جمال خاشقجي يكتب: قرع طبول الحرب من أجل السلام



جمال خاشقجي

منظر مهيب، ذلك الذي امتد فوق رمال صحارى شمال السعودية، في ختام مناورات “رعد الشمال” الخميس الماضي التي ضمت قوات 20 دولة إسلامية، وقد اجتمعوا وقادتهم في لحظة نادرة حول العاهل السعودي الملك سلمان. هيبة الصورة، دوي المدافع، هدير الدبابات، أزيز الطائرات، تجعل المراقب يشطح بفكره، يرسم ملامح حرب وسلام في المنطقة، ولكن لا بد من التأني، فالمملكة لا تحب المغامرات ولكنها تعشق الحزم.

استعجل البعض فجعل من هذه القوات «تحالفاً إسلامياً» يستعد للتدخل في سورية، وذهب آخر إلى أنها نواة لجيش إسلامي دائم، وثالث ربط بينها وبين التحالف العربي في اليمن، ولكنها ووفق بيان صدر عن قائد المناورة الفريق عبدالرحمن البنيان، وهو أيضاً رئيس الأركان السعودي، تهدف إلى «التدريب على التعايش ومحاكاة جميع الظروف المشابهة للحرب الفعلية، وتحقيق مبدأ القيادة والسيطرة للدول المشاركة في التمرين، والعمل تحت قيادة موحدة مشتركة، وتخطيط وتنفيذ وتقييم العمليات العسكرية في الحروب النظامية وغير النظامية».

إذاً هي مناسبة تعارف بين جيوش إسلامية مختلفة، ذات عقائد عسكرية متعددة، لم يتسنَّ لبعضها التلاقي إلا في هذا الظرف، وهذا بحد ذاته إنجاز عظيم، وقد يكون نواة لـ “ناتو” إسلامي، ولكن من الخطأ التعجل والقول إن هذا التحالف قد حصل. ثمة الكثير الذي ينبغي فعله قبل ذلك، ولكن من استطاع جمع المصري والتركي في حفر الباطن وعلى رغم خلافاتهما السياسية، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، طوال الشهر الماضي، يستطيع جمعهما مرة أخرى، بل ربما يطرأ ظرف يجمعهما وغيرهما بأسرع مما نتوقع. لنتذكر أننا نعيش في الشرق الأوسط حيث تسقط دول وأخرى تريد الصعود مكانها أو على بعضها.

تحدّث الفريق البنيان في كلمته عن «الحروب النظامية والحروب غير النظامية» ونحن لدينا الكثير من الاثنين، بين ما هو واقع فعلاً وما هو محتمل. سيذهب البعض إلى أن التمرين ضد «داعش». قد يكون كذلك، وقد يأتي يوم نجد قوات عربية وإسلامية هناك، وقد صرحت السعودية والإمارات وتركيا بأنها قد تمضي إلى سورية إن توافرت الظروف الدولية لذلك، وربما هي من سيصنع الظروف الدولية.

آخر يقول إن التمرين والحشد لحماية السعودية، وبلاد الحرمين تستحق الحماية والمساندة من المسلمين كافة، وخصوصاً أنها تقود المنطقة في عمل نبيل، كل من حضر مناورات حفر الباطن يوافقها عليه، هي لا تريد الاعتداء على أحد إنما محركاتها ثلاثة، وكلها صحيحة سياسياً وأخلاقياً، أولها إنهاء حالة الفوضى السائدة في بعض دول المنطقة، وثانيها هزيمة “داعش” وليس مواجهته فقط ومنعه من التمدد. إنه لا يستحق الحياة لا كفكرة ولا كدولة، والمعني بهزيمته أولاً هو المسلمون، إذ يتعارض مع دينهم وقيمهم، أما ثالث محركاتها فهو وقف التغول الإيراني في المنطقة. لا أحد من الدول العشرين يريد الحرب مع طهران بما في ذلك المملكة، ولكن لا أحد أيضاً يريد استمرار مغامراتها، ولعل هذه التظاهرة الحربية في شمال السعودية وعلى بعد أميال من جنوب العراق والذي بات إيرانياً ويا للأسف! تكون رادعاً، يمنع الانجرار لمغامرة الحرب وفق مبدأ «الاستعداد للحرب يأتي بالسلام»، ولا بد أن الرسالة وصلت لطهران وهي ترى هذا الحشد غير بعيد منها، وحسناً فعل وزير الخارجية السعودي أن صرح قبل المناورات بيوم قائلاً: «طهران في نهاية الأمر دولة مجاورة مسلمة لها تاريخ وحضارة عريقة، الشعب الإيراني صديق، لكن السياسات التي تتبناها الحكومة الإيرانية بعد ثورة الخميني عدوانية». رسالة سعودية أخرى، تخفف من صوت دوي المدافع.

