كيف قرأ الإعلام المقرب من حزب الله القرار الروسي؟


ناقشت الصحف اللبنانية المقربة من حزب الله، الثلاثاء، قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحب المكون الرئيس للقوات الروسية من سوريا، الاثنين، معتبرة أن هذا القرار يأتي لتثبيت التسوية السياسية.

ورأت صحيفتا “الأخبار” و”السفير” المقربتان من حزب الله أن هذا القرار يأتي للضغط على إيران والنظام السوري، ما أوجد حالة من الرفض لديهما، مقابل ضغط الدول الداعمة لفصائل الثورة عليها، سعيا لتثبيت الهدنة، كخطوة نحو حل سياسي للتسوية في سوريا.

“أوان التسوية حان”

بدورها، قالت صحيفة “الأخبار” إن هذه الخطوة تمثل سعيا روسيا نحو “الدفع باتجاه تقدم العملية السياسية عبر إزالة فائض القوة، قلب ميزان الميدان لمصلحة جيش النظام السوري وحلفائه، وهي تنتظر المقابل من الولايات المتحدة لتؤطّر «انكفاءها» بدفع لعملية السلام”، موضحة أن هذه رسالة من بوتين بأن “أوان التسوية قد حان”، بحسب تعبيرها.

ونقلت “الأخبار” عن مصدر مقرب من المعارضة مقيم في موسكو، أن تصريحات وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم الأسبوع الماضي، “نزلت كالصاعقة في العاصمة الروسية، وأحدثت امتعاضا في دوائر القرار المعوّلة على مسار جنيف”، إذ إنه أقفل الأبواب أمام الحوار، ثم أتى “اتصال هاتفي بين بوتين والرئيس السوري بشار الأسد، ليزيد من التباعد بين الطرفين، وينتهي إلى خلاف بينهما، وقرار روسي بالانسحاب من سوريا”، بحسب “الأخبار”.

في المقابل، أشارت الصحيفة اللبنانية إلى أن “الروس أبلغوا الرئيس السوري سابقا بالانسحاب في منتصف الشهر الجاري”، نقلا عن مصادر مقربة من النظام السوري، أوضحت أن قرار سحب “القوات الرئيسة” صدر في سياق اتفاق بين موسكو وواشنطن، إذ قدّم الأمريكيون للروس تعهدا بمنع تركيا والسعودية من أي تدخّل يغيّر الموازين في سوريا، وهذا ما تُرجم ببدء أنقرة إقفال حدودها على نحو جدّي في بعض المناطق.

وأكدت صحيفة “السفير” في مقال للكاتب سامي كليب هذا التوجه، مشيرة إلى أن  “القرار يأتي في السياق الطبيعي لاتفاق بوتين وأوباما على رفع مستوى ضغط كل طرف على حلفائه لإنجاح مفاوضات جنيف”، إذ إن الرئيس الأمريكي بحاجة لتحقيق إنجاز سياسي في سوريا قبل مغادرة البيت الأبيض، والرئيس الروسي يريد تخفيف الأعباء العسكرية ورفع العقوبات الأوروبية عنه والإفادة الى أقصى حد من فترة السماح الأمريكي.

ورأت “الأخبار” أن هناك ضغطا على أن تشهد الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف، بعد الرابع والعشرين من الشهر الجاري، تطوّرا جديدا عبر مشاركة أطراف جديدة فيها، كالأكراد، كما ستحاول موسكو مع واشنطن انتزاع موافقة كل من الطرفين (موسكو للوفد الحكومي وواشنطن بالضغط على تركيا والسعودية وخلفها الوفد المعارض) للبدء بمفاوضات مباشرة بين الوفدين، تحت عنوان “قتال الإرهابيين”.

ويسحب بوتين بقراره هذا “ورقة كان معارضوه الغربيون والخليجيون وفي المعارضة السورية يشددون عليها، إذ كانوا يقولون إن دخول قواته هو الذي عرقل الحل وغيّر المعادلات، وهو إذا يريد تسهيل الحل السياسي وإحراج الخصوم”، بحسب “السفير”.

توزيع المعارك

واعتبرت الصحيفة المقربة من حزب الله أن التوجّه الأمريكي الروسي بتعزيز المصالحات، والاتفاق مع الفصائل على قتال تنظيم الدولة، ويبقى الاتفاق ساريا، في ما يخصّ معركة يقودها جيش النظام السوري وحلفاؤه، بدعم روسي، في ريف حمص الشرقي مرورا بتدمر وصولا إلى الحدود العراقية، وذلك بموازاة الاتفاق على خوض “قوات سوريا الديموقراطية” معركة الرقة بدعم أمريكي.

وبالنسبة إلى إدلب، يشير الاتفاق إلى أن الحل يبدأ بمعارك داخلية مع “جبهة النصرة”، يتلوها العمل على مصالحات مع القوى التي تطيح بـ”النصرة” وحلفائها.

واعتبرت “الأخبار” أن اتفاق الهدنة المفروض روسيا وأمريكيا يظهر التنسيق الثنائي الذي يمارسه الطرفان بصورة شبيهة في الاتفاق على نزع ترسانة السلاح الكيميائي السوري صيف 2013، مشيرة إلى تصريحات وزير الخارجية سيرغي لافروف الأحد، عندما عبر عن استعداد بلاده للتنسيق مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لطرد تنظيم الدولة من الرقة، مؤكدا أنه “ليس سرا إذا قلت إنه في مرحلة ما اقترح الأمريكيون تقسيم العمل: أن يركز سلاح الجو الروسي على تحرير تدمر، بينما يركز التحالف الأمريكي بدعم روسي على تحرير الرقة”.

