خوفاً من فقدان الهوية: لاجئ سوري في أوروبا يلتزم دينياً بعد أن كان متفلتاً في بلاده


خوفاً من فقدان الهوية.. لاجئ سوري في أوروبا يلتزم دينياً بعد أن كان متفلتاً في بلادههولندا – المصدر – محمد إقبال بلو

“أبو خالد” سوري هاجر من مدينة حلب أواخر عام 2014 وتوجه إلى “هولندا” لاجئاً مصطحباً زوجته وأطفاله الخمسة، بعد أن يئس من أن تتغير الأوضاع التي تمر بها سورية، ومع وصول الرجل حصل على اللجوء بسرعة كبيرة وبدأ يخضع لما يسمى غالباً “دورة الاندماج” وغالباً ما يكون تعلم اللغة أساس هذه الدورة، كما خضعت زوجته وأبناؤه للامر نفسه.

يحدثنا الرجل عن قصته وكيف تحول من إنسان غير ملتزم دينياً، كان يمارس حياته بالشكل الاعتيادي الذي يرغب به، دون التمسك بواجبات دينية أو بمفهوم “الحلال والحرام” في معظم أمور حياته، إلى شخص يحسب كل خطوة أو عمل يقوم به من الناحية الشرعية، وإلى إنسان يقيم “الفرائض التي أمره بها الله كمسلم”.

يقول أبو خالد: “منذ لحظة وصولنا، حدث أمر غريب معي لم أفكر به من قبل مطلقاً، فمن حيث الطعام ولد سؤال هام جداً فجأة، هل هو حلال؟ وخاصة ما يتعلق بموضوع اللحوم وتحريم لحم الخنزير في ديننا الإسلامي، وعلى الرغم من أنني كنت أتناول الخمر أحياناً في سهراتي بحلب أنا والأصدقاء إلا أنني وجدت تناول لحم الخنزير أمر يستحيل تقبله بالنسبة لي”.

يضيف اللاجئ السوري المتدين حديثاً: “مع اصطدامي بمجتمع يختلف تماماً عن مجتمعاتنا من حيث العادات والتقاليد المجتمعية، ومن حيث الحريات المتاحة لكل أفراده، والتي لم نعتد نحن عليها في بيئتنا الاجتماعية السورية، شعرت أنني وأسرتي قد نجد أنفسنا يوماً ما مندمجين بهذا المجتمع تماماً بالشكل المطلوب منا وأكثر، وخشيت أن أجد أطفالي قد كبروا ونسوا تماماً من نحن ومن أين جئنا وكيف كنا وماهي أنماط حياتنا في سورية، لاسيما أنني أدركت أن البقاء هنا ليس له فترة محدودة وقد يمتد طويلاً أو لا يكون له نهاية”.

يسرد اللاجئ السوري “أبو خالد” ما دار بعقله لنا، ويحكي ما جال بخاطره من أفكار بعد وصوله إلى مدينة “آرنم” الهولندية: “فكرت بأطفالي الذين يبلغ أكبرهم الحادية عشرعاماً وأصغرهم ثلاثة أعوام، ووجدت أنهم خلال أعوام قليلة سيكبرون وسيتعلمون اللغة الهولندية وقد ينسون اللغة العربية تماماً مع الزمن، وأقصد هنا قراءة وكتابة، ثم انهم قد لا يجدون في هذه البلاد أي شيء يذكرهم بهويتهم الدينية، إذ أنهم لن يسمعوا حتى صوت الأذان، كما لن أستطيع أن أفرض عليهم عليهم أي شيء يتعلق بديننا الذي سيصبح مع مرور الزمن شيئاً منسياً بالنسبة إليهم، وقد يصبح كذلك بالنسبة لي ولأمهم لو لم نتدارك الامر منذ بدايته، نعم أنا أجد هنا الأمن والحياة المقبولة لكنني لا أريد أن ننسى أصولنا السورية أو ديننا الإسلامي”.

الحالة التي بين أيدينا واحدة من حالات كثيرة وعينة من آلاف العينات التي وصلت من سورية إلى دول اوروبا بسبب الحرب التي تعيشها البلاد، إذ هاجرت آلاف الأسر السورية في الأعوام السابقة، بينما وصلت في العام 2015 أكبر موجة لجوء إلى أوروبا من المدن السورية بعد أن دمرها القصف الذي تتعرض له كل يوم، يخشى كثيرون منهم أن ينسى أبناؤهم يوماً ما أصولهم سواء كانت القومية أو الدينية.

“أبو خالد” كغيره من اللاجئين السوريين، حاول مراراً وتكراراً أن يجد طرقاً وإجراءات جديدة أدخلها على حياته الشخصية وحياة أسرته، كل ذلك في سبيل المحافظة على هويته الدينية والقومية أيضاً، إذ يشرح الرجل لنا بعض الإجراءات التي نفذها واعتاد عليها خلال فترة طويلة، ويقول: “قررت أن أرسخ الهوية الإسلامية في نفوس أبنائي وبناتي، وقد شعروا بالمفاجأة عندما طلبت من الجميع إقامة الصلوات الخمس لأول مرة في حياتي، حتى أنني بدأت أصلي بهم إماماً ونصلي معاً صلاة الجماعة”.

ويكمل: “خصصنا يومياً وقتاً قصيراً بعد صلاة الفجر لتلاوة القرآن الكريم، ووجدت ذلك أسلوباً صحيحاً لتذكير الأولاد بانهم مسلمين بشكل يومي، فضلاً عن قراءتهم اللغة العربية مراراً وتكراراً بواسطة القرآن الكريم ما سيجعلهم يحافظون على ما تعلموه منها على الأقل، ووجدت نفسي سعيداً بهذه الحياة الجديدة، ومع كل ذلك نحن نتعلم اللغة الهولندية وبعض الأطفال أصبحوا يتقنون الحديث بها”.

يذهب “أبو خالد” إلى أحد المساجد هو وأبناؤه الصبية لصلاة الجمعة كل أسبوع، ورغم أن المسجد يبعد عنهم أكثر من نصف ساعة والذهاب إليه يكلفه بعض المال، إلا أنه أخبرنا أنه لا يغيب عن صلاة الجمعة مطلقاً، واعتاد أطفاله عليها بل يعتبرون الذهاب إلى صلاة الجمعة نزهة لهم.

يختم الرجل: “أود أن أخبركم أنني أشعر بارتياح نفسي كبير بعد التزامي الديني، لاسيما أن الأطفال وأمهم تقبلوا عادات الأسرة الجديدة، بل وسعيدون بها”.

خوفاً من فقدان الهوية: لاجئ سوري في أوروبا يلتزم دينياً بعد أن كان متفلتاً في بلاده المصدر.