‘إعلام النظام السوري: جمود دائم’

19 آذار (مارس)، 2016
5 minutes

يقول إبراهام ماسلو: “الإنسان الذي يتقن استخدام المطرقة يرى كل شيء مسمساراً”، ربما تعبر هذه المقولة بدقة عن حالة الإعلام السوري، فمن تابع قنواته المختلفة وصفحاته على وسائل التواصل الإجتماعي، بعد الإعلان الروسي عن الإنسحاب العسكري من سورية، ينتابه شعور بالعجز عن وصف العقلية المعشعشة في جسد مهم وحيوي في أي مجتمع، وخصوصاً في عصرنا، حيث وسائل الإعلام متاحة في متناول حتى الأطفال عبر تقنيات الإتصال الحديثة ووسائل التواصل الإجتماعي. لكن هلى الرغم من هذه الواقائع الدامغة، يبقى الإعلام السوري وحده مصراً وبقوة على حجب الشمس بغربال، كما يقال.
هذا الحال كان واضحاً في السنوات الخمس الماضية من عمر الثورة السورية، فمنذ البداية، لعب الإعلام السوري دوراً سلبياً، أو يمكن وصفه بالدور المغيّب عن الواقع في وصف وتصوير ما كان يحدث على الأرض من حراك سلمي، بدأ يجتاح شوراع المدن السورية، وتمادى في إطلاق قنابله الموقوتة والمدمرة بشكل أكثر فأكثر، بشكل متماه مع حالة العقلية الأمنية التي أصرت على القمع والقتل كوسيلة للتعامل مع مطالب الناس العادلة.
لم يدرك من يُسيّر هذا الإعلام أن السلاح الذي في يده أشدّ فتكاً من الأسلحة التي بدأ الجنود على الأرض استخدامها ضد المتظاهرين السلميين في عموم المدن السورية، بل راح يبرّر لنفسه كل ما يبثه من أكاذيب ووقائع مزيفة ومعلبة وجاهزة الاستخدام في وجه كل من يتهمه بأن الأداء الذي يؤديه سيء، وأن عورته مكشوفة أمام القاصي والداني، فالتصدي لقنوات الفتنة والمشاركة في سفك الدم السوري، والمساندة للمؤامرة الكونية على سورية، والتضليل الإعلامي ظلت الأسطوانة المبتذلة التي لم يمل من تكراراها طوال خمس سنوات.

أمام هذه العقلية، لا يمكن لأي شخص إلا أن يقف حائراً في وصف الجمود المطبق على أركان صناع هذا الإعلام، حتى من كانوا يصدقون ما ينشره هذا الإعلام، في بدايات الثورة، بدأوا رويداً رويداً بالانفضاض عنه، بل أكثر من ذلك أصبح، مع الأيام، مدعاة للسخرية والتندر بينهم.
من تابع الإعلام السوري، بعد إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن بدء إنسحاب قواته بشكل تدريجي من سورية، بعد أشهر من القصف والتدمير، من دون أن يغير ذلك من الواقع على الأرض شيئاً، يدرك أن هذا الإعلام نعى نفسه منذ زمن طويل، أي منذ الأيام الأولى لبدايات وصول هذا النهج إلى سدة الحكم في سورية، بعد حركة 23 شباط 1966، وإطاحة أمين الحافظ ووصول النظام الحالي إلى السلطة، وإن تأخر إعلان ذلك بشكل علني بضع سنوات، أي بعد ما سميت الحركة التصحيحية عام 1970، ومن حينها وإلى ساعة إعلان بوتين انسحاب قواته من سورية، أي لحظة سقوط الورقة الأخيرة الداعمة للنظام السوري، بعد محاولة النظام نفسه، وبجهود جيشه وإعلامه، الوقوف أمام إرداة الشعب في بداية الثورة، ثم دخول حزب الله، وبعدها إيران وميليشاتها، وفشلهم جميعاً في إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2011، وهذا الإعلام يعمل بالعقلية نفسها، وبالنهج نفسه، وكأن العالم لم يتغير عشرات المرات على كل الأصعدة، السياسية والاقتصادية والتقنية والاجتماعية …إلخ،

فهو على ما يبدو غير معني بكل هذا التغيرات، وظهر ذلك جلياً من كم الأكاذيب والإنفصال عن الواقع التي راح يبثها كالعادة، بعد إعلان بوتين عن الإنسحاب، وبدا واضحاً أنه مرتبك ومتفاجئ، ولا يعرف ماذا يفعل، إلا أنه وامتداداً لعقلية الجمود التي تسيطر عليه منذ عقود، أراد أن يُظهر لمتابعيه من مؤيدي النظام أنه على علم بالخطوة الروسية مسبقاً، وبأن ما حدث كان بتنسيق واتفاق بين بوتين والأسد، بل أكثر من ذلك، حاول الإيحاء بأن الأسد هو من طلب ذلك، لأن المهمة الروسية أتت أُكلها، وأنه شكر الجهود الروسية على ما قدمته من إعادة سيطرته على كل أنحاء سورية، حتى أحسست، وأنا أتابع إحدى قنواته، كما لو أن بوتين أحد الجنرالات في الجيش النظامي، كان مكلفاً بمهمة، وبعد تأديتها بنجاح، عاد إلى قائده لينال جائزته، أو ربما إجازة لبضعة أيام يقضيها مع عائلته.

هذا هو المشهد الذي صوره الإعلام السوري للرئيس بوتين، على الرغم من أنه سمع مثل غيره من وسائل الإعلام العالمية إعلان الانسحاب الروسي. ولكن، على ما يبدو لم يدرك الإعلام السوري بعد الحقيقة التي تقول: من لا يتقدم يتقادم، ومن لا يتجدد يتبدد.

كريم حمود – العربي الجديد