لاجئون سوريون في تركيا: نتمنى انتهاء الحرب لكننا لا نرغب في العودة


لاجئون سوريون في تركيا نتمنى انتهاء الحرب لكننا لا نرغب في العودة

محادثات جنيف التي تشغل جزءاً كبيراً من الإعلام السوري بشقيه المعارض للنظام والداعم له، والتي تشغل وسائل الإعلام العالمية أيضاً، أصبحت حديث اللاجئ السوري في شتى بقاع الأرض ومختلف دول العالم، فالجميع يتمنى انتهاء الحرب، ووقف شلال الدم، كما يتمنون حدوث التغيير المطلوب شعبياً، على الرغم من أنهم يرون أن تحقيق كلا المطلبين أمر يشبه المستحيل، لكن ماذا عن عودتهم؟
وهل بالفعل هم يريدون انتهاء الحرب حتى يعودوا إلى منازلهم؟ وأية منازل تلك؟ منازلنا التي بنيناها حجراً على حجر مدمرة تماماً. لنفترض أن المفاوضات التي تجري بين النظام والمعارضة ستنجح، وستتوصل الأطراف كلها إلى حل سياسي يرضي الدول قبل أن يرضي المتفاوضين، وسيؤدي ذلك كله إلى إنهاء الحرب الدائرة في البلاد، فإلى أين سنعود نحن وأين سنقيم، بيوتنا مدمرة تماماً، تلك المنازل التي بنيناها حجراً حجراً خلال سنوات طويلة، ترى هل سنستطيع إعادة بنائها؟ ومن أين لنا ذلك؟».
أبو محمود اللاجئ السوري في مدينة انطاكيا يطرح موضوعاً أساسياً بالنسبة له ولمن حالهم كحاله، فالبقاء في تركيا والاستمرار بحياته التي اعتادها منذ أربع سنوات أفضل من العودة والبدء من جديد من وجهة نظره، فهو يرى أن «العودة إلى سوريا في حين توقفت الحرب، لا بد أن يسبقها ما يسمى إعادة إعمار لما تهدم، وإن تم ذلك فإنه سيحتاج سنوات كما أنه ليس بالضرورة أن يعاد بناء كل ما دمره القصف، وغالباً ما تلجأ الدول بعد الحروب لإعادة تجهيز البنى التحتية لا المنازل، لاسيما أن نسبة مرعبة من مساكن المدنيين قد دمرت تماماً والعمل على ذلك يحتاج جدية وزمناً طويلاً».
ويعتقد الرجل أن أفضل الاحتمالات بالنسبة له هو البقاء في تركيا وتمضية ما تبقى من حياته، بحسب قوله، «أما بالنسبة لأبنائي ليفعلوا ما يحلو لهم ولا أظن أن لديهم بديلاً عن ذلك «هل سنعود إلى سوريا؟ أم إلى دويلة جديدة لا نعرفها؟ يخشى كثيرون من اللاجئين السوريين الفكرة التي تتحدث عن تقسيم سورية، بل يجدون أن اقتسام البلاد على أساس قومي أو طائفي بحسب ما تطرحه الدول المعنية بالمفاوضات السورية السورية، أمر قد يناسب أمراء الحرب الجدد أو قادة القوى المتنازعة ويرضي عشقهم للسلطة والنفوذ.
يقول معلم المرحلة الابتدائية مصطفى، «لو تم تقسيم سوريا بالفعل، فلن يكون لنا كمواطنين في هذه الكيانات الجديدة أي رأي في نوعية الحكم والقوانين التي ستطبق علينا، فما سيحدث هو مجرد جوائز ترضية لأصحاب النفوذ الحالي سواء في المعارضة أو النظام من تيارات سياسية أو حزبية أو قومية ودينية، ومنح كل منهم جزءاً يحكمه من البلاد، وبالتالي ستقوم تلك الدويلات أو «الكانتونات» على أنظمة تناسب القوى التي تسيطر عليها لا أكثر، ويضيف «في كل مدينة سورية ترى أناساً مختلفي التوجه الفكري والديني، هؤلاء لا بد أن يصطدم كثيرون منهم بنظام حكم جديد لن يستطيعوا التأقلم معه، إذ لا يمكن أن تحكم الديمقراطية مختلف الكانتونات التي يتم الحديث عنها، كيف سيكون ذلك إذا كانت فكرة التقسيم أو الإدارات الذاتية بنيت على الضد.
خمس سنوات أدت لنشوء علاقات اجتماعية وارتباطات لا تزول: مئات الأسر المقيمة في المدن التركية بدأت تشعر بالتوطن عبر سنوات قضتها فيها، لا سيما أن بعض تلك الأسر ارتبطت بعلاقات اجتماعية وثيقة بالمجتمع التركي كالزواج مثلاً، بينما آخرون أنشأوا مشاريعهم سواء الصغيرة منها أو الكبيرة، والتي أصبحت مصدر رزقهم، هؤلاء غالباً لا يرغبون بالعودة إلى ديارهم التي مزقتها ودمرتها الحرب، بل يفضلون الاستمرار بعد أن أوجدوا لأنفسهم نمطاً حياتياً مناسباً لهم.
السيدة «أم وليد» مثال يوضح ذلك لنا إذ تقول لـ «القدس العربي»، «لقد زوجت ابنتيّ لشابين تركيين، من أسرة كريمة ومحترمة، وكلاهما تعيشان حياة جيدة وأنا أرغب بالبقاء هنا قريبة منهما، أتمنى أن تنتهي الحرب في سوريا وأن يعود من يرغب بالعودة، كما أرجو من الله أن يتوقف سفك الدماء في بلادي، لكنني اعتدت على الحياة هنا، وتضيف «ابني الوحيد افتتح مطعماً صغيراً هنا، يعيش من وارداته ويطعم أطفاله مما يدره عليه من أرباح، وقد وضع في هذا المطعم كل ما يملكه من مال وما جمعه خلال سنوات من شقائه وتعبه، وغالباً هو الآخر لن يرغب بترك مشروعه الناجح رغم صغره، بل سيرغب بالاستمرار بالحياة هنا، حيث لا منغصات حقيقية للحياة.
فئات من المجتمع السوري أو من اللاجئين المقيمين في تركية قد تكون محدودة إلا أنها موجودة في الحقيقة، فليس كل سوري لاجئ يرغب بالعودة في حال انتهاء الحرب أو البدء بوقف إطلاق نار تام في سوريا، لكن قد لا تجري الرياح بما تشتهي السفن، فللحكومة التركية رأي قد يكون مختلفاً حينها.

لاجئون سوريون في تركيا: نتمنى انتهاء الحرب لكننا لا نرغب في العودة المصدر.