعد في تغذية التطرف. ولا أحد يرفض هذا التطرف بقدر ما يرفضه المسلمون السنة، وهم الوحيدون القادرون على إعادة الأمور إلى نصابها، لكن هذا الأمر لن ينجح بوجود المشروع الإيراني الذي يجب أن نقتلعه من ساحاتنا العربية.
المملكة العربية السعودية لها دور عسكري وديني كبير. وارتدادات التدخل السعودي ستكون لها انعكاسات إيجابية مباشرة على كل المنطقة، لأنها ستطوق المشروع الإيراني فيها”.
رسالة إلى الرياض وبيروت
يختم ريفي حديثة لـ”العرب” بنداء يوجهه إلى السعودية والدول العربية يقول فيه “أتوجه إلى أخواننا العرب وإلى السعودية ودول الخليج لأقول إن كل الإساءات التي صدرت من بعض الأطراف اللبنانيين هي مدانة، ونقدم اعتذارا كبيرا للمملكة العربية السعودية وكل الدول العربية التي أسيء إليها سواء بالكلام أو بالفعل.
أؤكد أننا صامدون ندافع عن كياننا وهويتنا ووجودنا بشكل واضح. بالمقابل أتوجه إلى اللبنانيين وأقول إن لبنان يستطيع أن يضم جميع أبنائه سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، سنة أو شيعة، دروزا أوعلويين، على قاعدة العدالة والمساواة في كنف الدولة، وإنه لا مكان للدويلة، وإن غدا لناظره قريب”.
العربشادي علاء الدين