خلافات روسية سورية

ورغم التنسيق الروسي السوري في ما يخصّ قرار الاثنين، الذي أعلن بعد اتصال بوتين بنظيره السوري رئيس النظام السوري بشار الأسد، وتأكيد موسكو “استمرار دعمها لدمشق في مجال مكافحة الإرهاب”، فإنه لا يبدو أنّ القرار سهل الهضم سوريا، فالسقف الموضوع لمحادثات جنيف و”الخطوط الحمر” حول مقام الرئاسة والدستور وتعريف الإرهاب سوريّا، لا يتناسب مع الإعلان الروسي وعطفه على دفع عملية السلام، بحسب “الأخبار”، التي نقلت تأكيد دمشق لموسكو أن مسألة “المرحلة الانتقالية بالشكل الذي يُطرح دوليا، وبقاء الرئيس الأسد، خارج التداول”.

وأشارت الصحيفة إلى خلافات روسية سورية سابقة؛ فعلى سبيل المثال، رد مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، على تصريحات رئيس النظام السوري التي أكد فيها (في مقابلة مع وكالة “فرانس برس” منذ نحو شهر) “فصل المسار التفاوضي عن مسار مكافحة الإرهاب”، وأنّ هدف دمشق “استعادة كل الأراضي السورية”، قائلا إن “تصريحات الأسد لا تنسجم مع الجهود الدبلوماسية لروسيا”، مؤكدا أن “الأسد يأخذ في الاعتبار الجهود الروسية السياسية والدبلوماسية والعسكرية المبذولة في سوريا”.

وأشار تشوركين إلى أنه “إذا ما حذت السلطات السورية حذو روسيا، فسيكون لديها الفرصة للخروج من الأزمة باستحقاق، لكن إذا ما ابتعدت عن هذا الطريق على نحو ما، فسيكون الوضع صعبا للغاية وبالنسبة إليهم أيضا”.

وتبع هذه التصريح، “قنبلة” نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف عن إمكانية تطبيق الفيدرالية في سوريا، رغم أنه التصريح جاء ردّا على سؤال وأعقبه توضيح من الخارجية الروسية، جاء كلام وزير الخارجية السوري وليد المعلّم يوم السبت ليحسم أن “وفد بلاده لن يحاور أحدا يتحدث عن مقام الرئاسة”، وأنّ وحدة البلاد خط أحمر، رافضا أي حديث عن الفيدرالية، فيما يبدو غير متّسق مع ما تعلنه دمشق منذ بدء الحرب التي قاربت من إنهاء عامها الخامس، بحسب “الأخبار”.

وفي جانب متصل، رأت “السفير” أن بوتين “سحب بقراره ورقة من أيدي حلفائه السوريين والإيرانيين، فهو يرى أن تشددهم في التفاوض ناجم عن تغيير المعادلة العسكرية، ويبدو أن التقييم العسكري الروسي مختلف عن تقييم طهران”، موضحا أن إيران ترى ضرورة استكمال الحسم، أما روسيا فتفضل الحصول على ثمار بالسياسة والمصالحات، ما دفع روسيا إلى “مفاجأة الحلفاء قبل الخصوم بالاتفاق مع الأمريكيين على وقف العداوات”.

وأكدت صحيفة “السفير”، المقربة من حزب الله، أن القرار يزعج إيران، “فهي أولا ستواجه ضغوطا كبيرة للانسحاب من سوريا، وثانيا ستجد نفسها أمام احتمالين، إما الاستمرار في الحرب ما يعني وضعها مجددا أمام مواجهة محتملة مع تركيا (برغم اتفاقهما مؤخرا) والسعودية (التي مهدت للأمر بمناورات حفر الباطن)، أو الانكفاء والقبول بخطوط التماس السياسية التي تشي بالفدرالية وربما أكثر، إذ إن القرار الروسي يفسح في المجال واسعا أمام احتمال إقامة دولة كردية بموافقة أمريكية، وقد يكون هذا الأمر من بين أسباب الانسحاب الروسي”.

ماذا بعد؟

وأكدت “السفير” أنه “ليس صحيحا ما ورد في البيان الروسي من أنه تم تنفيذ أغلب مهمات وزارة الدفاع والقوات المسلحة، فالحرب لا تزال ضروسا والتهديد لا يزال كبيرا”، واصفة ما جرى بأنه “جزرة” من بوتين للمعارضة وداعميها، بأن القتال ضدها انتهى وأن ما بقي هو محاربة تنظيم الدولة، ما ينقل المعركة من ساحة المعركة للميدان السياسي.

أما ما سيتم سحبه عسكريا، فـ”ليس معروفا بعد”، بحسب “السفير”، إذ إن القاعدتين العسكريتين في طرطوس وحميميم باقيتان، والدفاع الجوي سيستمر في التحرك ضد تنظيم الدولة، متسائلة: “هل سيندرج ذلك لاحقا في إطار تحالف أوسع يضم روسيا وأميركا وأطرافا إقليمية عدة بينها إيران والسعودية وتركيا وغيرها؟”.

وعن دور إسرائيل، قالت “السفير” إنها الآن تشعر براحة أكبر، إذ إن “الدول العربية وضعت عدوها اللدود حزب الله على لائحة الإرهاب، علاقتها مع بوتين ممتازة”، مستدركة بأنها “قلقة من نقل أسلحة استراتيجية إلى الحزب، فهل تستغل القرار الروسي بالانسحاب من سوريا للمضي في قرار الحرب؟”، معتبرة أن ذلك ممكن حتى لو أحرج أوباما.

واختتمت “الأخبار” بقولها إن “السوخوي لن تغيب عن السماء السورية، لكن تعديلا بنيويا في بنك الأهداف يحتم خلطا في الأوراق، ميدانيا وسياسيا”.

عربي21