داوود كتاب يكتب: التشهير والتنمية في العالم العربي



*داوود كتاب

إقناع المشرعين بعدم تجريم التشهير لن يكون أمرا سهلا، ولكن بفضل تضافر جهود جميع الجهات ذات الصلة، لا سيما وسائل الإعلام والمجتمع المدني والناشطين في مجال حقوق الإنسان، بالإضافة إلى دعم الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، سيصبح ذلك ممكنا.

مع تصاعد التطرف العنيف والحروب الأهلية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي جذب انتباه العالم، هناك اهتمام قليل بالنظم القانونية المشوّهة بشكل صارخ في المنطقة، لكن توجد إشكالية بعض القوانين مثل تلك التي تجرم التشهير، والتي تساهم في تسهيل القمع السياسي والاقتصادي، وتقوض التنمية، وتدمر حياة الكثيرين.

وتُعد الحكومة المصرية الحكومة الأكثر إساءة لاستخدام قوانين التشهير والتكفير لقمع آراء معارِضة، وعلى وجه الخصوص تستخدم السلطات المصرية المادة 98 من قانون العقوبات المصري، الذي يمنع المواطنين من التشهير بـ”الأديان السماوية”، والتحريض على الفتنة الطائفية، أو إهانة الإسلام، بقصد اعتقال ومقاضاة وسجن أعضاء من الأقليات الدينية، وخاصة المسيحيين منهم، كل ما هو مطلوب هو الادعاء الغامض أن أنشطتهم تعرض للخطر “الوئام بين الطوائف”.

كما أصدرت محكمة مصرية حكما بالسجن عامين على الكاتب المصري أحمد ناجي بتهمة “خدش الحياء العام” بسبب ما جاء في رواية نشرها وفيها عبارات جنسية صريحة. جاء هذا بعد شهر واحد فقط من طلب استئناف الحكم الصادر في حق الكاتبة فاطمة ناعوت بعقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات على خلفية تدوينة على فيسبوك تنتقد فيها ذبح الحيوانات في عيد المسلمين، وقد تمت إدانتها بـ”ازدراء الإسلام”، والقائمة طويلة.

ومما لا يبشر بالخير، حسب تقرير اللجنة الأميركية للحرية الدينية الدولية لسنة 2015، فقد ارتفع عدد حالات القذف والتشهير منذ عام 2011، وفي يناير عام 2015، أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي قرارا يسمح للحكومة بحظر المطبوعات الأجنبية المسيئة للدين، وبالتالي توسيع صلاحيات الحكومة بالفعل والرقابة والضغط المتزايد على الصحافيين بشكل أكبر.

والموقف ليس أفضل بكثير في تونس، حيث إن تقرير فريدوم هاوس لسنة 2015 أكد أن “التشهير الجنائي لا يزال أحد أكبر العقبات التي تعترض التقارير المستقلة”، وعلاوة على ذلك يعبر الكثيرون عن قلقهم إزاء وكالة التحقيق في الجرائم الإلكترونية التي تأسست حديثا في البلاد، والتي ستنفذ “الرقابة الحكومية على المواطنين التونسيين دون رادع”، كما وقع في عهد الرئيس زين العابدين بن علي، الذي أطيح به في ثورة الياسمين من الربيع العربي.

وقام الأردن، في محاولة للحد من حرية التعبير، بتعديل قانون يونيو 2015 المتعلق بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وخصوصا قانون الجريمة السيبرانية القاضي بالسماح للمدعي العام باعتقال، دون أمر من المحكمة، أي شخص يرى أنه استخدم الإنترنت للتشهير، وفي حين يمنع قانون المطبوعات والنشر الأردني اعتقال الصحافيين بسبب الآراء الواردة في الطباعة فإن الصحافيين هم الآن لعبة عادلة إذا ظهرت تلك الآراء على الإنترنت، والواقع أنه بالفعل تمت ملاحقة وتهمة العديد منهم.

