دراسة هامة حول جاذبية داعش

بعيداً عن حالةِ التسطيح التي لازمت المحاولات التفسيرية لظاهرة داعش، والتي توافقت مع رغبةٍ في جعل ظاهرة مركَّبة كهذه جسراً سهلاً وحجراً صُلباً يُرمَى به العالم الإسلامي وإنسانِه المُسلم بصنوف المقولات والاتهامات الجاهزة التي تُسهّل عمليّة تصفية طموحاته في تحقيق كيانه وإنسانيته “المستلَبة” وتحرير إرادته بإعطائهِ الحقَّ في تقرير مسارهِ ومصيره. فإنَّه لا بدَّ من الوعي بجذور وديناميكيات هذا المأزق الكياني والحاجة الجوّانية الدافعة التي شكّلت إنساننا العربي المعاصر ودوافعه، وتحديد القوى الفاعلة فيه والمحرّكة له تجاه ما يمكن وصفه “تطرّفاً” بعيداً عن وسائل تفسيرية سهلة، كربط “داعش” بالنصّ الديني وسحب كل تصرفاتها على أنها “تعبير أصيل” عن القول القرآني دون البحث في سياقات تفسيرية -للنصّ ذاته- أكثر نُضجاً، وهو ما حاول قوله أيضاً الفيلسوف هابرماس حينما ألمحَ بذكاء “بأنَّ داعش نتاج القطيعة مع الموروث وليست استلهاماً له”. هذا و إنَّه ليس من مهمّتنا هنا أنْ نُكوِّنَ حالةً دفاعية عن الإنسان العربي والمسلم بإبعاد وصمة التطرّف والإرهاب عنه، بل هيَ رسالة في الجذور لمعرفة المسببات والدوافع -التي بدت لي لاحقاً- أنها قريبة جداً افتُعِلَ استبعادها افتعالاً لنوايا معلومة، وهي محاولة للدفع نحو رؤية الظاهرة -وغيرها من الظواهر- من زاوية أوسع أفقاً متعددة أبعادها، بتطويع أدواتٍ وتقنياتٍ مركّبة ومُستفادَة من العلوم الإنسانية وعلوم النفس وعلم الإنسان (الأنثروبولوجيا) قادرة على تفكيك سليم وهادئ للظاهرة.

لا بدَّ من التأكيد أيضاً، أنَّه من السهل جداً إعادة ظاهرة داعش وجذورها وجاذبيتها إلى نصوصٍ دينية أو أقوال فقهية وعقائديّة لمدارسَ إسلاميّة، وهذا حقّ وهو محطّ واجب لنقاش إسلامي-إسلامي يدفع نحو إعادة الاعتبار للنصّ أولاً بما شابَهُ من تفسيراتٍ تاريخية غير دقيقة ومؤذية للمجتمعات المسلمة في المشرق العربي ومفتتة لها، وما شابَهُ من استثمار له -أي النصّ الديني- من طرفِ أفراد وجماعات اعتبرته أداةً وجسراً لها ولمشاريعها. إعادةُ التحميص هذه -تُصبحُ فرضاً- بالأخص لتلك التنظيرات الفقهية التي تُعتبر مرتعاً خصباً لنتاجٍ من السهل جداً تطويعُهُ لتصرّفات وسلوكيّاتٍ “متطرّفة”.

هذه النثريات هي محاولة عربية جادّة للفت النظر إلى أسباب الجاذبية ومظاهرها التي تمتعت فيها داعش وجعلتها محطّ انجذاب فئة من الشباب العربي لا يُستهان بها، إنْ كان الشباب العربي في عالمنا العربي أو الشباب العربي الناشئ في العالم الغربي. فهي لا تُغفل أسباب تغذيةداعش وتمكينه من نفوس الشباب، سواءً عبر القهر السياسي الكبير الذي عاشه الوطن العربي وربيعه المهدور في مصر وسوريا، ولا تُغفل الفراغ الوجودي الذي يعيشه الشاب العربي الناشيء في سياق الحضارة الغربية والتي ربما شكلت جزءً من هويته النفسية والثقافية.

 لتحميل الدراسة اضغط هنا