on
«نصائح» للنظام والمعارضة بمفاوضات «جديّة» في جنيف واختلاف بين دمشق وموسكو حول «سوريي النصرة»
تبلغت الحكومة السورية والمعارضة من حلفائهما بضرورة الذهاب إلى جنيف مستعدين للتفاوض على «القضايا الجوهرية» بدءاً من تشكيل «حكم تمثيلي غير طائفي» وسط بوادر ظهور شقوق بين موسكو ودمشق وبروز موقف مرن من روسيا تمثّل في وضع «جبهة النصرة» في المنطقة الرمادية للإفساح في المجال لعناصرها السوريين بالانضمام إلى الهدنة مع الاستمرار في العمل مع أميركا لتطوير «وقف العمليات العدائية» إلى وقف دائم للنار.
ووفق المعلومات، فإن «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة تبلّغت «نصيحة» من حلفائها بضرورة عدم عقد اجتماع طارئ لبحث قرار المشاركة في المفاوضات، بل الذهاب إلى جنيف وبحث هذا الأمر وموضوع تركيبة الوفد التفاوضي قرب مقر الأمم المتحدة.
وكانت اتجاهات عدة برزت بين اعضاء «الهيئة العليا» الثلاثين، يمكن تلخصيها في اتجاهين: الأول، يرفض الذهاب إلى جنيف قبل وصول الخروقات في الهدنة إلى صفر ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة والتمسك بتركيبة الوفد المفاوض برئاسة العميد أسعد الزعبي وبقاء ممثل «جيش الاسلام» محمد مصطفى علوش «كبير المفاوضين». وضمّ هذا الاتجاه ممثلي فصائل مقاتلة واعضاء في «الائتلاف الوطني السوري» ويعبّر عنه المنسق العام لـ «الهيئة» رياض حجاب. الاتجاه الثاني، ضم مستقلين وأعضاء في «هيئة التنسيق الوطني» وبعض «الائتلافيين» ويدعو إلى تغيير في تركيبة الوفد بحيث يشمل خبراء مختصين في شؤون التفاوض و «تنحي» الشخصيات الاشكالية، بحيث يذهبون إلى جنيف للدخول في مفاوضات جوهرية على أساس وثائق تتعلق بدستور جديد والعمل على تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة بموجب «بيان جنيف».
وأمام هذا المشهد تبلّغ اعضاء «الهيئة» النصيحة بالذهاب إلى جنيف قبل الاثنين المقبل، الأمر الذي ينطبق ايضاً على نقل الخارجية الروسية «نصيحة» إلى دمشق كي يذهب الوفد برئاسة السفير بشار الجعفري مستعداً للدخول في مفاوضات جوهرية لتنفيذ القرار ٢٢٥٤. وكان معارضون تحفظوا عن عضوية رجل أمن له علاقة بالعمليات العسكرية في دوما (الغوطة الشرقية)، لكن لم تتبلغ الأمم المتحدة أي تغييرات في وفدي الحكومة والمعارضة. ويتوقع أن تكون هذه الأمور ضمن النقاط التي سيتحدث عنها وزير الخارجية السوري وليد المعلم في دمشق في الساعات المقبلة.
ويراهن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا على إيصال وفدي الحكومة و «الهيئة» والشخصيات المعارضة والمدنية خلال عشرة أيام من التواجد في جنيف إلى بحث البنود الثلاثة على جدول الأعمال، وهي: «الحكم، الدستور الجديد، والانتخابات البرلمانية والرئاسية خلال ١٨ شهراً». وبدا واضحاً أن موقف دمشق واضح من البندين الأولين، إذ إنها تريد «حكومة وحدة وطنية» بضم شخصيات معارضة، إضافة الى تعديل الدستور الحالي بموجب اضافات يحملها الوفد معه الى جنيف.
هنا، يبرز الخلاف مع موسكو، التي ترى ضرورة توسيع مروحة الأفق السوري ليكون أوسع من «حكومة وحدة» وبالذهاب الى اعلان مبادئ دستور. وعقدت في الأيام الماضية اجتماعات غير علنية تبحث في صيغ مختلفة لإعلان المبادئ للدستور كحل وسط بين اقتراح النظام الحفاظ على دستور العام ٢٠١٢ وتمسك المعارضة بدستور جديد. كما بدأت القاعدة العسكرية الروسية في اللاذقية باستضافة معارضين مقبولين من النظام، وتحدثوا عن تعديل الدستور والحل السياسي.
كما برز خلاف آخر بين موسكو ودمشق، يتعلق بالانتخابات البرلمانية المقررة في ١٣ الشهر المقبل. إذ إن دمشق ترى أنها ضمن الإطار الدستوري السوري، فيما يرى الجانب الروسي أنها تتناقض مع «خريطة الطريق» المقترحة في القرار ٢٢٥٤، إذ إن موضوع الانتخابات البرلمانية والرئاسية خاضعة للتوافق بين النظام والمعارضة. لكن موسكو لم تصل بعد الى مستوى تظهير انزعاجها من قرار دمشق إلى العلن.
