حديث مع أحد أطفال درعا وأحد اعضاء الوفد الذي زار بشار، في ذكرى الثورة المزيد
17 آذار (مارس)، 2016
تدخل الثورة هذه الأيام عامها الخامس، ويختفل الشعب السوري يكامل أطيافه بهذه الثورة الغظيمة التي استطاعت هز أركان نظام يشبه لحد كبير نظام فرعون، النظام السوري الذي لم يتوقع أن الشعب السوري سينهض من تحت ركام الفساد والقمع ليطالب بحريته ولو كلفه ذلك دما وتشريد.
أسباب عديدة كانت وراء انطلاق الصرخات المناهضة لنظام بشار الآسد في المحافظات السورية، وأهمها أحداث درعا التي كانت شرارة الثورة(كما يدعوها ابنائها)، جائز أن الكثير يعرف ماذا جرى حقا ولكن هناك الكثير مغيب عنه بعض الحقائق أيضا ويشكك في وجود (أطفال درعا)، ولكن حين يكون سردك للواقع على لسانهم فهذا لا يضع مجالا للشك، أن الأمر لم يكن لعبة ولا تزييف ولا تعتيم.
ورغم أن الثورة أسبابها تعود لأكثر من خمس وأربعين عاما من القمع والذل والحكم الدكتاتوري، فإن أحداث أطفال درعا كانت القشة التي قسمت ظهر البعير كما يقال . (معاوية فيصل الصياصنة) هو أحد أطفال درعا البلد من حي الأربعين، يبلغ الآن ٢١من العمر وكان يبلغ ١٦عاما حين تم اعتقاله مع أقرانه إلى غياهب سجون أتت على أجسادهم الصغيرة، بلا هوادة ولا رحمة لمجرد أنهم قلدوا من هم أكبر منهم بأفعال كانت تعتبر الخطيئة الكبرى بحق نظم اعتاد قتل كل من يقف في طريقه، وفي حديث لسوريات معه يروي معاوية قصته التي قد يعلم عنها البعض ولايعرفها بتفاصيلها الحقيقية الكثير سواء في سوريا والعالم بأسره سوى أنها قصة يذكرها بعض الناس لأطفال غير معروفين، قد يعتبرهم البعض ابطالا وقد يعتبرهم البعض أصحاب حظ عاثر، ويظنهم الكثير سببا اكبرا لثورة غير متوقعة في بلد الصمت، يروي معاوية قصة ما تزال حاضرة في ذاكرته ولم تمر مرور الكرام فيقول: “لقد كتبنا أنا ورفاقي في مدرسة الأربعين، على الحائط جاييك الدور يا دكتور، وبعدها حدث أن أتى إلى بيتنا قوات كثيرة و قالو :مين معاوية هجمو علينا الساعة ثلاث بليل شحطوني عالفرع، بعدها حققو معي وقالوا لي أن رفاقي اعترفوا أني كنت معهم بعد أن قاموا باعتقالهن وتعذيبهم أيضا، وعذبونا وأنا اكتر واحد طولت عندهم، وكانو مانعين عننا الطعام”.
ويتابع معاوية حديثه عمّا تعرضوا له من تعذيب فال “كان التعذيب بكل الأنواع، اكتر من اسلوب، بعصا الكهرباء، وشبحونا، وكانو يكبو علي مي بارده وكانت الدنيه شتويه وحطوني بل منفرده وتحتيي كان في جردون، ونقلوني من فرع لفرع فمن الجنائيّه إلى السياسيه إلى الشرطه العسكريه وع مخفر العباسيه وع الجمارك وع غرز و الافرع عذبونا وضربونا كثير بكل فرع”.
يضيف معاوية شهادته وهو يوضح ان طرق التعذيب كانت فوق قدرتهم وأن الأمن والمخابرات لم يتركوهم حتى يعترفوا بأشياء وعلى أوراق وكانت اعترافات بشأن امور لم يفعلها الأطفال “انا ماعترفت تحت القتل بس اخر شي قالولي بدك تعترف غصبن عنك وعترفت من التعذيب واعترفنا بشغلات ماساويناها وحطوها فينا، أنا ورفقاتي، اعترفت بشي ما عملتو”، وبالفعل اعترف معاوية بحرق كولبة الشرطة أي المقر الصغير الذي يقيم فيه الحراس في مناوباتهم. لم يكن معاوية وحده من لم ينسى تلك التجربة، ولكن هناك أشخاص كثير لم يوافقوا على الظهور للإعلام وروي ماحدث معهم، ولكن قصة أطفال درعا كان لها التبعات الكبيرة التي توالت بسرعة، إلا أن النظام لم يرضى أن يعترف بأن بعض الأطفال استاطعوا إشعال درعا اكثر وأكثر.
كيف كانت ردة فعل بشار الأسد لدى تلك الأحداث، وهل كان يتوقع عند مقابلته لوجهاء درعا أن هذه الأمور ستأخذه إلى حتف حكمه؟؟ (أحمد علي المحاميد) ٦٦عام، أحد وجهاء درعا في تلك الأثناء وهو متقاعد الآن، وهو أحد افراد (الوجاهة) التي اتجهت لحل المشكلة دون جدوى، يروي تفاصيل مثيرة عما حدث وعن مقابلته لبشار الأسد على خلفية كل ما حدث والمظاهرات التي انطلقت حينها. ويوضح أن اطفال درعا هم جزء من معالم شرارة الثورة لأن الثورة كانت لابد أن تقوم بعد كل الطغيان والفساد المستشري في سوريا، ويضيف المحاميد ان أطفال درعا هم مقلدون لشباب نشطاء اكبر منهم قاموا بالكتابة على جدران الشوارع والبيوت، مناهضة للاسد وحكمه الذي دام لأربعين سنة من الاستبداد.
