‘محمد برهومة يكتب: الفيدرالية السورية’

11 مارس، 2016

محمد برهومة يكتب: الفيدرالية السورية – مدار اليوم آخر الأخبار

محمد برهومة

التداعيات والمخاطر المحتملة المخيفة لمشروع روسيا بشأن فيدرالية سورية، تجعل الأصوات تتصاعد محذرة من المسّ بالجغرافيا التي أرستها معاهدة “سايكس-بيكو” قبل مائة عام. وبالتأكيد أن صعود تنظيم “داعش” في العراق وسورية، منذ عامين على الأقل، مثّل ضربة للمعاهدة الأكثر شهرة ومؤامراتية في الشرق الأوسط. وبالتأكيد أيضا أن عودة سورية إلى ما كانت عليه قبل العام 2011 أُمنية صعبة التحقق قبل عقدٍ من الآن. لكنّ الطرح الفيدرالي الروسي يذهب إلى إنتاج جغرافيا سياسية تقطع الصلة كلية مع “سايكس-بيكو” ولا تقوم بتعديلات طفيفة عليها فقط.
الجغرافيا السياسية التي ترغب موسكو في إرسائها في سورية بقوة الضربات الجوية، تلامس وتراً حسّاساً لدى الأكراد والعلويين من موقعين مختلفين لكلّ منهما. فإذ نشاهد صعوداً وانتعاشاً للهوية الكردية وأحلام الاستقلال وبناء كيانية على جغرافيا أغنى في الموارد والسكان والأرض، نرى أنّ مقترح أو مخطط موسكو لفيدرالية سورية يُقدَّمُ إلى العلويين كطوق نجاةٍ بعدما استنزفت حرب السنوات الست في سورية أبناء الطائفة العلوية، وأفنت طيفاً واسعاً من شبانها. ولا أدري إن كان ثمة مبالغة في القول إن العلويين سينظرون، ربما، إلى مقترح الفيدرالية بوصفها “غيتو” يحميهم ويمنع تقلّصهم واستنزافهم وخسارتهم، فيما سيستقبلها الأكراد بوصفها نتاجاً لصلابتهم وقوتهم المتصاعدة، ومحضهم من قبل الأميركيين والروس على حدّ سواء الدعمَ والإسناد والاعتراف بهم كشركاء أساسيين، والاستثمار فيهم إلى درجة عدم الاكتراث الأميركي بانزعاج أنقرة من تنامي هذا الاستثمار، وتقصّد موسكو إزعاجها عبر هذه الشراكة، التي أجهضت المنطقة الآمنة شمال سورية، وجعلت الصراع التركي-الكردي اليوم ينتقل إلى مرحلة جديدة ستتضح معالمها أكثر فأكثر إن قُيّض لمشروع الفيدرالية الجديد أن يرى النور، وهو احتمال واردٌ في ظلّ صمتٍ أميركي ملتبسٍ يُسهّل على بعضهم الاستنتاج المجانيّ والحديث عن “تفاهم أميركي-روسي” على إعادة رسم الخرائط وتعديل أوزان المكونات وإبعاد السنّة إلى جغرافيا أقل استراتيجية ونفوذاً وتأثيراً.
هي وصفة للتدمير الذاتي، وإذا صحّ هذا الاتهام فإن تاريخ المنطقة يُذكّر بأنّ مشاريع الوحدة العربية القسرية التي تمتْ قبل عقود عُنوةً ومن دون ظروف كافية للنجاح أورثت أهل المنطقة مزيداً من المآسي والخيبات والتخلّف والضياع والعنف والتمزق، فكيف بمشاريع إعادة تقطيع “سايكس-بيكو” بالدم وغارات “السوخوي” والتشريد والقهر والصمت الأميركي على إعادة هندسة الديمغرافيا والاجتماع والخرائط بطريقة تؤبّدُ “الهويات القاتلة”، وفق تعبير أمين معلوف، وتُبقي براميل البارود مشتعلة في سورية وجوارها (…) إلى سنوات مديدة!بالطبع، النواح لا يفيد. ومن المهم، على الأقل، بلورة رؤية عربية لقيادة جهد دبلوماسي وبناء خطوات وشراكات على الأرض تستهدف إقناع القوى الدولية بأن الاستعجال بفرض الحلول المشوّهة في سورية سيضرّ بالأمن الإقليمي والدولي ويُحفّز نوازع العنف والكراهية والإرهاب، ويستنزف موارد الجميع في سعيهم لمحاصرة ألسنة النيران ووقف الكارثة.

المصدر: الغد

مقالات مشابهة

x
‎قد يُعجبك أيضاً

ارسل عبر الواتس ابميشيل كيلو في واحدةٍ من جلسات هيئته العامة التي …

أخبار سوريا ميكرو سيريا

11 مارس، 2016