يوسف الديني يكتب: وثائق «داعش»: وهن المركز وانتعاش الأطراف؟!



يوسف الديني

على الرغم من الكمون الظاهري الذي تبديه هذه المرحلة من تحّركات التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش، فإن ذلك لا يعني إلا تراجًعا تكتيكًيا لمنظومة الإرهاب المعقدة والتي تتطور مع بقاء مضخات إنتاجها الفكرية والتمويلية وأيًضا المناخ السياسي العام الذي ما زالت قضايا المنطقة معه عالقة إلى أجل مسمى.

عودة الإرهاب من الفعل إلى ردة الفعل هو جزء من خطة تنظيم داعش كما يروج لها منظّروه إلى فك الارتباط مع ما يسمى «مركزية دولة الخلافة» والانتقال إلى التمدد عبر الولايات المعلنة في مناطق التوتر، وتترشح ليبيا لأسباب كثيرة من أهمها نشاط الراديكاليين في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا مجدًدا، وفي مفارقة تاريخية في منطقة كتونس، الدولة الوحيدة التي نجت من تبعات وآثار الربيع العربي لتقع في مأزق التعامل مع ملف جديد عليها كملف الإرهاب، وفي السياق ذاته، هناك تعتيم كبير على وضع التنظيم في ليبيا الذي تشير تقارير كثيرة إلى تفاقمه بما ينذر بكارثة داعشية جديدة قد تشهدها منطقة المغرب العربي وبحسب صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، فإن صواريخ من ترسانة القذافي المضادة للطائرات وقعت في أيدي تنظيم داعش، تلك الصواريخ كانت وفق ما يؤكده مسؤولون أميركيون وبناء على الأرقام المتسلسلة جزًءا من ترسانة معمر القذافي، وهي تدخل في نطاق منظومة الدفاع الجوي الروسية المحمولة على الكتف «إس إيه 7» ومن الطراز الأحدث للمنظومة ذاتها «إس إيه 16» قادرة على إسقاط طائرات مدنية.

«داعش» الشام الآن تحشد أتباعها من الأصول غير العربية وتحديًدا القادمين من بلاد القوقاز والجمهوريات التي تحررت من هيمنة الاتحاد السوفياتي سابًقا، ويستخدم تنظيم داعش لوحات إرشاد وإشارات توجيه مكتوبة باللغة الروسية في مناطق سوريا الشرقية، إضافة إلى استخدام التنظيم للعربية والإنجليزية أيًضا في دلالة على أن التنظيم بات معولًما على مستوى الكوادر والشخصيات المنتمية له، وليس فقط على مستوى طبيعة العمليات أو جغرافيا الاستهداف التي يبدو أنها تخّلت عن الدول الأوروبية أو أميركا بهدف استغلال غليان المنطقة وانفتاح قروحها المزمنة ما بعد الربيع العربي في العراق وسوريا وشمال أفريقيا واليمن، إضافة إلى تهديدها للدول المستقرة وعلى رأسها دول الخليج طمًعا في قلب المعادلات الإقليمية وخدمة لهدف واضح ومباشر وهو تأجيج المنطقة وتحويلها إلى مكان غير آمن ولا مستقر بعد أن أدركوا قواعد اللعبة الجديدة وهي الاستثمار في الخراب والدمار وإشاعة الفوضى وجّر واستنزاف الدول المتضررة من الإرهاب إلى أرض المعركة، واستخدام ذلك كدعاية مجانية في استقطاب الأتباع الجدد.

«داعش» تمدد في عملياتها العسكرية وتجنيدها للمقاتلين على حساب التمدد الجغرافي وهذه أحد تكتيكات الجماعات الإرهابية حين تحاصر مناطقًيا، تقوم بكل ارتباطها عبر عمليات نوعية في مناطق جديدة بهدف التشتيت وإظهار توسع التنظيم وقوته، ورغم حداثة تنظيم داعش في اليمن فإنه الآن أكثر حضوًرا من القاعدة المنزوية والتي تعيش صراع وجود من خلال حجم الانشقاقات الكبيرة بين صفوف أتباعها، وقام التنظيم فقط في عدن بتنفيذ 33 عملية اغتيال وأربع هجمات بسيارات مفخخة، خلفت 34 قتيلاً و43 مصاًبا، وذلك فقط خلال شهر يناير (كانون الثاني) 2016، وهو مؤشر غير جيد يعطينا مثالاً عن نمو الكيانات المقاتلة الإرهابية في أوقات الحرب وأزمنة الانقسام ومناطق التوتر. ويشهد اليمن تراجع تنظيم القاعدة الذي كان إحدى أكبر أدوات الرئيس المخلوع في الجنوب، ولذلك فإن كل عمليات التنظيم التي تمت ما بعد الانقلاب الحوثي بمساندة النظام السابق تقف في صف الانقلابيين، على عكس تنظيم داعش الذي يركز عملياته النوعية على استهداف المسؤولين في الحكومة الشرعية في منطقة عدن. ورغم حداثة الحكم على حضور «داعش» في اليمن فإن العمليات التي قام بها تعكس قدرات كبيرة، وهو ما سيشكل عبًئا إضافًيا للمنطقة بعد العراق والشام وليبيا.

التطور اللافت اليوم في شأن «داعش» هو تسريب هذا الكم الكبير من الوثائق التي حصلت عليها وسائل إعلام غربية على خلفية البحث عن هجمات باريس، والتي تشير معطياتها الأولية إلى تسجيل أكثر من خمسة وعشرين ألف مقاتل ينتمون إلى 40 دولة. وبحسب مصادر كثيرة فإن من نقل الوثائق للاستخبارات الألمانية هو شخص منشق من «داعش» يدعى «أبو حامد» وقد سرق شريحة ذاكرة من جهاز أحد أهم قيادات الأمن الداخلي.

إن هذه الخطوة الاستخباراتية الكبيرة لو صّحت، فما زال هناك كثير من المحللين يشكك في ما تم تسريبه من وثائق تعني أن ثمة تراجًعا كبيًرا في المركز الداعشي وتحديًدا في الشام وانتعاًشا في الأطراف ليبيا / اليمن / سيناء المصرية / تونس، وهو بالتالي يطرح التساؤل الأهم: هل سيتخلى التنظيم عن فكرة دولته (الخلافة المزعومة) لصالح تمدده في مناطق توتر جديدة؟

المصدر: الشرق الأوسط

أخبار سوريا ميكرو سيريا