قال المحاميد في لقاء اجرته سوريات معه “لم أكن أعرف الأطفال ولا أهلهم، ولكن جاؤوا الأهالي إلي كوني من الوجهاء، وعندما اعتقلوا اﻻطفال كان اهاليهم يبحثون عن واسطه ﻷخراجهم، وبالفعل اتجهت أنا والبعض من الوجهاء إلى الفرع، ولكن كان العميد سهيل رمضان رئيس فرع المخابرات العسكريه رجل متعجرف وفوقي ولم يستجب للوساطه، وقد أخذ الأطفال إلى السجن في درعا ثم إلى السويداء، ثم إلى دمشق، وكل ذلك بسبب كتاباتهم على الجدران،تقليدا لمن هم أكبر منهم واسوة بما كان يجري في مصر وتونس”.
ويكمل حديثه بما جرى بعدها من. مظاهرات عارمة تطالب بإخراج المعتقلين كما يقال قد (فزع )كل اهل درعا لذلك “ففي يوم 18 اذار وكان يوم جمعه اتفقنا على اﻷنطلاق بعد الصلاة مباشره وانطلقنا بهتافات تطالب بالحريه والكرامه وكانت مطالبنا بالبدء هي نقل المحافظ ونقل عاطف نجيب واطلاق سراح اﻻطفال المعتقلين ولكن النظام رد علينا بإطلاق النار وقتل في أول يوم من الثورة شابان من عشيرة الجوابرة وعشيرة عياش”.
ويروي كيف تسارعت الأحداث بعد ذلك ورفعت سقف المطالبة، واصبح الخروج يوميا في المظاهرات لأن الشعب في سوريا كان ينتظر لحظات الثورة، وأنها منتظرة منذ عشرات السنين وما أحداث درعا إلا سببا واحدا من مئات الإسباب لمطالبة الشعب السوري من درعا لدير الزور لحماه لحلب لدمشق بالحرية وإزاحة النير المتربص بالشعب السوري منذ اكثر من أربعين سنة.
ويحكي عن تفاصيل زيارته ومن معه لبشار الأسد وكيف كان بشار هادئ وبارد وكأن الأمر لايعنيه فقال المحاميد “بتاريخ 15 نيسان قابلنا بشار اﻻسد بوفد من كل حوران كنا حوالي 50 شخص وكنت انا من بين الوجهاء، كان الرجل هادئ واجتمعنا معه لمدة ثلاث ساعات ونصف، ادعى الرئيس بكل برود، بأنه ﻻ يعلم ما يحصل بدرعا وانه ﻻيعلم أن هناك في قتلى بدرعا، وأنه لم يعطي أمر بإطلاق النار وأن أوامره كانت خلاف ذلك وقد بدأنا بالمناقشة و طلبنا منه مطالب سياسية منها رفع حالة الطوارئ والسماح بتعددية حزبية وتحجيم دور اجهزة اﻻمن والكف عن التدخل بشؤون المواطنين، وقد وعدنا بشار آنذاك بأن هذه المطالب سوف تلبى جميعها” الغريب الذي سرده أحمد علي المحاميد هو جواب الرئيس عندنا وجه له سؤالا كان فحواه،(سمعنا منك في خطابك بمجلس الشعب انك أمرت بعدم اطلاق النار على المتظاهرين ولكن فوجئنا بقتل عشرة اشخاص بيوم واحد فكيف تم ذلك؟)، وقلت له الشارع يتسائل من الذي يحكم سوريا ؟ فرد بشار الأسد قائلا: “من يحكم سوريا من تجلس عنده اﻻن”.
والأغرب أن الرئيس بشار قال بعد ذلك :لامشكلة في التظاهر ولكن احموا المنشآت الحكومية. ويقول المحاميد “بالفعل لقد استمرت المظاهرات والمطالبات والصدمة حين تفاجئنا بإقتحام مدينة درعا بالدبابات والمدرعات وحوصرنا لمدة 5 ايام، وقد تم قتل حوالي 150 شخص، واعتقال اكثر من الفين شخص خلال يومين فقط، وانتشر الجيش في كل أحياء درعا وبعد ذلك بشهر عدنا للمظاهرات الليله وكنا نلاحق من قبل الأمن، وقد اعتقلت مرتين من قبل اﻻمن السياسي وكنت امكث لعدة اشهر في قسم الفيحاء بدمشق واطلق سراحي” والان بعد خمس سنوات نشاهد أن الشعب السوري لازال يتظاهر مطالباً بالحرية وسقوط النظام، وقد خرجت على مدار الاسبوعين الماضيين مظاهرات كبيرة من مدينة درعا وخاصة في مدرج بصرى الأثري، حيث قد استغل الناس المدنيين للهدنة المنعقدة بين المعارضة والنظام بجانبه روسيا، وخرجوا ليجددوا عهدهم بثورتهم وانهم ما زالوا على دربهم في الثورة.
زهرة محمد – موقع سوريات