ومن بين الحالات البارزة المتعلقة بالتشهير في الشرق الأوسط اليوم قضية نجاة أبو بكر، وهي عضوة في البرلمان الفلسطيني تم استدعاؤها للاستجواب من المدعي العام بعد أن اتهمت حسين الأعرج، وزير في الحكومة له علاقات وطيدة مع الرئيس محمود عباس بالفساد. ويبدو أن هذه الخطوة هي بدافع دعم أبو بكر لإضراب المدرسين في الضفة الغربية لإحراج لحكومة عباس.

وعلى الرغم من أن النائب العام في فلسطين يسمح له، تحت قانون التشهير، باحتجاز شخص لمدة 48 ساعة من الاستجواب، فقد دانت جمعيات حقوق الإنسان هذه الخطوة، ومن جانبها رفضت بكر هذا الأمر، ونظمت اعتصاما في مبنى البرلمان، وطوقت قوات الأمن الفلسطيني البناية، لكنها لم تحاول اعتقالها.

ويشكل التزايد الواسع والتنفيذ المتزايد لقوانين التشهير في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اتجاها خطيرا، من شأنه أن يسبب رد فعل قويا من جمعيات المجتمع المدني، لقد حفزت حالة ناجي، على سبيل المثال، الكتّاب المصريين والفنانين والمخرجين لإطلاق حملة شعبية من أجل مزيد من الحرية للإبداع والتعبير.

وعلاوة على ذلك فإن الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل وائل غنيم، الذي كان نشطا في انتفاضة البلاد عام 2011، انتقد علنا الحكم الصادر ضد ناجي، وصدرت العديد من المطبوعات الفنية المملوكة للدولة وعلى صفحاتها الأولى صور ناجي أو عدد قليل فقط من الكلمات المنادية بحرية التعبير، مع ترك بقية الصفحات فارغة.

في الأردن، شن ائتلاف من قبل مركز لحماية حرية الصحافيين حملة جديدة تحت شعار “النقاش ليس جريمة” لرفع مستوى الوعي بخصوص تراجع حرية الإعلام، وفي فلسطين ارتفعت الاحتجاجات ضد استخدام قوانين التشهير لحبس المعارضين السياسيين، وأدى الدعم الشعبي لبكر دورا رئيسا في تحفيز الاتفاق الذي سمح لها بالعودة إلى بيتها في مدينة نابلس دون إلقاء القبض عليها أو استدعائها للاستبيان.

وستستمر الصيحات ضد الحالات الفردية إلى حد ما، وينبغي تنظيم حملات على نحو متزايد، للتركيز على تغيير حقيقي لقوانين التشهير، بهدف منع الحكومات من استخدامها لقمع المعارضة، وسيكون المفتاح إزالة العناصر الإجرامية من حالات التشهير، وبهذا احتمال السجن، وبدلا من ذلك متابعتها كقضايا مدنية، مع إخضاع أولئك الذين تثبت إدانتهم بتهمة التشهير لغرامة معقولة.

إقناع المشرعين بعدم تجريم التشهير لن يكون أمرا سهلا، ولكن بفضل تضافر جهود جميع الجهات ذات الصلة، لا سيما وسائل الإعلام والمجتمع المدني والناشطين في مجال حقوق الإنسان، بالإضافة إلى دعم الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، سيصبح ذلك ممكنا. ونظرا للأهمية الحاسمة لحرية التعبير في التقدم الاقتصادي والاجتماعي، ليس هناك مجال لتضييع الوقت.

* أستاذ في جامعة برينستون سابقا ومؤسس ومدير معهد الإعلام العصري في جامعة القدس في رام الله، وهو ناشط قيادي من أجل حرية الإعلام في الشرق الأوسط.

المصدر: «بروجيكت سنديكيت» 2016″ بالاتفاق مع «الجريدة»

أخبار سوريا ميكرو سيريا