اللاجئون في أوروبا: فرصة لتحقيق العدالة


Syrian_refugees_strike_at_the_platform_of_Budapest_Keleti_railway_station._Refugee_crisis._Budapest,_Hungary,_Central_Europe,_4_September_2015._(3)
لاجئون سوريون مضربون في محطة قطار بودابست-هنغاريا. الصورة لـ Mstyslav Chernov

هيمنت أزمة اللاجئين المتفاقمة على أخبار سوريا خلال الشهر الماضي. حيث يصل قرابة 3,000 لاجئ، كثير منهم سوريين، بحراً وبراً إلى أوروبا كل يوم. وقد تم تسجيل أكثر من 4 ملايين سوري لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وهناك الكثير من غير المسجلين أو ممن قرروا مؤخراً الفرار بسبب تزايد العنف المحتدم والإحباط الهائل لفقدان الأمل الذي تمخض عن أكثر من أربع سنوات من الدمار الاقتصادي. ومع وصول أزمة اللاجئين إلى تُخوم أوروبا، برزت فرصة لأوروبا لتقدم مساهمات فعلية لتحقيق العدالة والمصالحة في سوريا، ولكن ينبغي تنسيق العمل، وهذه مهمة صعبة في مواجهة المشاعر المعادية للمهاجرين بشدة التي تجتاح القارة.

يحظر القانون الدولي إعادة اللاجئين إلى المناطق التي فرّوا منها، وهو مبدأ يدعى “عدم الإعادة القسرية”. ويدّعي قادة الحركة المناهضة للهجرة مثل فيكتور أوربان من المجر بأن إقامة الجدران وتدابير أخرى مماثلة لا ينتهك هذا المبدأ لأنها لا تهدف إلى إعادة السوريين إلى منطقة الحرب، ولكنها تمنعهم من دخول البلاد التي تنعم بسلام كلي. وفي المقابل، يدعو هؤلاء القادة تركيا، التي تعتبر المستضيف الرئيسي للاجئين السوريين، لبذل المزيد من الجهد لمنع المغادرة غير المصرّح بها من أراضيها. بل حتى أن البعض قد عرض دفع مبالغ مالية لتركيا لمنع اللاجئين من مغادرة حدودها، في حين عرض آخرون مقاربة أكثر عقلانية تتمثل في إنشاء مراكز استقبال للاجئين يمكنها أن تساعد في تتبّع السوريين وإيجاد مأوى لهم في دول أوروبية معينة على أساس حصص محددة مسبقاً. ولكن حتى الآن، أخفق الاتحاد الأوروبي في تنفيذ إستراتيجية موحدة مما أثار انتقادات من المحافظين والليبراليين على حد سواء.

وليس الساسة الوحيدين المنقسمين حول ما تعنيه الأزمة الراهنة لأوروبا. حيث دأبت وكالات الأنباء الغربية على انتقاد تدفق اللاجئين باعتباره يشكل تهديداً للاستقرار والوحدة الثقافية للاتحاد الأوروبي، أو دعوة الدول الأوروبية للقيام بدورها، بالإشارة إلى أن القيام بذلك هو واجب أخلاقي وإلى المبرر الاقتصادي الذي ينبع من الاختلالات الحالية في التركيبة السكانية لجزء كبير من أوروبا الغربية. وعلى الرغم من الجدل اليومي المحيط بالتهديد الذي يشكّله اللاجئون السوريون، لم يصدر أي تعليق بشأن الفرصة التي تقدمها هذه القضية لمناصرة تحقيق العدالة ضد المسؤولين عن ارتكاب الفظائع في سوريا.

خطوة نحو العدالة” هو تقرير نشره المركز السوري للعدالة والمساءلة بالشراكة مع مركز وقف إطلاق النار للحقوق المدنية. ويتطرق هذا التقرير إلى العديد من خيارات المساءلة التي يمكن للمجتمع الدولي أن يتخذها الآن، دون الانتظار حتى نهاية الصراع. وفقاً للتقرير، إن الطريق الأكثر جدوى هو الملاحقة القضائية في محاكم أوروبا وأميركا الشمالية بموجب مبدأ الشخصية الإيجابية أو الشخصية السلبية ومبدأ الولاية القضائية العالمية. ومن بين اللاجئين الذين يدخلون أوروبا هناك ضحايا وشهود على الفظائع فضلاً عن مدافعين سابقين عن حقوق الإنسان وأشخاص عملوا على توثيق تلك الحقوق.

ويوجد كذلك مقاتلون سابقون من مختلف ألوان الطيف— من ميليشيات الحكومة السورية إلى الجماعات المتطرفة— من بين أولئك الذين يبحثون عن ملاذ آمن في أوروبا. ويستخدم العديد منهم أسماء وهمية وأوراق ثبوتية مزورة، وهذه مهمة سهلة كما أثبت ذلك صحفي هولندي مؤخراً. ولكن الغالبية العظمى من السوريين يقدّمون لأوروبا كنزاً من المعلومات ويمكن أن يساعدوا في التعرف على الجناة بالوجه حتى وإن تغيرت أسماءهم وهوياتهم. ويمكن كذلك لمنظمات التوثيق، مثل المركز السوري للعدالة والمساءلة، أن تساعد في هذا المسعى من خلال ربط الشهود بمكاتب الادعاء العام والتشارك في البيانات حول الأفراد المتورطين في الصراع. وقد عمل المركز السوري بالفعل على جمع صور لجناة مزعومين ممن لاذوا بأوروبا طلباً للجوء ويتشارك المركز السوري بالمعلومات مع مكاتب الادعاء العام.

ولكن سيتعيّن على الحكومات الأوروبية أن تمضي قدماً بحذر وأن تعمل بشكل وثيق مع مجتمعات اللاجئين لضمان عدم إدانة الأشخاص الأبرياء لمجرد توجيه أصابع الاتهام إليهم بشكل غير صادق من قبل طالبي الثأر. ولتساهم الملاحقات القضائية مساهمة مجدية في تحقيق الهدف طويل الأجل للعدالة والمساءلة، سيتعيّن على المدّعين العامين تبليغ السوريين بعملية صنع القرار التي يتبعونها بشكل واضح. وبخلاف ذلك، ستكون التحقيقات والمحاكمات بمنأى عن واقع السياق السوري ولن يكون لها معنى يُذكر بالنسبة لأولئك الذين من المفترض أن يستفيدوا منها. ولكن لو تمت العملية بموجب دراسة متأنية، ستتمكن أوروبا من البدء في وضع أسس للعدالة وإظهار الحقيقة والتوصل إلى المصالحة في نهاية المطاف مما يساعد في الحفاظ على الأدلة، وستكون أوروبا بذلك مثالاً يُحتذى به وستوفر للسوريين الزخم اللازم لتحديد أولويات العدالة أثناء مفاوضات السلام. ومن شأن هذه المساهمة الذهاب إلى ما هو أبعد من مجرد توفير الاحتياجات الأساسية لمئات الآلاف من السوريين.

لمزيد من المعلومات ولتقديم الآراء وردود الأفعال، يرجى إرسال بريد إلكتروني إلى المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]