وعلى رغم أن «رعد الشمال» مكون واحد بين مكونات السياسة السعودية الحديثة، فإن البعض يخلط بينه وبين المكونات الأخرى، وبالتالي لا بد من الفصل بينها وإن اجتمعت في ما يمكن تسميته «سياسة الحزم السعودي» وهي أربعة.

أولها «التحالف العربي الخليجي» الذي يقود عملية “عاصفة الحزم” في اليمن لإعادته إلى مساره السياسي الذي انحرف عنه إثر انقلاب دولة علي عبدالله صالح العميقة والحوثيين وبرعاية وتدخل إيراني. ثانيها «التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب»، الذي أعلنه ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وهو ليس بجيش مشترك كما وصفه البعض وإنما «غرفة عمليات لتنسيق ودعم الجهود لمحاربة الإرهاب في جميع أقطار وأنحاء العالم الإسلامي، وستساهم كل دولة بحسب قدراتها» كما وصفه ولي ولي العهد، وقد يعقد أول اجتماعاته هذا الشهر. أما ثالث المكونات، فليس له اسم بعد، ولكن تمكن تسميته «العملية السورية»، وهذه متداخلة أكثر مع التحالف الدولي لمحاربة “داعش” والذي يضم دولاً غربية عدة، وقد عقد آخر اجتماعاته في بروكسيل أوائل شباط (فبراير) الماضي، وبينما تتعاون المملكة مع هذا التحالف فإن أجندتها أوسع من مجرد محاربة “داعش”، إلى السعي لإسقاط رئيس النظام السوري بشار الأسد نفسه، وإخراج إيران من سورية، وتمكين السوريين من نيل حريتهم، إذ ترى أن بقاء بشار في السلطة ومعه الإيرانيون هو أحد أهم أسباب ظهور “داعش” وبقائه.

المكون الرابع، هو مناورات “درع الشمال”، التي اختتمت الخميس الماضي، ولكن لم يتضح بعد إذا كان بعض القوات أو كلها سيتحول إلى حالة وجود دائم، للاستجابة لكل الاحتمالات في منطقتنا المضطربة والتي أشار إليها الفريق البنيان في كلمته.

ميزة توزيع «سياسة الحزم السعودي» إلى هذه المكونات الأربعة أعطى المملكة القدرة على توظيف علاقاتها، وصداقاتها، وتحالفاتها، وموقعها القيادي الإسلامي بجمع قوى مختلفة، الديموقراطي منها الذي لا بد أن يعود إلى برلمانه كلما عزم على أمر، والعسكري الذي يملك قرار بلاده منفرداً، وذاك المستعد أن يتعاون معها في اليمن ولكن لن يفعل في سورية، وآخر تهمّه الأخيرة أكثر من الأول.

الخبر الجيد أن هذه السياسة بدأت تثمر، ففي اليمن انفراجة، بتهدئة بين المملكة والحوثيين في منطقة الحدود السعودية – اليمنية، يمكن للحوثيين أن يلجوا منها إن جنحوا للسلم، فتحصل السعودية ومعها كل اليمن بالسلم ما يمكن أن يحصلا عليه بالحرب. وفي سورية، ثمة أمل بانعقاد مؤتمر جنيف يدشن عملية انتقال للسلطة بتدافع سلمي وضغوط ديبلوماسية، بعد عودة الأميركيين (تقريباً) الى الساحة ليوازنوا الموقف الذي اختلّ بتدخل الروس العنيف، باتفاق أبرموه معهم لوقف عملياتهم العدائية، ليعود الشعب السوري لثورته السلمية ويهتف كل جمعة «لسّا بدنا حرية».

يمكننا الآن ومن حفر الباطن، ومن بين دخان المدافع وهدير الدبابات، التفاؤل بأن ثمة ضوء سلام في نهاية النفق الطويل.

المصدر: الحياة

أخبار سوريا ميكرو سيريا