‘د. أحمد جميل عزم يكتب: موقع روسيا في الساحة الدولية’

17 آذار (مارس)، 2016
5 minutes

د. أحمد جميل عزم يكتب: موقع روسيا في الساحة الدولية – مدار اليوم آخر الأخبار

د. أحمد جميل عزم

يحلو للبعض أن يرى موقع روسيا في الساحة الدولية من واقع حالات تشكل استثناءً في المشهد الدولي، أكثر مما تشكل المؤشر على حقيقة توازنات القوة الدولية. فتبدو السياسة الروسية في سورية أو جزيرة القرم كأنها مؤشر على نظام دولي جديد. والواقع أنّ هذا ربما يكون صحيحاً، لكن ليس بمعنى أنّه مؤشر على توازن قوى جديد عالمياً.
لقد انخفض الدخل القومي الروسي العام 2015 بمقدار 3.7 %، وفقدت العملة الروسية 50 % من قيمتها مقارنة بالدولار الأميركي. وفي أول ثمانية أشهر من العام 2015، تراجع الاستثمار بنحو 6 %، وتراجعت الإنشاءات والبناء بنحو
8 %. وبحسب توقعات روسية متفائلة، سيستمر الانخفاض هذا العام، مع تفاؤل أن لا يزيد (الانخفاض) عن 1 %.
وبالمقارنة بين الدخل القومي الروسي وقوى عالمية أخرى، وبحسب أرقام تعود للعام 2014، لم يكن يزيد حجم الاقتصاد الروسي عن نحو
10 % من الاقتصاد الأميركي أو الاتحاد الأوروبي. فضلا عن هذا، ربما لم يكن الحصار الأوروبي على روسيا مؤثرا بشكل كبير مباشر اقتصادياً، ولكنه بشكل غير مباشر أضعف ميل دول محيطة بروسيا للدخول في شراكات واتفاقيات تجارية مع موسكو، خوفاً من أن يطالها الحصار. وبقدر ما كسبت موسكو شبه جزيرة القرم، بقدر ما خسرت أوكرانيا والتعاون الاقتصادي معها. وقلصت بيلاروسيا (روسيا البيضاء) استيرادها من روسيا، لأنّ جزءا من وارداتها تلك كان مخصصا لإعادة التصدير لأوروبا. كما تراجعت تجارة كازاخستان مع روسيا. ومع تراجع عائدات صادرات روسيا من البترول والغاز، يجب أنّ نتذكر أن الطاقة تشكل نحو 70 % من حجم الصادرات الروسية.
عسكرياً، يمكن الإشارة إلى أنّه قبل أيام فقط، ظهرت أنباء عن خفض الإنفاق العسكري الروسي بنحو 10 %. وإذ يُعتقد أنّ تكلفة الحرب في سورية منخفضة نسبيا بالنسبة للروس، فإنّ الرقم هو 4 ملايين دولار يومياً. وتواضع الرقم يأتي من تذكرنا أن ميزانية الدفاع الروسية تبلغ 50 مليار دولار سنويا، لكن مع تراجع ميزانية الدفاع هذه، يصبح الحديث عن حرب بعيدة المدى أمرا مستبعدا. وأهمية هذا الأمر لا تتعلق بسورية فقط، ولكن بالقدرة على خوض صراعات أخرى أيضاً، أخذا بالاعتبار أنّ وجود قوات روسية في سورية يجعل تكلفة عملها هناك محدودة نسبياً مقارنة بصراعات من دون قواعد عسكرية في منطقة الصراع. وهنا يجدر ذكر أن حجم الإنفاق العسكري الروسي هو نحو 8 % من حجم الإنفاق الأميركي؛ إذ بحسب أرقام 2015، تنفق روسيا
4 % تقريبا من دخلها القومي عسكريا، بقرابة 51 مليار دولار، مقابل إنفاق الولايات المتحدة 3.3 % تقريبا من دخلها، بنحو 598 مليار دولار.
أضف إلى هذا أن روسيا بموازين القوة الناعمة ذات وزن محدود جداً. ففي مجالات مثل السينما والاختراعات لاسيما تكنولوجيا المعلومات، واللغة والتدريس، تكاد تكون روسيا غير موجودة في أجزاء كبيرة جدا من العالم.
في الواقع إنّ قوة روسيا لا تأتي من توازن القوى على المستوى العالمي، فهي خاسرة هنا، ولكن قوتها تأتي من حقيقة أنّ العالم لم يعد قائما على القطبية، وأنّ الولايات المتحدة بقدر ما هي قوية، بقدر ما لديها أزمات، ولا تريد مواجهات. لذلك فإنّ الأنظمة الإقليمية تنتعش؛ أي يمكن لدولة مثل روسيا أن تكون قوة إقليمية عظمى في محيطها ولكن ليس عالمياً، تماما كما يمكن لإيران أو السعودية التي لديها طموحات في إقليمها لعب دور قيادي، لكن ليس على المستوى العالمي.
في الواقع، إنّ توازن القوى ربما يفسر هدوء الأعصاب الأميركي من دور روسيا في سورية، والاعتقاد أنّ هذا الدور قد يصب لمصلحة واشنطن، المعنية باحتواء سورية والصراع فيها، من دون اكتراث بهوية النظام السياسي هناك. لكن هذا لا يعني أيضاً أن الولايات المتحدة في وضع مريح، فالمدخل الحقيقي لفهم العلاقات الدولية حاليا هو تذكّر أنّ فكرة القطبية تراجعت لصالح الفواعل من غير الدول، والأنظمة الإقليمية الدولية، كما لصالح العوامل الثقافية والهوياتية، وهذه مشكلات تحد من القوة الأميركية أيضاً.

المصدر: الغد

مقالات مشابهة

x
‎قد يُعجبك أيضاً

ارسل عبر الواتس ابحسان حيدر إعجاب فلاديمير بوتين بالعروض المسرحية وحرصه على …

أخبار سوريا ميكرو سيريا