على الضفة الأخرى، تتمسك «الهيئة التفاوضية» بمبدأ تشكيل «الهيئة الانتقالية»، لكن خلافاً ظهر بين أطرافها، إذ بعدما رأى الناطق باسمها سالم المسلط امراً ايجابياً في اقتراح دي ميستورا أجندة تضم تشكيل «حكم تمثيلي»، اتخذ «الائتلاف» أمس موقفاً آخر. إذ أفاد في تصريح لمسؤول فيه أن تصريحات دي ميستورا عن «تشكيل حكومة وحدة وطنية في سورية» تُعتبر «انقلاباً سياسياً على كل مرجعيات المفاوضات»، مذكراً بأن «إعلان جنيف نص صراحة على تشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة تضم ممثلين عن المعارضة وشخصيات من النظام ليست ضالعة بعمليات القتل».
في موازاة ذلك، يستمر التقدم البطيء في ملف المساعدات الانسانية، اذ قال يان إيغلاند الذي يرأس فريق العمل الدولي إن الأمم المتحدة سلمت مساعدات إلى عشر من بين 18 منطقة محاصرة في سورية في الأسابيع الأربعة الماضية وتعمل للتغلب على المعوقات والوصول إلى المناطق الباقية. لكن الشكوى الدولية لا تزال من بطء منح المساعدات الى قوافل الأمم المتحدة وإن كانت دمشق خفضت الجهات التي يجب ان توقع على الطلبات أو أنها سعت الى «اغراق» الامم المتحدة بموافقة تفوق طاقتها التنفيذية.
وبرزت مدينة داريا في جنوب غربي دمشق ملفاً رمزياً. وعلى رغم اعلان دي ميستورا ان قوافل المساعدات ستدخل اليها، فإن تقدماً لم يحصل، بل انها تتعرض لقصف عنيف وإلقاء «البراميل». وقال المسلط، الذي لاحظ تراجعاً في خروقات الهدنة، انه يجب رفع الحصار عن داريا لأن هذا «هو ليس شرطاً بل سيمهد الطريق لبدء هذه المفاوضات».
وفي الملف العسكري، يدفع الأميركيون والروس والأمم المتحدة باتجاه تطوير اتفاق «وقف العمليات القتالية» حيث ترأست الأطراف الثلاثة مساء أول من أمس، اجتماعاً لمجموعة العمل بحضور ممثلي دول «المجموعة الدولية لدعم سورية». ودفعت دول غربية إلى تطوير آلية الرقابة على الاتفاق، اضافة الى تطوير آلية حل الخروقات الحاصلة في الاتفاق. وإذ اقترحت دولة غربية «آلية اميركية – روسية» لمعالجة أي خرق، بدا أن الجانب الروسي يشترط التنسيق بين الجيش الأميركي والروسي لتشكيل هذه الآلية، الأمر الذي لا تزال واشنطن تفضّل عدم الوصول اليه. كما أن روسيا تضع أولوية موضوع فصل الشمال السوري عن تركيا لوقف الامدادات للمعارضة.
وفيما وزعت وزارة الدفاع الروسية خريطة للمناطق غير المشمولة باتفاق الهدنة، لوحظ ان الدول الغربية تقصدت عدم تقديم خريطة مقابلة «بسبب الخوف من أن يعطي ذلك شرعية لروسيا لقصف المناطق المستثناة»، وفق مسؤول غربي. وقال: «نفضل أن تبقى الأمور في المنطقة الرمادية». لكن اللافت انه اتفق مع مسؤولين آخرين على ملاحظة ان الطيران الروسي خفف قصف مناطق لـ «النصرة» التي انسحبت من مناطق عدة في ريف ادلب، شمال غربي سورية.
وبدا أن موسكو «أرادت إعطاء فرصة للعناصر السورية في جبهة النصرة للانضمام الى الهدنة»، وفق المسؤول الذي أشار أيضاً الى ان هذا كان أحد الأسباب في عدم تشميل روسيا «جيش الاسلام» و «حركة احرار الشام» في قائمة التنظيمات الإرهابية. وهذا شكّل خلافاً آخر بين موسكو من جهة ودمشق من جهة أخرى، إذ تعتبر الأخيرة «كل من حمل السلاح ضد الدولة ارهابياً». لكن لا تزال موسكو تقدم الغطاء الجوي للقوات النظامية لتحقيق «تقدم استراتيجي» في نقاط معينة، الأمر الذي يعقّد على الفصائل الإسلامية «إعادة التموضع» والابتعاد من «النصرة» والمتطرفين.
الحياة